جائزة الشيخ حمد للترجمة تنظم ندوة "العربية والبلوشية:جسر الخطاب الحضاري والحوار الفكري"
نظمت جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي ندوة دولية عن بعد بعنوان "العربية والبلوشية: جسر الخطاب الحضاري والحوار الفكري"، بمشاركة عدد من الباحثين والمترجمين والأكاديميين الذين قدموا أوراقهم ومداخلاتهم عبر ثلاث جلسات.
وعاين المشاركون في الندوة التي تأتي في سياق اختيار البلوشية ضمن اللغات المستهدفة في مسار الإنجاز للموسم العاشر من الجائزة، تاريخ حركة الترجمة بين اللغتين، ومجالات الترجمة، وأبرز المؤلفات التي حظيت بالترجمة، والتحديات والمعوقات التي تواجه المشتغلين في هذا المجال، وطبيعة الجهود الرسمية والفردية المبذولة للنهوض بواقع الترجمة، وأوجه الترابط بين اللغتين وحجم التأثر والتأثير بينهما.
(الجلسة الأولى)
تضمنت الجلسة الأولى التي أدارتها الإعلامية والكاتبة الكويتية سعدية مفرّح ورقةً بعنوان "جذور البلوشية وعلاقتها بالعربية" لمحمد يونس كريم خان (دولة الإمارات) قرأها بالنيابة عنه حافظ عطاء الرحمن الضامراني.
وجاء في الورقة أن اللغة البلوشية التي تعد إحدى اللغات الإيرانية الغربية في إقليم بلوشستان الواقع جنوب غرب آسيا، تلقت تأثيرات كثيرة من اللغات القريبة والبعيدة، بما فيها اللغة العربية، ويعود ذلك إلى العديد من العوامل التاريخية والثقافية التي أثرت على التبادل الثقافي والتجاري بين الشعوب في المنطقة.
وبحسب خان، تشير الدراسات اللغوية إلى وجود بعض الكلمات المشتركة بين البلوشية والعربية، وإلى أن العديد من الكلمات في المجالات الفنية والدينية والاجتماعية تم استيعابها من اللغة العربية إلى اللغة البلوشية، مما يعكس التأثير المتبادل والارتباط العميق بين اللغتين على مر العصور.
ولفتت ورقة خان إلى أن اللغة البلوشية تمتلك هويتها الفريدة ونظامها اللغوي الخاص، فهي تحتوي على عدد كبير من الأصوات والقواعد النحوية التي تميزها عن العربية وغيرها من اللغات
وأوضحت الورقة أن اللغات الأفروآسيوية، مثل العربية والأمهرية والصومالية، واللغات الهندوأوروبية، مثل السنسكريتية واللاتينية والإنجليزية والبلوشية، جزء من فروع عائلات لغوية مختلفة، ولكن العلماء لاحظوا تشابهاً بين بعض الكلمات والأصوات والتركيبات النحوية في هذه اللغات.
بدوره، استعرض علي عبد الحنان (بلوشستان) تاريخ الترجمة من العربية إلى البلوشية، قائلاً إن بدايته تعود إلى بداية العلاقة بين الشعبين البلوشي والعربي، ثم ازدهرت الترجمة وانتشرت في عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
وقال إن الترجمة من العربية إلى البلوشية كانت شفاهية قبل مجيء الإسلام وبعد مجيئه، إذ كان العلماء يستشهدون بالنصوص من القرآن والحديث وأقوال السلف ثم يترجمونها ويشرحونها باللغة البلوشية، وفي زمن الاستعمار البريطاني لبلوشستان الذي بدأ عام 1877م ظهرت حملات التنصير، فشعر العلماء بالخطر وأسسوا مكتبة تهتم بترجمة الكتب الدينية العربية، فتأسست مكتبة الدرخاني عام 1883م، ومن هنا بدأت الترجمة المكتوبة والمحررة، فتمت ترجمة معاني ألفاظ القرآن الكريم عام 1908م وطُبعت هذه الترجمة عام 1911م.
وقسم عبد الحنان الجهود في مسار الترجمة العربية إلى البلوشية، إلى قسمين؛ الأول جهود المراكز والمكاتب، والثاني جهود الأفراد.
