مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

بعد مرور 73 عامًا عليها.. ما تفاصيل الهدنة الأولى في حرب فلسطين 1948؟

نشر
الأمصار

 

تحل اليوم ذكرى الهُدنة الأولى في حرب فلسطين، حيث أقر مجلس الأمن في 29 من مايو عام 1948 الاقتراحات البريطانية بقراره رقم 50 في الجلسة رقم 310 مشروع الهدنة الأولى في حرب فلسطين.

نهاية الانتداب البريطاني على فلسطين

البداية كانت في منتصف ليلة 14 من مايو 1948، حيث أعلن المندوب السامي البريطاني نهاية انتداب بلاده على فلسطين، وغادر ميناء حيفا، رغم حالة الاضطراب والصدامات المسلحة التي كانت تسود البلاد بين سكانها العرب والمستوطنين الصهيونيين الغزاة المسلحين والمنظمين عسكرياً.

حرب فلسطين

زحف الجيوش العربية واشتعال حرب 1948

في ذلك الوقت قررت الجيوش العربية من جميع الأنحاء شمالًا وجنوبًا وشرقًا الزحف إلى فلسطين، وإعلان حالة الحصار البحري، وقد صاحب الزحف العربي مذكرة عن تدخل قوات الدول العربية في فلسطين وجهتها الأمانة العامة لجامعة الدول العربية إلى الأمم المتحدة ثم أذيعت على شكل بيان للحكومات العربية. وقد جاء فيها:

نص بيان الحكومات العربية بعد زحف الجيوش إلى فلسطين في 1948:

– والآن وقد انتهى الانتداب على فلسطين من غير أن تنشأ في البلاد سلطة دستورية شرعية تكفل صون الأمن واحترام القانون وتؤمن السكان على أرواحهم وأموالهم فإن حكومات الدول العربية تعلن ما يأتي:

-أولاً: إن حكم فلسطين يعود إلى سكانها طبقاً لأحكام ميثاق عصبية الأمم والأمم المتحدة ولهم وحدهم حق تقرير مصيرهم.

حرب فلسطين

-ثانياً: لقد اضطرب حبل الأمن واختل النظام في فلسطين، وأدى العدوان الصهيوني إلى نزوح ما ينوف على ربع مليون من سكانها العرب عن ديارهم والتجائهم إلى البلاد العربية المجاورة. وكشفت الأحداث الواقعية في فلسطين عن نوايا الصهيونيين العدوانية ومآربهم الاستعمارية بما ارتكبوا من فظائع ضد السكان العرب الآمنين، ولاسيما في قرية دير ياسين وطبرية. كما أنهم لم يرعوا حرمة القناصل، فقد اعتدوا على قنصليات الدول العربية في القدس.

-سادساً: ولذلك ونظراً لأن فلسطين وديعة مقدسة في عنق الدول العربية… رأت حكومات الدول العربية نفسها مضطرة إلى التدخل في فلسطين لمجرد مساعدة سكانها على إعادة السلم والأمن وحكم العدل والقانون إلى بلادهم وحقناً للدماء.

-سابعاً: تعترف حكومات الدول العربية بأن استقلال فلسطين قد أصبح حقيقة واقعة لسكان فلسطين الشرعيين وهم وحدهم أصحاب الحق في تزويد بلادهم بالنظم والمؤسسات الحكومية بمطلق سيادتهم وسلطانهم..

ولم يمض أسبوعان على الزحف العربي حتى كانت الجيوش العربية تسيطر على المناطق المخصصة للعرب طبقاً لمشروع التقسيم، باستثناء يافا وقسم من الجليل الأعلى ” تقسيم فلسطين”، وتوشك أن تحدق بتل أبيب، وبات متوقعاً أن تتمكن القوات العربية من إنهاء عملياتها الحربية في فترة قصيرة بعد ما ظن الناس أن النصر بات وشيكاً.

إعلان الهدنة الأولى في حرب فلسطين 1948

قوات الاحتلال الصهيوني وأتباعها، لم يكن أمامها في ذلك الوقت سوى الاستنجاد بالولايات المتحدة الأمريكية، التي سارعت إلى مجلس الأمن باقتراح يقرر بأن الحالة في فلسطين تهدد السلم والأمن العام، في محاولة للتدخل في النزاع، وبحجة منع القتال بالقوة وتطبيق العقوبات التي ينص عليها ميثاق الأمم المتحدة ما لم يخضع العرب لقراراته.

