مأساة هيروشيما وناغازاكي.. العار الذي يطارد اسلحة الدمار الشامل
في حدود الساعة الثامنة و15 دقيقة، من صباح يوم 6 أغسطس من كل عام، تتوقفت الحياة تمامًا في اليابان، ويقف الشعب والقطارات والباصات وكل شيىء دقيقة حداداً على ضحايا هيروشيما الأخيرة من الحرب العالمية الثانية.
ظلال سوداء للبشر
ألقت طائرة أمريكية قنبلة ذرية على مدينة هيروشيما اليابانية، تلاها قصف ثان عقب 3 أيام، في مدينة ناغازاكي، في ما كان بمثابة أول استخدام للأسلحة الذرية في الحرب.
وعثر على ظلال سوداء للبشر وأشياء مثل الدراجات، منتشرة عبر الأرصفة والمباني في هيروشيما وناغازاكي، في أعقاب الانفجار الذري الذي فجر فوق كلا المدينتين في 6 و9 أغسطس 1945، على التوالى.
مقتل 140 ألف شخص
وأسفر إلقاء القنبلة الذرية على هيروشيما، عن مقتل 140 ألف شخص بين أغسطس ونهاية 1945، بينما سقط 74 ألف قتيل في القنبلة الذرية التي ألقيت على ناغازاكي في التاسع من أغسطس 1945 خلال الفترة نفسها.
واستسلمت اليابان في 15 أغسطس 1945 منهية بذلك الحرب العالمية الثانية.
دخول المعاهدة الدولية للأسلحة النووية
ومراسم هذه السنة هي الأولى منذ دخول المعاهدة الدولية للأسلحة النووية حيز التنفيذ في يناير الماضي.
وهذه المعاهدة لم توقعها الدول التسع التي تمتلك أسلحة ذرية: الولايات المتحدة وروسيا والصين وفرنسا وبريطانيا والهند وباكستان وإسرائيل وكوريا الشمالية.
الذكرى في عام 2021
وفي هذا العام، كان إحياء الذكرى بشكل مختلف، حيث أحيت اليابان الجمعة، وسط جدل مرتبط برفض اللجنة الأولمبية الدولية الدعوة إلى الوقوف دقيقة صمت خلال دورة الألعاب الأولمبية الجارية في طوكيو.
ناجون وأقرباء يحضرون
وحضر ناجون وأقرباء عدد من الضحايا وقلة من المسؤولين الأجانب المراسم التي جرت صباحا في المدينة الواقعة في غرب اليابان لتكريم ذكرى الضحايا والدعوة إلى السلام في العالم.
وبسبب كورونا، وكما حدث في 2020، لم يدع جمهور كبير إلى المراسم، لكن تم بث وقائعها مباشرة على الانترنت.
حدث قبل 76 عاما
ووقف المشاركون الذين وضعوا كمامات وارتدى معظمهم ملابس باللون الأسود، دقيقة صمت عند الساعة 08,15، ساعة سقوط القنبلة الذرية الأميركية على المدينة قبل 76 عاما.
وقال رئيس بلدية هيروشيما كازومي ماتسوي في كلمة، إن هذه المأساة علمت الإنسانية أن تهديد الآخرين من أجل الدفاع عن النفس لا يفيد أحدا.
دعوة الرياضيين المشاركين
وكان ناجون وبلدية هيروشيما اقترحوا مؤخرا على اللجنة الأولمبية الدولية دعوة الرياضيين المشاركين في الأولمبياد إلى الانضمام دقيقة الصمت هذه من طوكيو.
لكن رئيس اللجنة الأولمبية الدولية توماس باخ رد على الاقتراح بالتأكيد في رسالة أن الحفل الختامي للأولمبياد الأحد سيشكل فرصة لتكريم جميع ضحايا الأحداث المفجعة في تاريخ العالم.
وصرح المسؤول في المدينة توموهيرو هيغاكي لوكالة فرانس برس، أن رد باخ، مخيب للآمال مع أننا نقدر زيارته لهيروشيما، قبل الألعاب الأولمبية.
بارقة أمل
فيما زار باخ هيروشيما، في 16 يوليو للاحتفال ببدء “الهدنة الأولمبية” التقليدية التي يفترض أن تضمن تعليق الأعمال العدائية في العالم طوال مدة الألعاب الأولمبية والبارالمبية.
وقد وضع إكليلا من الزهور أمام النصب التذكاري لضحايا القنبلة الذرية وزار متحف النصب التذكاري للسلام وتحدث مع أحد الناجين من التفجير.
وأعلن السيد باخ أن أولمبياد طوكيو ستكون “بارقة أمل” من أجل مستقبل أفضل وأكثر سلاما، لكن زيارته أثارت انتقادات في اليابان.
سعى إلى استخدام هيروشيما “للترويج”
بينما اتهم في عريضة، جمعت أكثر من سبعين ألف توقيع على الإنترنت، بأنه سعى إلى استخدام هيروشيما للترويج لأولمبياد طوكيو، بينما يعارض الجزء الأكبر من الرأي العام الياباني تنظيمها هذا الصيف بسبب كورونا.