وفي سياق حديثه عن القسم الأول، قال إن مكتبة الدرخاني لم تكن مجرد مكتبة، بل مثّلت حركة علمية وفكرية ضد الاستعمار، فترجمت العديد من الكتب منها: "الفقه الأكبر"، و"كنز الدقائق"، و"منية المصلي".. أما الجهود الفردية فهي كثيرة ومنها: ترجمة تفسير القرآن الكريم، وترجمة "العقيدة الطحاوية" و"بلوغ المرام" و"الرحيق المختوم". إلى جانب ترجمة أعمال أدبية مثل ديوان "لماذا تركت الحصان وحيداً" لمحمود درويش.
وتحدث حافظ عطاء الرحمن الضامراني (إسلام آباد) عن الكتب الدينية والأدبية المترجمة من العربية إلى البلوشية، قائلاً إن المواد الدينية كانت من أوائل ما تُرجم من العربية إلى البلوشية من خلال مكتبة الدرخاني التي أنشأها الشيخ فاضل درخان وقدمت خدمات جليلة في نشر الدين الإسلامي.
وأضاف أن المكتبة نشرت ترجمة معاني ألفاظ القرآن الكريم من إعداد الشيخ حضور بخش الذي ترجم أيضاً "نور الإيضاح" و"الأربعون النووية"، أما الترجمة الثانية لمعاني ألفاظ القرآن فبدأها الشيخ قاضي عبد الصمد السربازي، لكنه توفي قبل أن يكملها، فقام بإكمالها الشيخ محمد الندوي. كما ترجم الشيخ عبد الغفار الضامراني معاني الألفاظ في خمسة وعشرين جزءاً وتولى حافظ اسماعيل الضامراني ترجمة معاني الألفاظ في الأجزاء الباقية.
ولفت الضامراني إلى قلة الترجمات الدينية وغياب الاهتمام بترجمة الكتب الأدبية إلى البلوشية، مستدركاً بأن هناك تحولاً مبشراً في هذا المجال بالآونة الأخيرة، إذ تمت ترجمة أعمال على غرار "امرأة عند نقطة الصفر" لنوال سعداوي و"موسم الهجرة إلى الشمال" للطيب صالح، وبشأن حركة الترجمة من البلوشية إلى العربية ذكَر الباحث كتابَ "على ضفاف البحر" للعالم اللغوي سيد ظهور شاه مثالاً عليها.
وفي ورقته "الكتب المترجمة من العربية إلى البلوشية في العصر الحديث"، قال سیف الله بهرام (البحرين)، إن الترجمة كانت في السابق شفاهية، لكن هناك تحول نحو الترجمة المكتوبة، بخاصة أن هناك مصطلحات وتعابير عربية معروفة لدى البلوش.
وأضاف أن معاني ألفاظ القرآن الكريم تُرجمت قبل أكثر من قرن، وأُنجزت بعد ذلك عدة ترجمات في هذا السياق، كما تُرجمت الكتب الدينية مثل "الأربعون النووية" و"رياض الصالحين و"مختصر صحيح البخاري" و"عمدة الأحكام".
(الجلسة الثانية)
بدأت الجلسة الثانية التي أدارها الدكتور عبد الرحمن رفيق البلوشي (بلوشستان)، بورقة للشيخ عبد الحكيم البلوشي (دولة الإمارات)، توقف فيها عند الصفات الحميدة الفطرية لدى قبيلة البلوش؛ كالجود والسخاء، ونصرة المستجير والمظلوم، والشجاعة،
أما شيخ أسد لله مير الحسني (باكستان) فتحدث عن تاريخ اللغة البلوشية قائلاً إنه لا يمكن الجزم بتاريخ دقيق للكتابة بها وتدوين قواعدها، لكن بعض المعنيين بهذه اللغة يرون أنها دخلت طور الكتابة والتدوين قبل ثلاثة قرون، أي أن القرنين السابع عشر والثامن عشر للميلاد كانا نقطة انطلاق اللغة البلوشية نحو الحياة والازدهار وتحقيق مكانتها الرسمية بين اللغات الحية في المناطق، بينما مثّل القرن التاسع عشر (وخاصة بعد سنة 1940م) نهضة جديدة وجديرة بالدراسة والاهتمام لهذه اللغة.