حرب فلسطين

في 22 مايو 1948، كان قرار مجلس الأمن بالنداء إلى المتحاربين بوقف القتال خلال 36 ساعة من منتصف ليلة 22-23 من ذات الشهر، لكن الحكومات العربية رفضت الاستجابة لهذا النداء لأنه ليس في فلسطين حرب رسمية بين دولتين، ولأن العرب إنما يقاتلون عصابات باغية فتكت بالآمنين وشردتهم، ولأن وقف قتالهم خطر على سلامة الجيوش وفسح للغدر اليهودي، وإضرار بمركز فلسطين كوحدة سياسية، وبمركز العرب الذين صرحوا مراراً بأنهم لايرون حلاً عادلاً لقضية فلسطين إلا بقيام دولة فلسطينية موحدة – بحسب العرب في ذلك الوقت.

لكن.. لم يكف مجلس الأمن وكرر نداءه طالباً إقرار الهدنة، وفي هذه المرة صاحب النداء ضغط على العرب لقبولها، فقد أعلن المندوب البريطاني في مجلس الأمن أن حكومة بلاده مستعدة لأن تعيد النظر في الإعانة التي تقدمها إلى حكومة شرق الأردن على ضوء القرارات التي تتخذها هيئة الأمم المتحدة، وأنه إذا قرر مجلس الأمن فرض حظر عام على إرسال الأسلحة إلى العرب واليهود فإن بريطانيا ستوقف إرسال الأسلحة إلى مصر والعراق والأردن رغم ما يربطها بهذه البلاد من معاهدات في هذا الشأن.

حرب فلسطين

وتقدمت بريطانيا إلى مجلس الأمن بمشروع يدعو الطرفين إلى وقف القتال مدة أربعة أسابيع مع التعهد بعدم إرسال محاربين ومواد حربية إلى فلسطين ففي أثناء هذه المدة وتطبيق العقوبات المدنية والعسكرية على منن يخالف الأمر.

وفي 29 مايو 1948 أقر مجلس الأمن الاقتراحات البريطانية بقراره رقم 50 في الجلسة رقم 310 التي صوت فيها على المشروع جزءاً جزءاً لا عليه برمته، وفي هذه الأثناء كانت الأمم المتحدة قد توصلت إلى الاتفاق على شخص وسيط دولي فوضته أن يتصل، بمجرد وقف القتال بجميع الأطراف للوصول إلى حل عادل لقضية فلسطين ،وخولته حق تحديد وقف إطلاق النار. وكان هذا الوسيط الكونت السويدي فولك برنادوت الذي سمي رسمياً للمهمة.

جامعة الدول العربية تقبل دعوة مجلس الأمن وتقرر وقف القتال

من جانبها قبلت اللجنة السياسية لجامعة الدول العربية طلب مجلس الأمن في 2 يونيو 1948، وجاء في ردها على المجلس مايلي: «إن تلبية الدول العربية لدعوة مجلس الأمن إلى وقف القتال أربعة أسابيع مع إخفاق جميع المحاولات لأكبر دليل على صادق رغبتها في التعاون مع الأمم المتحدة للوصول إلى هذا الحل على الرغم من تمكن جيوشها من ناصية»، وقبل الإسرائيليون كذلك الهدنة ولكنهم قرنوا القبول بزعمهم أن قيام دولتهم أصبح أمراً مفروغاً منه.

الوسيط الدولي يخاطب الحكومات العربية والكيان الصهيوني

في 27 يونيو 1948 خاطب الوسيط الدولي الحكومات العربية والكيان الصهويني «إسرائيل»، بمذكرة ضمنها المقترحات التي رأى أنها تصلح أساساً لتسوية سلمية وتتلخص بمايلي:

1) تأليف اتحاد في فلسطين يضم دولتين مستقلتين إحداهما عربية تشمل شرقي الأردن وتدخل فيها منطقة النقب بما فيه مدينتا المجدل والفالوجة ومنطقة اللد والرملة. والثانية يهودية تدخل فيها منطقة الجليل الغربي. وتعين حدود الدولتين بمساعدة الوسيط.

2) تضم مدينة القدس إلى الأراضي العربية على أن تمنح الطائفة اليهودية فيها استقلالاً ذاتياً.

3) يبحث في مركز يافا وتسوى قضيته على حدة.

4) لسكان فلسطين الذين غادروها بسبب الظروف المترتبة على النزاع القائم الحق في العودة إلى بلادهم دون قيد، واسترجاع ممتلكاتهم.

5) تكون الهجرة إلى إقليم دولتي الاتحاد في السنتين الأوليين من اختصاص كل دولة حسب قدرتها على الاستيعاب، ويكون من حق كل من دولتي الاتحاد أن تطلب إلى مجلس الاتحاد إعادة النظر في سياسة الهجرة التي تسير عليها الدولة الأخرى. فإن عجز المجلس عن الوصول إلى قرار في هذه المسألة وجبت إحالتها على المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة ويكون قراره ملزماً ونهائياً.

