لماذا تعاني المدن من ارتفاع درجات الحرارة.. وماهي الجزر الحرارية الحضرية؟
تشهد عدة مدن ارتفاعًا في درجات الحرارة بسبب تغير المناخ؛ إذ من المتوقع أن يتضاعف عدد المدن المعرضة لدرجات حرارة تصل لـ35 درجة مئوية وأكثر، بمقدار 3 مرات بحلول عام 2050.
وتعاني المدن من ارتفاع درجات الحرارة مقارنة بالمناطق المحيطة، في ظاهرة تُعرف بـ«الجزر الحرارية الحضرية».
ظاهرة تُعرف بـ"الجزر الحرارية الحضرية"
الجزر الحرارية الحضرية أو الجزيرة الحرارة الحضرية (يو إتش آي) هي منطقة حضرية أو مدينة كبرى أكثر دفئًا من المناطق الريفية المحيطة بها بسبب الأنشطة البشرية المتمركزة فيها.
يكون الفرق في درجة الحرارة ليلًا أكبر منه خلال النهار، ويظهر بوضوح أكبر عندما تكون الرياح ضعيفة. تتجلى الجزر الحرارية الحضرية بوضوح أكبر خلال الصيف والشتاء. يُعد تعديل سطح الأرض السبب الرئيسي لحدوث تأثير الجزر الحرارية الحضرية.
وتُعتبر الحرارة المهدرة الناتجة عن استخدام الطاقة مساهمًا ثانويًا في تأثير الجزر الحرارية الأرضية. يميل المركز السكاني خلال نموه إلى توسيع منطقته وزيادة متوسط درجة الحرارة فيه. يُمكن استخدام مصطلح جزيرة حرارية أيضًا للتعبير عن هذه الظاهرة؛ يمكن استخدام مصطلح الجزر الحرارية الحضرية للإشارة إلى أي منطقة أسخن نسبيًا من المناطق المحيطة بها، ولكنها تشير عمومًا إلى المناطق ذات التدخل البشري.
ويزداد معدل الهطولات المطرية الشهرية مع انخفاض الرياح في المدن، ويرجع ذلك جزئيًا إلى تأثير الجزر الحرارية الحضرية. تطيل الزيادات الحرارية داخل المراكز الحضرية مواسم الزراعة، وتقلل من حدوث الأعاصير القمعية الضعيفة. تقلل الجزر الحرارية الحضرية من جودة الهواء بسبب زيادة إنتاجها الملوثات مثل الأوزون، وتقلل من جودة المياه أيضًا، إذ تتدفق المياه الدافئة إلى مجاري المنطقة المائية ما يجهد أنظمتها البيئية.
ولا تمتلك جميع المدن جزيرة حرارية حضرية مميزة، إذ تعتمد خصائص الجزر الحرارية الحضرية بشدة على الخلفية المناخية للمنطقة التي تقع فيها المدينة. يمكن التخفيف من تأثير الجزر الحرارية الحضرية من خلال استخدام الأسقف الخضراء والأسطح ذات الألوان الفاتحة (الأسقف الباردة) في المناطق الحضرية، والتي تعكس ضوء الشمس أكثر وتمتص كميات أقل من الحرارة.
أُثيرت بعض المخاوف بشأن مساهمة الجزر الحرارية الحضرية المحتملة في ظاهرة الاحتباس الحراري؛ رغم عدم اكتشاف الخطوط البحثية أي تأثير مهم للجزر الحرارية الحضرية على المناخ، فقد خلصت دراسات أخرى إلى إمكانية تأثير الجزر الحرارية بشكل غير قابل للقياس على الظواهر المناخية على النطاق العالمي.
أسباب لحدوث ظاهرة الجزر الحرارية الحضرية
هناك عدة أسباب لحدوث ظاهرة الجزر الحرارية الحضرية (يو إتش آي)؛ فمثلًا، تمتص الأسطح المظلمة الإشعاع الشمسي بشكل كبير، ما يتسبب في زيادة درجة حرارة التجمعات الحضرية للطرق والمباني خلال النهار بشكل أكبر من الضواحي والمناطق الريفية؛ تمتلك المواد التي يشيع استخدامها في المناطق الحضرية للأرصفة والأسقف -مثل الخرسانة والأسفلت- جملة خصائص حرارية مختلفة اختلافًا كبيرًا عن خصائص المواد المستعملة في المناطق الريفية المحيطة (بما في ذلك الحرارة النوعية والناقلية الحرارية) والخواص الإشعاعية السطحية (الوضاءة والانبعاثية).
يؤدي هذا الاختلاف إلى تغيير ميزانية طاقة الأرض في المناطق الحضرية، ما يؤدي في كثير من الأحيان إلى ارتفاع درجات الحرارة بشكل أكبر من المناطق الريفية المحيطة بها. السبب الرئيسي الآخر لهذه الظاهرة هو نقص النتح التبخري (من خلال نقص الغطاء النباتي على سبيل المثال) في المناطق الحضرية. وجدت مصلحة الغابات الأمريكية في عام 2018 أن مدن الولايات المتحدة الأمريكية تفقد 36 مليون شجرة كل عام. مع انخفاض كمية النباتات، تفقد المدن أيضًا الظل وتأثير التبريد التبخيري للأشجار.
تُعتبر الآثار الهندسية من الأسباب الأخرى لظاهرة الجزر الحرارية الحضرية. توفر المباني الشاهقة في العديد من المناطق الحضرية أسطحًا متعددة لعكس أشعة الشمس وامتصاصها، ما يزيد من كفاءة تسخين المناطق الحضرية؛ يُسمى هذا «تأثير الوادي الحضري».