وأوضح أن عهود الترجمة إلى البلوشية تنقسم إلى ثلاث فترات، تستحضر كلٌّ منها معانيَ وأحداثاً تاريخية تعكس تطور حركة الترجمة وتأثيرها على الحركة الثقافية. إذ امتدت الفترة الأولى بين عامَي 1815 و1883، في زمن شهدت فيه بلوشستان وجوداً إنجليزياً متزايداً، مما أدى إلى بزوغ الترجمة من الإنجليزية إلى البلوشية كوسيلة لنقل المعرفة، ولكن دور الترجمة اقتصر على نقل الأفكار من الإنجليزية إلى البلوشية فقط، إذ لم يُعثَر على أي نص مترجَم من البلوشية إلى العربية أو العكس خلال تلك الفترة.
ووفقاً للحسني، تقع الفترة الثانية بين عامَي 1883 و1953، وفيها ازهرت الترجمة في ظل وجود مكتبة درخاني كمركز ثقافي وعلمي مهم في بلوشستان، واتسمت تلك الفترة بكثرة الترجمات من العربية إلى البلوشية، حيث كان المسلمون في بلوشستان يواجهون تحديات إيمانية، فتأسست مدرسة دينية في عام 1880، تحولت بعد ثلاث سنوات إلى مكتبة علمية، وأدرك العلماء حينئذ أهمية الترجمة من العربية إلى البلوشية، إذ كانت العربية لغة الدين والعلم والثقافة، وشجّع هذا الوعي العديد من المفكرين والعلماء والمترجمين على دراسة اللغة العربية وترجمة النصوص الدينية والفلسفية والعلمية.
وتحدث الحسني عن دور العلامة حضور بخش الجتوئي في عملية الترجمة إلى البلوشية، إذ بدأ الجتوئي رحلته مع ترجمة معاني ألفاظ القرآن الكريم في عام 1911، ثم ترجم العديد من الكتب الدينية والفلسفية والأدبية.
ومن بين الكتب التي تُرجمت خلال الفترة الثانية، ذكر الحسني: "منية المصلي وغنية المبتدي" لأبي عبدالله محمد الكاشغري، و"الفقه الأكبر" للإمام أبي حنيفة، و"الشمائل المحمدية" للترمذي، و"مختصر القدوري" لأبي الحسين أحمد بن محمد الحنفي البغدادي، و"خلاصة فقه الكيداني" للعلامة لطف الله محمد الكيداني النسفي الحنفي، و"ناصح المسلمين" للشيخ محمد بن عبدالله الجرداني، و"كتاب الصلاة" لابن الجوزي، و"نور الإيضاح" لحسن بن عمار بن علي المصري الشرنبلالي، و"وصايا الإمام أبي حنيفة"، و"نصائح لقمان الحكيم".
وتحدث الحسني عن ترجمات أخرى نشرتها مكتبة الدرخاني لكتب مثل "نهج البلاغة "للإمام علي بن أبي طالب، و"الأربعون" للنووي، و"المعجم الصغير" للطبراني، و"الحجاج بن يوسف"، و"حكايات لطيفة"، و"حكايات عجيبة"، و"حكايات الصادقين"، و"روضة الأحباب"، إلى جانب بعض التفاسير والكتب الأخرى التي لم تكتمل معرفتنا بأسماء مترجميها.
وأكد أن خدمات علماء مكتبة الدرخاني تجاوزت الجوانب الدينية إلى الجوانب الأكاديمية والأدبية، إذ قاموا بتقديم أعمال ثرية ومتنوعة تحتوي على المعرفة والحكمة والجمالية.
وبشأن الفترة الثالثة من عهود الترجمة إلى البلوشية، قال الحسني إنها بدأت منذ عام 1953 وشهدت عمليات الترجمة فيها تزايداً من اللغات الأخرى إلى البلوشية، مع استمرار جهود المترجمين من العربية أيضاً. ومن بين المترجمين البارزين في هذا العصر ذكر: الشيخ عبد الباقي الدرخاني، والسيد ظهور شاه الهاشمي، والشيخ القاضي عبد الصمد السربازي، والشيخ خير محمد الندوي، والشيخ الدكتور أبو يحيى محمد قاسم العيني، والدكتور شاه محمد المري، والشيخ محمد أنور نور.