العرب وإسرائيل يرفضان مقترحات الوسيط الدولي

رفض الطرفان مقترحات الوسيط، لكن ثمة 3 أسباب من وجهة نظر العرب كانت سببًا في الرفض، وهي:

– إن مقترحات برنادوت تكاد تماثل ما سبق أن أوصت به لجنة بيل لعام 1937، بل زادت عليها أنها اعتبرت شرقي الأردن جزءاً من فلسطين في حين أنه دولة مستقلة ذات سيادة معترف بها دولياً.

– إن تلك المقترحات تجاوزت قرار التقسيم الذي أوصت به الجمعية العامة للأمم المتحدة لأنها تفسح المجال للهجرة اليهودية في جميع أنحاء فلسطين بل وشرقي الأردن أيضاً في حين قصر قرار الجمعية العامة الهجرة على المنطقة التي عينت للدول اليهودية المقترحة ضمن حدود فلسطين الدولية.

– ولايشفع للمقترحات ما استحدثته بشأن اللجوء للمجلس الاقتصادي والاجتماعي، بل هو على العكس مما يؤخذ عليها لأنه يؤدي إلى استمرار النزاع بين دولتي الاتحاد إذ سيتخذ اليهود منه ذريعة دوماً لمحاولة فرض هجرة يهودية واسعة على المنطقة العربية.

وأما اليهود فقد رفضوا مقترحات برنادوت لأنها تعطي النقب والقدس للعرب وتطالب بإعادة اللاجئين.

أسباب رفض اللجنة السياسية لجامعة الدول العربية لمقترحات الوسيط الدولي

سجّلت اللجنة اللجنة السياسية لجامعة الدول العربية أسباب رفضها لمقترحات الوسيط الدولي في مذكرة رمسية وجهتها إليه وإلى مجلس الأمن ليلة 9 يوليو 1948، جاء فيها: «ما يصيب قضيتنا ويصيب هدفنا النهائي، وهو استقرار السلام في الشرق الأوسط، ببالغ الضرر أن نمنح خصمنا الفرصة الكاملة لتقوية جنوده وتنظيمهم ليواصل تحديثه الدموي للشعوب العربية. ولقد أثبتت لنا تجاربنا الأخيرة أنه حينما كانت سيول المهاجرين تتدفق على فلسطين خلال الهدنة بصورة واسعة لم يسبق لها مثيل كان اللاجئون العرب يخرجون جماعات من فلسطين هاربين من اضطهاد الإرهاب اليهودي وتعسف السلطات اليهودية. فالهدنة بوضعه الحاضر هي لصالح جانب دون الآخر. وفي استطاعة الكونت برنادوت مواصلة عمله لإيجاد حل عادل دائم مع استعداد العرب للتعاون معه في سبيل إيجاده».

استئناف القتال على الجبهة

في 9 يوليو 1948 استؤنف القتال على كافة الجبهات، لكن استعداد جيش الاحتلال الإسرائيلي كان قد تم، على عكس العرب، الذين بدأوا بانسحاب القوات الأردنية من اللد والرملة فاحتلهما الجيش الإسرائيلي، الأمر الذي سهل لهم الاستيلاء على مناطق أخرى وأتاح أن يركزوا حملتهم على القوات المصرية بقصد إجلائها عن النقب، وعلى القوات السورية واللبنانية بقصد ردها عن المواقع التي تقدمت إليها داخل فلسطين.

الوسيط الدولي يتدخل لوقف إطلاق النار

رأى الوسيط الدولي، بعدما رفض العرب طلبه بمد الهدنة، أن يلجأ إلى مجلس الأمن ليأمر بوقف إطلاق النار ولو بالقوة إذا رفض الفريقان ذلك.

وانتصرت لهذا الرأي كل من الولايات المتحدة وبريطانيا، وفعلاً أصدر مجلس الأمن قراراً في 15 يوليو 1948 برقم 54 يقضي باعتبار الحالة تهديداً للسلم وأمر الفريقين بالكف عن أي عمل عسكري ووقف إطلاق النار في الموعد الذي يحدده الوسيط الدولي.

وأمام هذا الواقع الأمر قبلت اللجنة السياسية لجامعة الدول العربية قرار مجلس الأمن مسجلة رأيها في مذكرة وجهتها إليه بتاريخ 19 يوليو 1948 وجاء فيها أن الحكومات العربية «لاترى تعليلاً لموقف مجلس الأمن، إلا رغبة بعض الدول الكبرى في تمكين اليهود من فلسطين على حساب العرب والإنسانية؛ تحقيقاً لمآربها الخاصة».