د.أنمار الدروبي يكتب: الإسلام الراديكالي وكيف استخدم العامل الدينيّ لممارسة العنف ضد الدولة والمجتمع؟
يُعد العنف الفكريّ (الأيديولوجيّ) من أبرز أنواع العنف التي تمارسها الجماعات الإسلامية المتطرفة.
ويهدف هذا النوع من العنف للتأثير في كل جوانب الفرد الاجتماعيّة والنفسيّة والسياسيّة من خلال التبرير العقليّ للأفكار حيث تلعب الأيديولوجيا دوراً كبيراً في شرعنه العنف وممارسة الإرهاب والحثّ على إتيانه. من هنا فإن دراسة ظاهرة الإرهاب وتفسيرها تحت غطاء دينيّ تعتبر من أهم البواعث والدوافع التي تدفع بالإرهابيّ ليرتكب جرائمه الإرهابيّة، مع تأكيد أن مصطلح (الدين) المقترن بالإرهاب لا يعني البتة أن تعاليم الدين الإسلاميّ، وإنما جاء هذا الاقتران نسبةً إلى التفسيرات المشوهة التي أطلقها البعض على بعض الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة، لتوفير شرعية تبرر رفضهم للآخر المغاير، وتكفيره وممارسة العنف ضد الأفراد والمجتمع.
ومن هذا المنطلق" إن البعد الأيديولوجيّ للإرهاب، هو عقيدة يعتنقها الكثيرون تشرع القتل، وتحتكم دائماً إلى مبدأ العنف في الوصول إلى غاياتها. ولا يخفى أن أغلب أيديولوجيات الإرهاب تستند إلى مبدأ أصوليّ متطرف يعتمد على الدين".
في نهاية القرن العشرين واجه العالم عملية إحياء للأصولية الدينيّة إذ شكل الدافع الدينيّ أهم سمة مميزة للإرهاب في الظروف المعاصرة، بعد أن أصبح الدين مرجعية مهمة وواحداً من المصادر الفكريّة الأساسيّة التي تعتمد عليها الجماعات والحركات والأحزاب المتشددة، وهذا ينطبق على المنظمات الإرهابيّة التي تستخدم الدين الإسلاميّ مرجعيةً نظريةً، مثلما تعتمد منظمات أخرى على اليهودية، أو المسيحية، أو غيرها من المنظمات التي تعتمد على أفكار التعصب القوميّ. ونتيجةً لذلك أصبح العنف منتشراً والإرهاب مستفحلاً لاسيما إن الإرهاب ذا الطبيعة الدينيّة يتملك خصوصية لأنه ينطلق من أفكار عقائديّة مؤدلجة، وحركية سياسيّة فعالة، ومن خلاله يقترف ممارسوه أفظع جرائم القتل والاختطاف والممارسات الإرهابيّة الأخرى. فيما يخص البلدان العربيّة شكلت جماعة الإخوان المسلمين والجماعات المتفرعة عنها، أولى هذه الحركات التي استخدمت العامل الدينيّ لممارسة العنف في سياق صراعات مع النظم الحاكمة والدولة والمجتمع.
بالتالي فنحن أمام عنف مؤدلج يستند إلى قاعدة فكرية ومبادئ ومفاهيم معينة، وهو العنف الأخطر الذي يهدد المجتمعات الحديثة، والذي ينطبق عليه وصف الإرهاب بشكل دقيق، لأنه في هذه الحالة لم يعد جريمة عادية أو فعلاً غير مقصود، وإنما تحول إلى أيديولوجية قائمة على مبدأ الإرهاب واستخدام العنف من أجل الحصول على مكاسب سياسيّة اجتماعيّة أو دينية وحتى فكرية وثقافية، بيد أن هذه المجموعات تستهدف إقامة نموذج لدولة وقانون وقيم اجتماعيّة كالتي رأينا قسماً منها في أفغانستان إبّان حكم طالبان لها أو" خلافة" داعش الإرهابي.
ولعل من أهم الأسباب الفكريّة التي ساعدت على ظهور الجماعات المتطرفة، نجد التشددّ والغلو في الدين الذي يكون نتيجة الفهم والتأويل الخاطئ لمقاصد الدين والشريعة الإسلاميّة، والذي تغذيه عدة عوامل تساعد على انتشاره ونموه، إذ يمثل الخطاب الثقافيّ والفكريّ أبرز هذه العوامل، ذلك الخطاب الذي يقدم العنف والإرهاب على أنه يهدف إلى تطبيق الشريعة ومبادئ الإسلام ومقاومة الاحتلال الأجنبيّ بحسب رأيهم. وبناءً على ذلك يجري تبرير الأعمال الإرهابيّة من قتل أبناء الطوائف غير الإسلاميّة وسبي النساء، والأجانب والمخالفين لهم والتمثيل بهم، وكل هذه الأعمال الإرهابيّة الأخرى التي قامت بها المنظمات الجهاديّة السلفيّة وآخرها تنظيم القاعدة وداعش حيث يجري تسويقها إعلاميًّا من قبلهم على أنها أعمال تخدم الدين والمقاومة.
