د. صباح ناهي يكتب: الذكرى 155 لتأسيس الصحافة العراقية
مرت كل تلك السنين من تاريخ العراق وهي تحفل بتاريخ طويل وشهادات عن العراق الحديث ، مذ أسس الوالي المصلح ( كما يسمى) مدحت باشا تاسيس جريدة الزوراء في ولاية بغداد عاصمة العراق.
وتعاقبت السنين على مهنة توصف (بمهنة المتاعب) لانها حالة بحث مضنية و دائمة عن الاخبار والأفكار، التي تجلو فيها الحقيقة وتقدم للجمهور، حتى وان عدتها السلطات تشهير بها او كشف لأجندتها ، هكذا ولدت الصحافة العراقية مشاكسة ناقدة لا يقبل عليها سوى المفكرين والمخبرين، والكتاب ورؤساء التحرير المتخمين بالأفكار الليبرالية والقومية واليسارية والمدنية ، فسجلت صحافتنا تاريخا ناصعا ً لأشخاص وأسر امتهنت المتاعب وقارعة السلطات، وانقلبت على الولاة وعرت الطغاة وكشفت المستور والمخبوء من الحكايات بتاريخ الطبقات الوسطى العراقية المتعاقبة، التي كانت معين تلك الصحافة وثقافتها وتوجهاتها، حتى اضحت صحافتنا العراقية سفر الوطنية وعنوان تاريخ البلد والمتصدية لكل اولئك الذين ظنوا انهم يحكمونها، أو يوظفونها أو يسعون للتلاعب بها احيانا لاهداف تريدها الدولة في التعبئة او التغطية على ظروف استثنائية.
لا تؤرخ الصحافة العراقية بالجواهري وحده نقيبا لها أول العهد الجمهوري العام 1959، لأنها اختارته لمسيرته في النضال من اجل الحرية، لكن سبقه العشرات من الصحافيين الرواد الذين عملوا مطلع القرن الماضي وانجزوا صحفا أخرجوها للنور بمجهود فردي، كذلك جيش من صحفي الرأي والمخبرين والمحققين، والطباعين ومصففي الأحرف الرصاص، في حارات بغداد والبصرة والموصل وسواها، هؤلاء مادة الصحافة العراقية ومونتها.
خسرت الصحافة العراقية الكثير الكثير من جنودها الذين عملوا في كنفها جراء الحروب والغزوات والانتفاضات، وسقط مئات الـشهداء، الذين كانوا يبحثون عن الحقيقة ، وجراء عملهم دفعوا فاتورة ذلك حياتهم ، نعم مرت الصحافة العراقية بانتكاسات مهنية وإشراقات تطورية من جهة ثانية، فلكل زمان دولة ورجال، لكنها ظلت صحافة قادرة ان تلفظ السيئين وتلوك المتغطرسين والمنتفعين، وتسحق ماكنتها الضخمة كل ما يعرض المهنة إلى التوظيف تحت اقدام السلطة، أية سلطة.
صحافتنا العراقية ولدت في كنف الحرية رغم ظروفها غبر المتحررة من السلطات والمغامرين الذين ظنوا انهم يأخذوها لملعبهم تابعة ذليلة للسلطة ، لكنها تولد من الرماد لتعاود دورة الحرية.
تحية لكل صحافي العراق الشهداء منهم والأموات والأحياء ممن نذروا انفسهم لرسالتها ولوطنيتتا وقيمها العليا، لعراق موحد حر ديمقراطي، يمجد الإنسان ويضعه قيمة عليا.
تحية للمتصدين للفساد العام والخاص والمختلط، فساد يقوض روح المجتمع ويمنع تطوره وانطلاقه نحو الديمقراطية وحقوق الإنسان، وهي ظاهرة تتخادم فيها السلطات وتتوافق في مراميها الأجندات، التي باتت مكشوفة أكثر من ذي قبل.