هناك تأثير آخر للمباني هو حجب الرياح، الأمر الذي يمنع التبريد بواسطة ظاهرة الحمل الحراري، ويمنع أيضًا تبديد الملوثات. تساهم الحرارة الهائلة الناتجة عن السيارات وتكييف الهواء والصناعة وغيرها من المصادر في نشوء ظاهرة الجزر الحرارية الحضرية أيضًا. يمكن لمستويات التلوث العالية في المناطق الحضرية أن تزيد نسبة ظهور الجزر الحرارية الحضرية أيضًا، إذ يمكن للعديد من أشكال التلوث تغيير الخصائص الإشعاعية للغلاف الجوي. لا ترفع الجزر الحرارية الحضرية درجات الحرارة في المناطق الحضرية فقط، بل تزيد أيضًا من تركيز الأوزون، وذلك لأن الأوزون من الغازات الدفيئة التي يتسارع تكوينها مع زيادة درجة الحرارة.
أكثر 6 مدن تضررًا بظاهرة الجزر الحرارية الحضرية.. أبرزها القاهرة ومدريد
وبحسب دراسات فأن مدريد لديها أشدّ "النقاط الساخنة" عند 8.5 درجات مئوية، ثم مومباي في المرتبة الثانية عند 7 درجات مئوية، بينما شهدت نيويورك ولندن "أقلّ النقاط الساخنة" عند 4.5 درجة مئوية.
ووجدت أن المناطق الساخنة في القاهرة التي تأثّرت بظاهرة الجزر الحرارية الحضرية قد سجلت درجات حرارة أعلى بمقدار 5 درجات مئوية من المناطق الريفية المحيطة، وفق ما جاء في الدراسة التي اطّلعت منصة الطاقة على تفاصيلها.
وأشارت الدراسة إلى أن أكثر النقاط سخونة في غالبية المدن كانت تفتقد إلى التغطية النباتية التي سجلت مستويات أقلّ من 6%، في حين كانت أكثر النقاط برودة في المدن هي التي تحتوي على تغطية نباتية أكثر من 70%، وعُثر عليها بالكامل تقريبًا في الحدائق، بعيدًا عن المناطق السكنية والتجارية.
وقد أسهم ذلك بحدوث تقلبات في التأثير الحراري داخل المدن؛ إذ شهدت "بولاق الدكرور" في القاهرة، التي تفتقد للتغطية النباتية، نحو 6 درجات مئوية أعلى من المناطق الجنوبية لجزيرة القرصاية على نهر النيل، التي يتميز أكثر من 60% من سطحها بخصائص طبيعية (28% نباتات و30% مياه) ودرجات حرارة أقلّ 6 درجات مئوية.
وذكرت الدراسة أن 3 مدن قد شهدت أسوأ " نقاط ساخنة" خلال المساء أو الليل؛ موضحة أن الحرارة الحضرية تُعدّ مشكلة خاصةً في الليل، بسبب امتصاص مواد، مثل الأسمنت للحرارة في النهار، ثم إطلاقها ببطء عند غروب الشمس.
أفضل طرق لمواجهة ظاهرة الجزر الحرارية الحضرية وتبريد المدن
قدّم مؤلفو الدراسة عدّة توصيات من أجل السيطرة على تداعيات ظاهرة الجزر الحرارية الحضرية، تتمثل فيما يلي:
-زيادة غطاء الأشجار: أثبتت الأشجار أنها تقلل من درجات الحرارة في المدن، وتقلل من الوفيات المرتبطة بالحرارة، كما هو موضح بدراسة حديثة في لانسيت في المدن الأوروبية، إذ إن زيادة غطاء الأشجار بالمدينة إلى 30% من الممكن أن يمنع 2644 حالة وفاة.
-إنشاء أسطح أكثر نفاذًا: تميل الأسطح القابلة للنفاذ، مثل التربة المكشوفة أو المزروعة، إلى -امتصاص حرارة أقلّ، مقارنةً بالأسطح غير النفاذة، مثل الخرسانة أو الأسفلت، وزيادة الأسطح النفاذة والسماح للمياه بالتسرب إلى الأرض ستؤدي إلى تبريد البيئة المحيطة.
-استغلال كل مساحة ممكنة: أكثر من نصف المساحة في المدن، بما في ذلك الأسطح والشوارع، هي مساحة مفتوحة، تمثّل فرصة لتوفير حماية أكبر للمباني، وتشمل بعض هذه التدابير تخضير واجهات المباني، وتخضير الأسطح، أو استعمال الدهانات البيضاء لتغيير درجة انعكاس الأسطح وتقليل كمية الحرارة الممتصة من الشمس.
-إنشاء جزر باردة: مع توقّع استقبال المدن لموجات حارّة كل صيف، يجب إنشاء شبكة من الأماكن الباردة في المدن ليلجأ إليها الناس، فعلى سبيل المثال، تسهم إعادة نوافير المياه إلى المدن في الحفاظ على صحة المواطنين، وتصبح نقطة الوصول الرئيسة إلى المياه خلال وقت الجفاف.
-تحفيز تغيير السلوك: يجب على الناس تغيير أسلوب حياتهم في المدن خلال العقد المقبل، بما في ذلك قيلولة الظهيرة، وإعادة النظر في ساعات العمل، وإغلاق المتاجر والمطاعم خلال موجات الحر الشديدة.