وأكد الحسني أن الحصول على الكتب المترجمة محدود، حيث تم العثور على بعض الكتب فقط، مثل ترجمة معاني ألفاظ القرآن الكريم للشيخ القاضي عبد الصمد السربازي، و"ترجمة جزء عم" للسيد ظهور شاه الهاشمي، و"الأربعون النووية" للدكتور أبي يحيى العيني، و"رياض الصالحين" لسمعية الضبابي، بالإضافة إلى كتابين يضم أحدهما قصائد محمود درويش ويشتمل الآخر على أعمال سمير الجندي ترجمهما أنور نور.
وأشار إلى أن هناك كتباً مترجمة من العربية إلى البلوشية، ولكن عبر لغة وسيطة كالأردية أو الإنجليزية. على سبيل المثال، ترجم شرف شاد رواية "اللص والكلاب" و"المجموعة القصصية "نصف يوم" لنجيب محفوظ، وترجم الشيخ غلام فاروق البلوشي "الأجنحة المكسورة" لجبران خليل جبران، وترجم شاه محمد المري "المجنون" لجبران أيضاً، وترجم فدا أحمد "موسم الهجرة إلى الشمال" للطيب الصالح وبعض أعمال رسول حمزاتوف.
وأكد الحسني أن هذه الجهود الفردية تُظهر التفاني في نشر الأدب والمعرفة بين المجتمع البلوشي، كاشفاً أن هناك كتباً مترجمة لبعض المشائخ لم تُطبع بسبب التكلفة.
وعن تجربته الشخصية في الترجمة، قال إنه ترجم "خان الخليلي" لنجيب محفوظ، وترجم من البلوشية إلى العربية رواية "نازك" للسيد ظهور شاه الهاشمي.
وختم الحسني ورقته بقوله إن هناك مؤسسات ومكتبات علمية متخصصة في اللغة البلوشية، مثل أكاديمية السيد ظهور شاه الهاشمي في كراتشي، وأكاديمية آزاد جمالديني في كراتشي، وأكاديمية ملا فاضل في تربت، وأكاديمية ملا عِزِت في بنجكَور، وأكاديمية البلوشية في كويتا وكراتشي، إلا أنها لم تؤثر بوضوح في جهود وتشجيع الترجمة ونقل الثقافة بين اللغتين، إذ يبدو أن التركيز الرئيسي لهذه المؤسسات كان على جوانب أخرى من اللغة والثقافة البلوشية، ولم تولِ الاهتمام الكافي لدعم عملية الترجمة وتوسيع دائرة الثقافة المتبادلة.
بدوره، تحدث الشيخ شبيب بن خليفة البلوشي (سلطنة عمان) عن المعوقات التي تواجه المترجمين بين اللغتين البلوشية والعربية، وقال إن أهمَّها الاختلافات اللّغويّة والثقافيّة والتّقنيّة، ممّا يؤثر على جودة التّواصل والتّفاهم بين الثّقافات والشعوب النّاطقة بهاتين اللّغتين.
وأضاف أن المعوقات اللّغويّة تعدّ من أهم التحديات التي يواجهها المترجمون، وهي تشمل الاختلافات الصّوتيّة والنحويّة والفروق الدلالية والثقافية.
وتابع بقوله إن الاختلافات الصّوتيّة تتضمن تبايناً في الأصوات المستخدمة وترتيب الكلمات وتراكيب الجمل في اللّغتين، مشيراً إلى أن التّنوّع اللّغويّ سبب أساسيّ لتحدّيات التّرجمة، وبما أنّ الاختلافات الدّقيقة في الصّوت يمكن أن تؤدّي إلى تغيير المعنى بشكل كبير، فإنّ التّرجمة الدّقيقة والمهنيّة تتطلّب "فهماً عميقاً لهذه الاختلافات، ومعاونة من قبل المتخصصين لتحقيق النّقل الدّقيق للمعاني بين اللّغتين".
وأشار إلى أن الترجمة الحرفية للكلام تعد مشكلة أخرى تواجه المترجمين في عملهم بين اللّغتين، تضاف إليها التّرجمة للتّقاليد والعادات، فكلّ ثقافة لها تقاليد وعادات خاصة بها، وقد يكون من الصّعب ترجمتها بدقة وفهمها بشكل صحيح.
