رمضان على شواطئ البحر الأحمر..عراقة ممزوجة بنسيم الأمواج
يشعل البحر الأحمر حاليًا محركات البحث، والذي تشق مياهه جانبي العالم العربي الأفريقي والأسيوي، ولقبه البحارة والمؤرخون بـ"البحر العربي"، ويتميز خلال الشهر الفضيل بأجواؤه العربية الأصيلة مع إختلاف عادات سكانه ممتزجه بثقافة البحر.
حيث لم تزيد شواطئه سكانه الواقعين حوله إلا عراقة، ولذلك ستقوم "الأمصار" بجولة رمضانية في مدن البحر الأحمر من أقصى شماله وصولًا لمضيق باب المندب الذي يفصله عن مياة المحيط.
العقبة
نبدأ جولتنا الرمضانية من أقصى شمال البحر الأحمر وهي مدينة "العقبة" الأردنية، حيث تُضفي عليه مزيج من المظاهر الاحتفالية والتراثية العريقة، مع لمسة من العصرية.
ويعتمد الأردنيون على معرفة هلال رمضان ودخوله عبر وسائل الإعلام المرئية والمسموعة، ومع إعلان ذلك تعم الفرحة أرجاء العقبة ، ويتبادل الناس التهاني والبركات.
وتُنشط خلال شهر رمضان العبادات، من قراءة القرآن الكريم، وإقامة الصلوات بالمساجد، وبخاصة صلاة العشاء والتراويح، التي تُقام حولها دروس العلم يقدمها علماء أجلاء من مصر والسعودية.
ويُقبل الأردنيون بكثرة على تقديم الزكاة والصدقات وتوزيع موائد الرحمن خلال شهر رمضان، تعبيرًا عن روح التكافل والتضامن بين أفراد المجتمع.
ولا تزال عادة المسحراتي حاضرة في العقبة ، حيث يجول المسحراتي في الشوارع مع حلول موعد السحور، ليُنادي ببعض الكلمات والأصوات لإيقاظ الناس لتناول وجبة السحور.
ومع لحظة الإفطار، يجتمع أفراد العائلة لتناول التمر والماء والحليب، ثم يتناولون وجبة الإفطار الرئيسية التي تتكون من الأطباق الأردنية التقليدية مثل المنسف، والفتوش، والمسخن، ومن الحلويات الرمضانية مثل القطايف والكنافة المصرية والشامية.
ويُفضل الأردنيون خلال شهر رمضان تناول المشروبات الرمضانية مثل قمر الدين، والعرق سوس، والتمر الهندي، مع وجبة الإفطار.
وتُعدّ العادة الأردنية "اللمة" من أهم مظاهر رمضان في العقبة، حيث يجتمع أفراد العائلة والأصدقاء في المساء لتناول القهوة العربية، وتبادل الأحاديث، وقراءة القرآن الكريم، وإحياء الليالي الرمضانية.
رمضان في الغردقة
نتجه جنوبًا عند الشاطئ المصري للبحر الأحمر، ونصل لإحدى المدن ذات الثقافة الأصيلة لسكان البحر الأحمر، وهي مدينة القصير، حيث يستقبل محافظة البحر الأحمر شهر رمضان المبارك بمظاهر احتفالية مميزة تعكس روح الوحدة والتسامح بين مختلف الطوائف الدينية، حيث شهدت المحافظة العديد من الفعاليات والأنشطة التي جسدت روح التآخي والمشاركة بين أبناء الوطن الواحد.
ولا تقتصر احتفالات رمضان في البحر الأحمر على المظاهر الدينية فقط، بل شملت أيضًا جوانب ثقافية وفنية مميزة. فقد تم تركيب أكبر فانوس وهلال رمضان في شوارع مدينة الغردقة، مما أضفى جوًا من البهجة والسرور على المكان.
وحظيت هذه الفعاليات بمشاركة واسعة من أهالي البحر الأحمر من مختلف الأعمار والفئات، مما يعكس روح التضامن والتآخي التي تُميز المجتمع المصري خلال شهر رمضان المبارك.
وتُعدّ محافظة البحر الأحمر نموذجًا يحتذى به في مجال التسامح والتعايش السلمي بين مختلف الطوائف الدينية. وتُجسّد احتفالات رمضان في المحافظة روح الوحدة الوطنية والاعتزاز بالتراث الشعبي المصري.