وأعربت يوكو سادو 43 عاما، التي كانت تتنزه في الحديقة التذكارية لهيروشيما الجمعة، مع ابنها البالغ من العمر سبع سنوات، عن أسفها لأن الأزمة الصحية حرمت المدينة من فرصة لنشر رسالة سلام على نطاق أوسع.
وقالت لوكالة فرانس برس: “لولا الوباء لتمكن الكثير من الناس الذين كانوا سيحضرون دورة الألعاب الأولمبية في طوكيو زيارة هذه الحديقة وحضور المعارض”.
كيف تأثر أبناء اليابان من القنبلة؟
ووفقا للدكتور مايكل هارتشورن، الوصي الفخري للمتحف الوطني للعلوم النووية والتاريخ في البوكيرك في نيو مكسيكو، وأستاذ الأشعة الفخري في كلية الطب بجامعة نيو مكسيكو، عندما انفجرت كل قنبلة، انتشر الضوء الشديد والحرارة من نقطة الانهيار.
وعادة، إذا وقف جسم ما أمام مصدر الضوء، فإن ظله يتكون أمامه على الرصيف أو الجدار، ولكن، عندما وقعت الانفجارات الذرية كان هناك ضوء مع حرارة شديدة.
يبقى على حاله إلى اليوم
وأثرت الحرارة على الأسطح والجدران والأرصفة، ما أحدث تغييرا في لونها، لكن الأجسام مثل البشر أو الدراجات وغيرها في طريقها، امتصت أجزاء من الضوء والطاقة، فأنار الضوء المحيط الخرسانة أو الحجر حول “الظل”، الذي يتكون بفعل الضوء، ما سمح له، بأن يبقى على حاله إلى اليوم.
وبعبارة أخرى، هذه الظلال المخيفة هي في الواقع انعكاس لما بدت عليه الأرصفة أو الجدران، إلى حد ما، قبل الانفجار النووي.
نتيجة الانشطار النووي؟
الطاقة المكثفة المنبعثة أثناء الانفجار الذري هي نتيجة الانشطار النووي.
ووفقا لمؤسسة Atomic Heritage Foundation، وهي منظمة غير ربحية مقرها واشنطن العاصمة، يحدث الانشطار عندما يضرب نيوترون نواة ذرة ثقيلة، مثل نظائر اليورانيوم 235 أو البلوتونيوم 239، النظير هو عنصر يحتوي على عدد متفاوت من النيوترونات في نواته أثناء الاصطدام، تتفكك نواة العنصر، وتطلق كمية كبيرة من الطاقة.
ويبدأ الاصطدام الأولي بتفاعل متسلسل يستمر حتى استنفاد كل المواد الأصلية.
تفاعل ينقسم نحو تريليون ذرة
وقال أليكس ويلرستين، الأستاذ المساعد لدراسات العلوم والتكنولوجيا في معهد ستيفنز للتكنولوجيا في نيوجيرسي: “يحدث التفاعل المتسلسل في نمط النمو الأسي، الذي يستمر لمدة ميلي ثانية أو نحو ذلك. وهذا التفاعل ينقسم نحو تريليون، تريليون ذرة في تلك الفترة الزمنية قبل أن يتوقف التفاعل”.
هجمات يغذيها اليورانيوم
وكانت الأسلحة الذرية المستخدمة في هجمات 1945 يغذيها اليورانيوم 235 والبلوتونيوم 239، وأطلقت كمية هائلة من الحرارة وإشعاع غاما على الموجات القصيرة جدا.
وتتدفق الطاقة كموجات فوتونية ذات أطوال متفاوتة، بما في ذلك الموجات الطويلة، مثل موجات الراديو، وفي الموجات القصيرة، مثل الأشعة السينية وأشعة غاما. وبين الموجات الطويلة والموجات القصيرة تكمن أطوال موجية مرئية تحتوي على الطاقة التي تراها أعيننا على أنها ألوان.
إشعاع غاما مدمر لجسم الإنسان
وعلى عكس الطاقة ذات الموجات الأطول، فإن إشعاع غاما مدمر لجسم الإنسان لأنه يمكن أن يمر عبر الملابس والجلد، ما يتسبب في التأين، أو فقدان الإلكترونات، ويؤدي إلى تلف الأنسجة والحمض النووي، وفقا لجامعة كولومبيا.
وأفادت مجلة Real Clear Science أن إشعاع غاما المنبعث من القنابل الذرية ينتقل أيضا كطاقة حرارية يمكن أن تصل إلى 5538 درجة مئوية.
وعندما تصطدم الطاقة بجسم ما، مثل دراجة أو شخص، يتم امتصاص الطاقة، ما يؤدي إلى حماية الأشياء الموجودة في المسار وإنشاء تأثير تبييض خارج الظل.
وقال ويلرستين: “أعتقد أنه من المهم للغاية أن نأخذ في الاعتبار عواقب استخدام الأسلحة النووية. من السهل جدا اعتبار هذه الأسلحة على أنها أدوات لفن الحكم وليست أسلحة دمار شامل. تعمل الظلال النووية بمثابة تذكير قوي بالتكلفة البشرية لاستخدام الأسلحة النووية”.