وتحدث البلوشي عن قلّة الموارد التّقنيّة بوصفها معوقاً يواجه المترجمين بين اللّغتين، فعلى الرّغم من التّطوّر التكنولوجي في مجال التّرجمة الآليّة، إلّا أنّه ما يزال هناك نقص كبير في الموارد التّقنيّة المتاحة لهاتين اللّغتين، فعدم وجود برامج ترجمة متخصصة ومعترف بنا ومتاحة بشكل واسع يجعل عمليّة التّرجمة بين اللّغتين صعبةً وتستلزم جهوداً إضافيّةً من المترجمين.
وقال إن عمليّة التّرجمة تنطوي على تكاليف ماديّة لشراء المراجع وتغطية تكاليف البحث والتدريب، وقد يواجه المترجمون صعوبةً في الحصول على تمويل كافٍ لتغطية هذه التكاليف، وهذا قد يؤثر سلباً على فرصهم في المزيد من التّطوير والعمل في المجال.
ودعا البلوشي المترجمين لتطوير استراتيجيات فعالة للتّغلب على هذه المعوقات وسواها، فيجب أن يكون للمترجمين القدرة على التّواصل والتّعاون وتبادل المعرفة والخبرات، ويمكن للتعاون أن يساهم أيضاً في تحديد الاختلافات اللّغويّة والثقافية الرئيسية بين البلوش والعرب للتّعامل معها بشكل أفضل أثناء التّرجمة.
من جهته، استعرض الشيخ شاهين بن محمد البلوشي (سلطنة عمان) تجربته الشخصية في الترجمة من البلوشية وإليها، مؤكداً أن على المترجم أن يكون على دراية بثقافة وحروف وأبجديات وعادات كلتا اللغتين، وأن يتحلى بالموضوعية والمصداقية والشفافية والأمانة العلمية في الترجمة.
وحول قواعد اللغة البلوشية وتركيبها، قال البلوشي أن هناك 24-25 حرفاً بالأبجدية البلوشية، ومنها أحرف غير موجودة في اللغة العربية، لذا لا بد من نقلها بطريقة صحيحة عند الترجمة، أما الحركات فهي موجودة بالبلوشية كما هي في العربية.
وبيّن أن تركيب اللغة البلوشية معقّد ويحتاج معرفة ودراية، وهي لا تفرّق بين التذكير والتأنيث، أما الضمائر فهي موجودة، كذلك الأفعال بأزمنتها الماضي والحاضر والمستقبل، وتصريف الأسماء.
(الجلسة الثالثة)
بدأت الجلسة الثالثة التي أدارتها الكاتبة والإعلامية سعدية مفرّح، بورقة عن التجربة البلوشية في الترجمة إلى العربية والعكس (طبيعة الجهود الرسمية والفردية وتاريخها)، قدمها د.يحيى كُرد (طهران) واستهلها بقوله إن اللغة البلوشية أقدم تاريخاً وحضارة من اللغة الفارسية الحالية، وإن التأثير البلوشي واضح بشكل بارز في اللغة الفارسية.
وأوضح أن التأثير البلوشي لا يقتصر على الفارسية الحديثة، بل يمتد إلى الفارسية القديمة الأولى، بالإضافة إلى ذلك فإن اللغة البلوشية تتفوق على الفارسية في غناها اللغوي، إذ إن الفارسية تسد نقصها من المفردات باقتباسها من اللغات الأخرى ومن أهمها العربية، فالعديد من مفرداتها مركبة من كلمتين لتأخذ معنى جديداً.
وقال كُرد: "في ترجمة القرآن الكريم إلى اللغة الفارسية نصادف بعض الكلمات التي لا نجد لها مرادفاً دقيقاً في اللغة الفارسية، ويمكن عدّ هذه النقطة أحد الأسباب التي تجعل ترجمة معاني ألفاظ القرآن الكريم في منطقة (تفتن) في إيران تترجم القرآن الكريم باللغة البلوشية"، وأضاف أن بعض الكلمات العربية في اللغة البلوشية يمكن أن يكون أصلها من اللغة العربية، وأن اللغة البلوشية اختلطت مع لغات أخرى وذلك بالاتصال بالعرب مع انتشار الإسلام والتواصل مع المستعمرين الأوروبيين.