رمضان في ينبع
ننتقل إلى الضفة الأخرى من البحر الأحمر، وخاصة الشاطئ السعودي، حيث لا تختلفُ عادات ينبع في شهر رمضان عن أي مدينة أخرى في الحجاز، لتشابه عاداتها وتقاليدها منذ العهود الماضية، ففي ينبع تعتمد سفرة رمضان على وجبات الشهر الكريمِ من كل عام مثالًا في الإفطار، يبدأ الصائمون إفطارهم بالتمر والماء، وبعد ذلك تأدية صلاة المغرب، والشوربة الحبُّ مع اللحم الطَّري الضاني الحري كوجبة رئيسة في رمضانَ، وكذلك المقلية (الفلافل) واللقيمة واللحوح والكنافة على الفحمِ، وهذه أهم الأكلات الشعبية المعمول بها، بالإضافة إلى السوبيا، وعصير قمر الدين.
أمَّا السحور بالنسبةِ لأهالي ينبع الأرز والسمك المقلي، أو السمك المسلوق، مع قليل من التوابل والملح، وذلك لعدمِ الإحساسِ بالعطش طيلة النهار.
وفي نهاية رمضان أو الأسبوع الأخير منه يقام ما يسمى «الوداع»، وهو وداع شهر رمضان، وله غناءٌ برفقة شيخ مختص ويرددون معهُ بشكل جماعي ما يقوله الشيخ مثالًا الوداع الوداع يا شهر رمضان، وفي الليلة نفسها يتناول الصائمون وقت السحور أكلًا خفيفًا، وهو ما يسمى «سحور اليتيمة».
رمضان في جدة
تحظى جدة التاريخية في رمضان، وعلى مدار العام، بمكانة خاصة تميزها عن سائر معالمها ووجهاتها الأخرى، فمن يذهب إلى جدة كوجهة سياحية لابد أن تكون منطقة "البلد" هى نقطة البداية والانطلاق، حيث تعتبر تلك المنطقة هى مركزها التاريخي العريق والشهير والمتميز، والذي أدرجته منظمة اليونيسكو ضمن مواقع التراث العالمي.
وتشتهر جدة التاريخية منذ القدم بأسواقها الشعبية العديدة، إلى جانب المراكز التجارية الفاخرة والحديثة التي تبيع أشهر الماركات العالمية، وهو ما يجعل جدة وجهة مفضلة للمعتمرين وعشاق السياحة والتسوق، والذين يقصدونها لشراء الهدايا والتذكارات والاحتياجات، وخاصة في شهر رمضان المبارك، كما تشهد الأسواق الشعبية والتقليدية في جدة التاريخية حركة دائبة، نظرًا لبساطتها وأجوائها التي تفوح بالأصالة والعراقة.
وتحفل جدة التاريخية هذا العام بالعديد من الفعاليات التي تجذب آلاف السياح والمعتمرين، إلى جانب ما تتمتع به من معالم ومبانٍ أثرية وتراثية عريقة مثل قصر خزام وبيت نصيف، والتي تشارك جميعها هذا العام في "مهرجان البلد الرمضاني" الذي يجمع بين الفن والثقافة والتعليم، في مزيج فريد يتناسب مع موقعها التراثي العالمي.
وتحتضن جدة التاريخية أيضًا فعالية (حي جميل) الذي يثري ذكريات الزوار بليالي رمضانية مميزة عبر باقة من الفعاليات الثقافية والفنية الثرية، حيث يشجع حي جميل على الإبداع والصناعة المحلية عبر استقبال المشتركين ضمن ليالي رمضان، ليتحول الحي الثقافي إلى ملتقى لإبداعات الطهاة الذين يقدمون أشهر الأطباق التي يتداولها السعوديون خلال شهر رمضان المبارك، إلى جانب العديد من الفعاليات الأخرى التي تفتح الطريق أمام السائح، ليخوض رحلة بين أروقة التاريخ وعبق التراث.
بورتسودان:
يكتسب شهر رمضان المبارك في مدينة بورتسودان الساحلية السودانية أهمية خاصة، حيث تُحيي فيه العادات والتقاليد التي تجسّد قيم المحبة والتواصل والتآخي، وتُضفي عبقًا مميزًا على كل منزل وبيت.
ويبدأ الاستعداد لاستقبال رمضان في بورتسودان قبل وقت طويل، وتنتشر أجواء مميزة مع حلول شهر شعبان، حيث تنشط النساء في إعداد مشروب "الحلو مر" أو "الآبري" كما يُطلق عليه البعض، وهو مشروب تقليدي متوارث عبر الأجيال، يُعدّ سيّد المائدة السودانية خلال الشهر الفضيل.
ويُعدّ "برش رمضان" المكان المخصص للإفطار الجماعي، وهو عبارة عن سجاد شعبي يُصنع من سعف النخيل، ولكن مع مرور الوقت، اتجه البعض لاستخدام السجاد العصري. ولكن لا يزال اسم "برش رمضان" يُطلق على مكان الإفطار.
