مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

الحرب الإيرانية الإسرائيلية تُلقى بظلالها على لبنان (تفاصيل)

نشر
الأمصار

قبل ساعات من جلسة مغلقة لمجلس الأمن الدولي لبحث الهجمات الأخيرة على ناقلات في مياه الخليج، والتي توجه الولايات المتحدة ودول غربية أصابع الاتهام فيها إلى إيران، ويرى مراقبون أن إيران كانت الغائب الحاضر في المشهد، من خلال حزب الله، ذراعها النافذة في لبنان، وأنها أرادت أن توجه رسالة مبطنة لمن سيجتمعون في مجلس الأمن، مفادها بأن: (أي تصعيد ضد طهران سيقابل بإشعال فتيل التوتر والصراعات على أكثر من جبهة وفي آن واحد).

 

فإيران تنفي أي صلة لها بالهجوم على ناقلة نفط تديرها شركة إسرائيلية في بحر العرب أواخر الشهر الماضي وتؤكد أنها لن تتردد في الدفاع عن مصالحها

 

وفى ظل تصاعد الهجمات العسكرية بين لبنان والجيش الإسرائيلي حذرت قوم الأمم المتحدة المؤقتة اليونيفيل في لبنان أمس من خطورة المستجدات الأخيرة بين لبنان وإسرائيل وحثت جميع الأطراف على ضبط النفس لتفادى المزيد من التصعيد.

 

حيث شنت القوات الإسرائيلية للمرة الأولى منذ سنوات غارات جوية على جنوب لبنان رداً على إطلاق ثلاثة صواريخ من لبنان، لم تعلن أي جهة مسؤوليتها عنها.

 

ويعود آخر توتر عسكري بين الطرفين إلى العام 2019 حين استهدف حزب الله آلية عسكرية إسرائيلية في هجوم قال إنه رد على هجومين “إسرائيليين” ضدّه في سوريا ولبنان.

 

وكان حزب الله توعد في حينه بالرد على مقتل اثنين من عناصره في أغسطس 2019 في غارة إسرائيلية قرب دمشق، وعلى اتهامه إسرائيل بشنّ هجوم بطائرتين مسيرتين في الضاحية الجنوبية لبيروت.

 

الخارجية الفرنسية

وأعربت المتحدثة الرسمية باسم الخارجية الفرنسية، آنييس فون دير مول، أمس الجمعة، عن قلق بلادها تجاه التصعيد بين لبنان وإسرائيل على طول الخط الأزرق على الحدود بينهما.

 

وأضافت فون دير مول في بيان نشرته الصفحة الرسمية للخارجية الفرنسية، اليوم، أن فرنسا تدعو جميع الأطراف للكف عن «الأعمال العدائية» وتجنب خرق الخط الأزرق واحترام القرارات الدولية والتعاون مع القوات الأممية في لبنان

 

حرب لبنان 2006

في ذلك العام شن حزب الله غارة عبر الحدود قتل خلالها 8 جنود إسرائيليين واختطف اثنين آخرين، وطالب بمفاوضات غير مباشرة تهدف إلى مبادلة سجناء عرب تحتجزهم إسرائيل بهما.

 

وردت إسرائيل بحرب مفتوحة بدأت بحصار بحري وحملة جوية مكثفة. وبعد 33 يوما توقفت الأعمال الحربية بين الطرفين، وقتل في تلك الحرب 1191 شخصا في لبنان، معظمهم من المدنيين، بينما قتل 121 جنديا إسرائيليا و44 مدنيا.

 

وكان من بين الأهداف التي حددها مسؤولون إسرائيليون للحرب التي شنوها الإفراج غير المشروط عن الجنديين، ونزع سلاح حزب الله، أو على الأقل، إنهاء التهديد الطويل الأمد الذي يمثله لإسرائيل.

 

ولم تحقق إسرائيل أيا من تلك الأهداف، واستمر حزب الله في إطلاق الصواريخ حتى اليوم الأخير من الحرب، فوجدت القيادات العسكرية والسياسية الإسرائيلية نفسها في حال من التخبط.

 

أما حزب الله فكان لديه هدف واحد من الغارة التي نفذها، وهو إجبار إسرائيل على إجراء مفاوضات غير مباشرة بهدف الوصول إلى تبادل للأسرى: الأسيرين الإسرائيليين (ولم يحدد حزب الله إن كانا قد قتلا في الغارة) مقابل أسرى عرب لدى إسرائيل.