وقدم د.الهي بَخش گَوَري (طهران) قراءة إحصائية في حجم المترَجم من البلوشية إلى العربية وبالعكس، وقال إن أثر الأدب العربي واللغة العربية يظهران في أعمال الأدباء البلوش من خلال استخدامهم الكلمات والمفاهيم الشعرية والاقتباسات من آيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية، وأضاف أننا نصادف في قصائد الشعراء البلوش مفردات باللغة العربية وموجودة في ثقافة المجتمعات العربية.
وأشار إلى أن شعراء البلوشية كتبوا الشعر بالأغراض الرئيسية والثانوية كما هي الحال في الشعر العربي، وأن أشهر القصائد غالباً ما تكون في عظمة الخالق ومدح رسول الله وذكر مناقب الخلفاء الراشدين والصحابة، وأحياناً تتحدث عن تاريخ الشعب البلوشي.
وبيّن أن شعر شعراء البلوش المعاصرين يتسم باستخدام المجاز والسخرية والتشبيه والتلميح؛ ما يؤكد تأثير الشعر العربي على الشعر البلوشي.
وتناول د.مسعود پروین (طهران) مجالات الترجمة في اللغة البلوشية وطبيعتها، موضحاً أن هناك ثلاثة مجالات رئيسية للترجمة من العربية إلى البلوشية؛ الأول ترجمة الكتب الدينية التي يمكنها أن تلعب دوراً أساسياً في تحسين مستوى التعليم، والثاني ترجمة الأدب العربي الذي يعد خير معين لإثراء الأدب البلوشي وتطويره. أما المجال الثالث فهو أن اللغة البلوشية منتشرة في عدة محافظات في إيران وغيرها مثل باكستان، لذلك من السهولة أن ندرك حاجة هذا الامتداد الواسع للمحتوى الترفيهي بمختلف أنواعه كالأفلام السينمائية والمسلسلات.
وقال إن هناك مجالين للترجمة من البلوشية إلى العربية، فهناك القصائد التي يزيد عمرها عن خمسمئة عام وكانت تُتناقَل شفاهياً ولم تدوَّن إلا في القرن الأخير وهي أرضية خصبة للدراسات الثقافية ومن الجيد أن تترجم إلى العربية، والمجال الثاني الثقافة البلوشية المليئة بالعناصر الفلكلورية كالقصص الشعبية والأمثال والحكم، وكلها جديرة بالترجمة للعربية.
أما المعوقات التي تواجه المترجمين فلخّصها پروین بغياب الدعم السياسي للّغة البلوشية ونشاطها الثقافي، واستخدم الأبجدية العربية في كتابة اللغة البلوشية، ووجود لهجات عديدة يصعب استيعابها باللغة البلوشية، لذا يجد المترجم العربي صعوبة عند الترجمة.
ودعا پروین الدول الإسلامية والعربية لاحتضان تعليم البلوشية، واقترح دراسة كل من الأدبين العربي والبلوشي دراسة مقارنة، والاعتماد على كتابات مقتبسة من الأدب البلوشي؛ مما يسهل التبادل الثقافي بين اللغتين.
وخُتمت الندوة بمداخلة الدكتورة آزاده شه بخش (طهران) التي تناولت تحديات الترجمة من البلوشية إلى العربية وسيميائية الثقافة في الأدب البلوشي.
وقالت آزاده إن اللغة البلوشية تتسم بعدة سيميائيات لأن المجتمع البلوشي يعيش في عدة ثقافات، وأضافت الثقافة البلوشية لكونها جزءاً من الثقافات المنتمية لإيران تحوي علامات يمكن رصدها في الثقافات القديمة.
وتابعت بقولها إن البلوشيين يستخدمون التقويم الشمسي، وكذلك التقويم القمري الذي ينتمي للثقافة العربية الإسلامية، إضافة إلى تقويمهم المحلي الخاص بهم، وفي هذا التقويم يلاحَظ أن للفصول أسماء خاصة مستقاة من حياتهم وطبيعتهم الجغرافية. وأوضحت أن القيم الأخلاقية من السيميائيات في الثقافة البلوشية المتقاربة مع الثقافة العربية.