من الأطباق الشائعة والمتوارثة على موائد رمضان في بورتسودان طبق "العصيدة"، ويحرص الناس على تناولها خلال الشهر الفضيل، رغم أنها قد تتواجد على المائدة في غير رمضان أيضًا. وتتميز العصيدة بسهولة تحضيرها، ما يجعلها طبقًا أساسيًا على موائد السودانيين.
ويقوم الكثير من السودانيين بعادة قطع الطرق أمام المسافرين مع اقتراب موعد الإفطار، حيث يتم إغلاق الشوارع تمامًا أمام المركبات. ويتسابق أهل القرى والمدن على احتلال الشوارع واعتراض المركبات، ودعوة المسافرين لتناول وجبة إفطار على موائدهم الرمضانية التقليدية.
رمضان في إريتريا
ننتقل إلى الجزء الجنوبي من البحر الأحمر في البلاد الجميلة إريتريا، تزدهر روح التراث والروحانية خلال شهر رمضان المبارك، حيث تتألق المساجد والمنازل بالإضاءة والتزيين، مما يجسد التعبد والتضامن والتكافل الاجتماعي بين الأهالي.
وبالرغم من أن رمضان في إريتريا يشابه رمضان في العديد من البلدان الإسلامية من حيث المظاهر والطقوس، إلا أنه يحمل بعض الخصوصيات التي تبرز هوية هذه الدولة الأفريقية.
طقوس الاستعداد:
قبل حلول رمضان، يتصالح المتخاصمون وتتصافى النفوس في إريتريا، وتشهد المساجد جهودًا مكثفة لتجديد وتنظيف وتزيين أبوابها وأروقتها بالأنوار والزينة. ومع تأكيد رؤية الهلال، يعلن مفتي البلاد دخول شهر الصوم المبارك، مما يشعل فرحة المسلمين الذين يتوافدون إلى بيوت الأقارب والأحباب لتبادل التهاني والدعوات للخير.
الأطباق والطقوس:
تتميز المائدة الرمضانية في إريتريا بتنوع الأطباق والمقبلات، مع تأثير الثقافة والطبيعة الخلابة للبلاد. يزداد إقبال المصلين على المساجد حيث يقيمون صلاة التراويح ويشاركون في حلقات الذكر وتلاوة القرآن، ويزداد التواصل والتراحم بين الأهالي.
المسحراتي:
تأخذ طقوس السحور في إريتريا طابعًا خاصًا، حيث يتم تناول طعام السحور في آخر بيت في الحي، مما يجسد الترابط الاجتماعي بين الجيران والتضامن في تقديم الدعم لبعضهم البعض.
طقوس الوداع والاحتفال:
تشهد إريتريا طقوسًا خاصة في توديع شهر رمضان المبارك، حيث يجتمع الناس في مساجد معينة لأداء المدائح والأدعية حتى نهاية الشهر، ويؤدون صلاة التهجد في العشر الأواخر، وتعم الفرحة في أوساط الأطفال الذين يختمون المصحف الشريف ويحتفلون بهذا الإنجاز.
عادات وتقاليد رمضانية في مدينة الحديدة اليمنية
على الشاطئ الآخر من جنوب البحر الأحمر، وخاصة في محافظة الحديدة الواقعة غربي اليمن، تعيش الأهالي تحت سقف عادات قديمة تتوارثها الأجيال عبر الزمن، تحكي روح التراث والأصالة والمحبة والتواصل الديني والأخلاقي والحياتي بينهم، وتظل هذه العادات والتقاليد تشكل جزءًا لا يتجزأ من هويتهم الثقافية والاجتماعية.
ورغم الحرب الدائرة، إلا أن هذه العادات العميقة تبقى قائمة، تشكلًا جزءًا من الأمل والقوة للتمسك بالهوية والثبات في وجه التحديات.
تعكس العادات والتقاليد في محافظة الحديدة الروح المجتمعية والروحانية التي ترافق حلول شهر رمضان المبارك. تتمثل هذه العادات في استعدادات استقبال الشهر الفضيل قبل بدايته، حيث يتزين الأسواق والمنازل بأضواء وفوانيس ترحيبية برمضان، ويبدأ الناس بزيارة الأهل والأقارب لتبادل التهاني والدعوات للخير والبركة.
في أول أيام رمضان، تشتهر المنازل بتحضير أشهى المأكولات التي تعكس تراث المنطقة وتنوع ثقافتها الغنية.
ويتميز إفطار أهالي الحديدة بتناول الأطباق التقليدية مثل السنبوسة، والكريم كراميل، واللحوح، بالإضافة إلى توفر التمر والعصائر الطبيعية.