وتأسيساً لذلك فإن تزييف النصوص الدينيّة، واستخدامها في غير مجراها الطبيعيّ أدى إلى حالة من الفوضى في تفسير النصوص الدينيّة وتأويلها قادت إلى تنامي العنف، وخير دليل على ذلك قضية الجهاد في الإسلام التي انحرفت تفسيراتها عن جوهر معناها في القرآن والسُنة النبوية. وعليه أصبح الجهاد إرهاباً بعد أن تحولت فكرة الجهاد لدى جماعات الإسلام السياسيّ الراديكاليّة إلى فكرة تكفير المسلم ومن ثَم شرعية قتله.
ونتيجةً لهذا فقد ﺃﺼﺒﺢ ﺍﻹﺭﻫﺎﺏ ﻤﻥ ﺍﻟﻅﻭﺍﻫﺭ ﺍﻟﺨﻁﻴﺭﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﺩﺕ ﺇﻟﻰ ﺯﻴﺎﺩﺓ ﺍﻟﺨﻁﺭ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﻤﻥ ﺍﻹﻨﺴﺎﻨﻲّ ﺇﺫ ﺘﻌﺩﻯ ﻤﺭﺤﻠﺔ ﺍﻟﻤﺤﻠﻴﺔ، ﻭﺍﻨﺘﻘل ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ ﺒﺤﻴﺙ ﺃﺼﺒﺢ ﺇﺭﻫﺎﺒًﺎ معولماً، بمعنى أن يد الإرهاب طالت أغلب دول العالم، فضربت في واشنطن ولندن وبرلين، ﻭﻜﺫﻟﻙ ﻓﻲ الجزائر وتونس والمغرب ﻭﺤﺘﻰ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻌﻭﺩﻴﺔ، من ثم فإن الإرهاب أصبح ﻴﻤﺜل ﻤﺼﺩﺭًﺍ ﻤﺼﺎﺩﺭ ﺍﻟﺨﻁﺭ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻲً ﺍﻟﻤﻌﺎﺼﺭ.
ووَفقاً لما تقدم إذن نحن أمام مشكلة مهمة وهي، اعتماد الغرب على الخلط بين الجماعات الأصولية وبين الدين الإسلاميّ، إذ تم إلصاق اسم الدين الإسلامي بالإرهاب، والدين الإسلامي هو دين الرحمة والمغفرة، في الوقت نفسه هذا ينافي جانباً من الواقع، ذلك فإن إلصاق صفة الإرهاب بالإسلام وإعفاء الآخرين منها ستكون مقصودة ومغرضة، كما أن استخدام كلمة الجهاد والجهاديّين على العمليات الإرهابيّة، هو الآخر أمر مقصود ومفتعل، لأن للجهاد شروطَه، والجهاد من أجل الحق هو غير الإرهاب، بل هو جهاد دفاعيّ هدفه حماية البلاد والعباد من العدوان والإرهاب والظلم. وتجدر الإشارة إلى أن الحروب الدينيّة قديماً هي أحد أبرز الأمثلة التاريخيّة حضوراً عند الحديث عن العنف الدينيّ.
عليه فإن الخطاب الدينيّ ليس مجرد كلمات تُلقى، وانما هو رسالة ذات مضمون فكريّ ودينيّ واجتماعيّ له أثر كبير في توجيه الإنسان، وإن إساءة استخدامه من قِبل الجماعات المتشددة التي تحاول نشر أفكارها التي تُهدد الأمن والسلم الدوليّين لما تتضمنه من أفكار العنف والتطرف والإرهاب، توجب على العلماء ورجال الدين مواجهة هذه التحديات الخطيرة من خلال تقديم الرؤية الصحيحة لمبادئ الإسلام، وتصحيح المفاهيم، ومحاربة فكر الإرهاب والعنف والتشدد والتطرف، وذلك عن طريق التفسير الصحيح للنصوص الدينيّة التي تؤكد مقاصد الشريعة السمحاء، ومن ثم تأسيس خطاب دينيّ متسامح.