 

وفي عام 2008 تحقق له ذلك، وأفرجت إسرائيل عن 5 سجناء لبنانيين، إضافة إلى بقايا جثامين 199 مقاتلا لبنانيا وفلسطينيا، مقابل جثتي العسكريين الإسرائيليين.

 

وإذا اعتمدنا الأهداف الحربية معيارا للنصر والهزيمة، يمكننا الاستنتاج بأن حزب الله انتصر في تلك الحرب، وبأن إسرائيل هزمت. غير أن حجم الدمار الذي ألحقته إسرائيل بلبنان شكل تحديا أمام خطاب النصر الذي روج له حزب الله.

 

وبالإضافة إلى القتلى والجرحى، هجر ما يقارب المليون شخص منازلهم، ودمر 15000 منزل، 900 معمل، إضافة إلى الطرقات والجسور وأجزاء من مطار بيروت الدولي وغير ذلك من البنى التحتية.

 

وقد عانى المدنيون في مناطق يتمتع فيها حزب الله بالتأييد الشعبي أكثر من غيرهم من الحرب، وبعد أن انتهت قال أمين عام حزب الله، حسن نصرالله، إنه لو علم حجم الرد الإسرائيلي لما أمر عناصر الحزب بالقيام بالعملية ضد الجيش الإسرائيلي.

 

وقد بنت إسرائيل استراتيجية للردع أطلق عليها اسم “عقيدة الضاحية”، مستوحاة من تدمير سلاح الجو الإسرائيلي لأجزاء من ضاحية بيروت الجنوبية. وكشف عنها عام 2008 جنرال في الجيش الاسرائيلي، هو غادي ايتزنكوت، الذي كان رئيسا للقيادة الشمالية في الجيش الإسرائيلي، وأصبح الآن قائد أركان الجيش.

 

وهكذا استقرت معادلة الردع المتبادل بعد حرب عام 2006، ومنعت اندلاع حرب شاملة جديدة، ثم مر عقد من الهدوء النسبي تخللته بعض الاشتباكات المحدودة.

 

غير أن حربا أخرى اندلعت في تلك الأثناء، في سوريا.

 

حزب الله

في أعقاب الحرب مع إسرائيل التي استمرت شهرا في يوليو عام 2006، أعاد حزب الله اللبناني بناء نفسه ليصبح واحدا من أقوى الجماعات المسلحة في الشرق الأوسط.

 

بعد حرب لبنان، وسع حزب الله من نفوذه المحلي، لكنه تورط في الحرب الأهلية الدائرة في سوريا.

 

الجانب السياسي

تحول حزب الله من حزب يتمتع بنفوذ محدود إلى قوة سياسية ذات ثقل كبير. وقاد الحزب سلسلة من الاحتجاجات في أواخر عام 2006 للمطالبة بمزيد من النفوذ في عملية صنع القرار داخل الحكومة.

 

بدأ مسلحو حزب الله في عام 2008 اشتباكات في بيروت مع أطراف موالية للسلطة آنذاك بعد أن هددت الحكومة بإغلاق شبكة الاتصالات الخاصة للحزب، ونجح الحزب في نهاية المطاف في الحصول على حق نقض جميع القرارات الحكومية اللبنانية.

 

رفض حزب الله شرعية المحكمة الدولية التي تحقق في جريمة مقتل رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، والتي أدانت خمسة من عناصره.

 

وظل الحزب صامدا في وجه معارضة شعبية وردة فعل عنيفة على المستوى المحلي ظهرت بشكل جلي في وقوع اشتباكات وتفجيرات طائفية بسبب تورط حزب الله في الحرب الأهلية في سوريا.

 

حزب الله يعرقل على مدار عامين انتخاب رئيس لبناني لا يفضله

 

الجانب العسكري

شهد الحزب نقلة كبيرة على الصعيد العسكري إذ طور قدرات جديدة وزاد من عدد عناصره من خلال تدخله في سوريا، ليبتعد عن محور تركيز الصراع بين لبنان وإسرائيل.

 

زادت ترسانة حزب الله من الأسلحة من 33 ألف صاروخ وقذيفة قبل حرب عام 2006 إلى ما يقدر بـ150 ألف صاروخ، وزاد عدد عناصر الحزب من بضعة آلاف في عام 2006 إلى ما يقدر بأكثر من عشرين ألفا.

 

وبعد عام 2011، منح الدعم العسكري الذي يقدمه حزب الله للحكومة السورية المدعومة من إيران مقاتلي الحزب خبرة قتالية كبيرة ومعرفة بأساليب التخطيط العسكري الروسي.

 

ودرب حزب الله أيضا مقاتلين موالين لإيران في كل من اليمن والعراق. وتمثل الحكومة السورية خط إمداد الأسلحة الرئيسي للحزب.