ومع حلول وقت الإفطار، يتجمع الأهالي لأداء صلاة المغرب، ثم ينتقلون إلى تناول وجبة الإفطار بعد طول الصيام، وبعد ذلك يتوجهون لأداء صلاة العشاء وصلاة التراويح التي تمثل ذروة الروحانية في شهر رمضان.
بمجرد إعلان بداية شهر رمضان، يعم الفرح والبهجة بين أهالي الحديدة كما في كافة أنحاء اليمن، حيث يتبادلون التهاني والتبريكات بحلول الشهر الفضيل. وعلى الرغم من التطورات التكنولوجية، فإن الأهالي يفضلون الاعتماد على الطرق التقليدية في معرفة بداية الشهر الكريم، مما يضيف جوًا من التشويق والروحانية لاستقبال هذا الشهر العظيم.
رمضان في عدن
نصل إلى نهاية البحر الأحمر وخاصة عند أهم الممرات البحرية الشهيرة به وهو مضيق باب المندب القريب من مدينة عدن، وتعتبر مدينة عدن منارةً ثقافيةً وتاريخيةً تضيء سماء اليمن خلال شهر رمضان، حيث تتجلى خصوصيتها في الطقوس والتقاليد التي يحافظ عليها أهلها عبر الأجيال.
منذ بداية شهر شعبان، يبدأ الصائمون في عدن استعداداتهم لاستقبال شهر الصوم بفرح وبهجة حيث يتزين شوارع المدينة بالفوانيس والزينة، مع توافد الناس إلى الأسواق لشراء مستلزمات الإفطار وتحضير السفرة الرمضانية الخاصة بهم.
ومع حلول وقت الإفطار، يتجمع الناس حول الموائد لتناول وجباتهم الرمضانية التقليدية، ومن بينها "اللحوح"، الذي يتم بيعه في الأسواق من قبل الباعة المحليين مثل حسين علي، الذي يعتبر الصيام والعمل في رمضان فرصة للعبادة وكسب الرزق.
وتتميز سفرة الإفطار العدنية بتنوعها وغناها، حيث تجتمع الأطباق الهندية واليمنية لتشكل تجربة مذاقية فريدة. تتصدر قائمة الحلويات "البدامي" و"الجلاب جامو"، التي تعكس مهارة نساء المدينة في صنع الحلويات التقليدية.
ولا تقتصر أجواء رمضان في عدن على الطعام والشراب فقط، بل تمتد إلى الفعاليات الاجتماعية والثقافية.
و يتجول الأطفال في الحارات محملين بالمشاعل، ويرددون الأهازيج الترحيبية بشهر الصوم، فيما يستمتع الكبار بلعب الدمنة وقراءة الجرائد في المقاهي.
في ختام اليوم، تتبادل العائلات الزيارات وتتجمع حول السفرة في لمّة رمضانية تجمع بين التراث والتجدد، ما يجعل رمضان في عدن تجربة فريدة لا تُضاهى في أي مكان آخر في اليمن.
رمضان في جيبوتي
وعلى الجانب الأفريقي من مضيق باب المندب توجد جيبوتي، وتعد من العادات الشائعة في جيبوتي خلال شهر رمضان، هى تناول وجبة الإفطار مع العائلة والأصدقاء والقيام بعمل الموائد الرمضانية التي تقام في كل حارة من حارات جيبوتي حيث يقوم جميع أبناء الحي بتجهيز الفطور في الشارع وتجهيز الطعام حيث يتساوى كل الأفراد في مكان واحد.
ويعد شهر رمضان في جيبوتي فرصة للتقرب من الله وتعزيز العلاقات الاجتماعية بين الناس، والمائدة الرمضانية تعتبر السمبوسة أولى الأطعمة المقدمة، واللحوح والهريس والثريد مع لحم الغنم، وأيضاً يتبادلون أطباق الإفطار مع أقاربهم وأصدقائهم في رمضان، ويفضل الغالبية تناول وجبة العشاء بعد صلاة التراويح، والتي تكون عبارة عن الأرز والشعيرية والمكرونة (الباسطة)، إضافة إلى شوربة المرق.
ويتناولون العصائر مع المعجنات، وتدور كؤوس الشاي والقهوة، وتعد فطائر الخمير من أشهر الفطائر في جيبوتي، وفطائر "باجية"، بالنسبة للحلوى فهناك ما يعرف باسم "مخبزة"، وهو عبارة عن رغيف جيبوتي كبير يفتت ثم يضاف له الموز والعسل ويخلط، ويتم تناوله في رمضان أيضا، أما الشاي فيتم تطييبه بإضافة أعواد القرفة والهيل، كما لا يستغني الناس عما يعرف بحلوى اللوز وحلوى أخرى تشبه الجيلي.