 

لكن الحزب خسر بعضا من كبار مسؤوليه في سوريا، ووجد نفسه يقاتل جماعات سنية متطرفة على الأراضي اللبنانية.

 

مُني حزب الله بخسائر مالية جراء عقوبات دولية وزيادة الإنفاق العسكري. واتهمت حكومات عديدة الحزب بإقامة علاقات بعصابات دولية لتهريب المخدرات وغسيل الأموال، وهي الاتهامات التي نفاها الحزب.

 

ويحصل الحزب على دعم مالي وعسكري كبير من إيران.

 

موقف الدول العربية

وتصاعدت التوترات بين حزب الله والدول العربية، وأدانت معظم الحكومات العربية الحزب بسبب “مغامرته” في الحرب مع إسرائيل في يوليو عام 2006، لكن الحزب كان لا يزال يتمتع بدعم شعبي كبير في أنحاء العالم العربي بسبب قتاله “عدوا مشتركا”، وهو إسرائيل.

 

وبعد مرور عقد من الزمن، صنفت الجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي ومنظمة التعاون الإسلامي حزب الله على أنه منظمة “إرهابية”.

 

وترى دول الخليج العربية ذات الأغلبية السنية أن حزب الله أصبح قوة شيعية تقاتل السنة في سوريا، وتضررت علاقات الحزب بشكل خاص مع السعودية، التي تدعم أيضا تكتلا سياسيا مناوئا لحزب الله في لبنان، عزز حزب الله من استخدام وسائل الإعلام كأداة سياسية،

 

وتوسع خطاب حزب الله من “المقاومة” ضد إسرائيل ليشمل توجيه رسائل طائفية ضد التطرف السني، وتعرضت آلته الإعلامية لانتقادات حادة في 2015 و2016 حينما أوقف بث قناة المنار على قمرين صناعيين عربيين رئيسيين.

 

تواجد حزب الله في سوريا

وسارع حزب الله، في وقت مبكر من الحرب، إلى إرسال مقاتلين له عبر الحدود للقتال دفاعا عن النظام السوري. في البداية كان الموضوع محصورا في بعض العتبات المقدسة للشيعة في دمشق، وبعض القرى الحدودية، لكن بعد فترة قصيرة أصبح حزب الله يقاتل في أقصى الجنوب وأقصى الشمال.

 

وتطور خطابهم فيما يتعلق بتبرير انخراطهم في سوريا، لكن ما يطغى عليه هو اعتبارهم أن سوريا تشكل “العمود الفقري للمقاومة”، وأن المتاعب التي يواجهها النظام تهدف أساسا إلى إضعاف حزب الله من خلال حرمانه من أبرز حليف له بعد إيران، حليف وفر له دعما لوجتسيا ساهم في تمكينه من تسجيل انتصارات في وجه الجيش الإسرائيلي الذي يفوقه بأشواط قوة.

 

وليست الحرب في سوريا، وفقا لخطاب حزب الله سوى استمرار لحرب 2006، والأمريكيون والإسرائيليون والسعوديون يريدون الإجهاز على “محور المقاومة” من خلال تدمير النظام السوري، الذي يربط أركانه بعضها بالبعض الآخر.

 

وفي سوريا يواجه حزب الله أعداء أكثر شبها به من عدوه التقليدي إسرائيل: مقاتلون غير نظاميين يشنون حربا غير نظامية على جيش نظامي.

 

لكن لم يعد مقاتلو حزب الله في سوريا هم الطرف الأضعف. فبحلفهم مع الجيش النظامي، أصبحوا هم من يحاصر العدو ويقاتل بغطاء جوي، سوري في البداية، ثم روسي في كثير من الأحيان.

 

قد يقول البعض إنهم يستفيدون حتى من الضربات الجوية الأمريكية في سوريا ضد بعض أعدائهم، كجبهة النصرة مثلا، فرع تنظيم القاعدة في سوريا.

 

غير أنهم الآن يواجهون تهديدات من نوع آخر. فهم يقاتلون على مساحة شاسعة تفوق مساحة جنوب لبنان بأضعاف، كما أنهم يقاتلون دون الاستفادة من الدعم المحلي الذي يحظون به في معاقلهم في لبنان.

 

وقد استنزف حزب الله الجيش الإسرائيلي في الجنوب على مدى ما يقارب عقدين من الزمان، وباستنزافه تمكن من دحره في الجنوب. أما الآن فحزب الله معرض هو نفسه إلى أن يستنزف في سوريا.