مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

خسائر بشرية وأضرار مادية.. ماذا يحدث على ضفتي الحدود بين لبنان وإسرائيل؟

نشر
أحداث لبنان
أحداث لبنان

بالتزامن مع الحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة، تدور اشتباكات بين جماعة "حزب الله" اللبنانية، وتل أبيب منذ أشهر عدة، في أعنف تبادل للقصف بين الجانبين منذ عام 2006، ما يشكل نوعاً من "الحرب بالتقسيط"، خلفت بحسب بيانات رسمية، عشرات آلاف النازحين من المناطق الحدودية في جنوب لبنان وشمال إسرائيل في الوقت نفسه.

واستمرت التوترات في التصاعد، وسط مطالبات حكومية لرؤساء السلطات المحلية في شمال إسرائيل، بـ"الاستعداد لقتال أكثر صعوبة، وقد يؤدي إلى حرب واسعة"، بينما تسعى الولايات المتحدة إلى تهدئة "الجبهة الساخنة" منذ عدة أشهر، وحذّرت تل أبيب من شن "حرب محدودة" في لبنان، منبهة إياها إلى أن الخطوة "قد تدفع إيران إلى التدخل بشكل مباشر"، ما يهدد بصراع إقليمي واسع.

العمليات العسكرية الإسرائيلية، على الجنوب اللبناني

وفرضت العمليات العسكرية الإسرائيلية، على الجنوب اللبناني خارطة ميدانية يمكن تقسيمها إلى 3 مناطق، الأولى منطقة عمليات عسكرية يومية، تمتد عبر الحدود الشمالية إسرائيل بعمق يتراوح من 2 إلى 4 كيلومترات، وبطول يزيد على 120 كيلومتراً في الجانب اللبناني، من رأس الناقورة غرباً حتى جبل الشيخ شرقاً، وتشمل هذه المنطقة البلدات والقرى الحدودية المحاذية للشريط الشائك أو القريبة منه أو المواجهة له، والطرقات التي تربط بينها.

وتعتبر هذه المنطقة خالية بشكل شبه كلي من السكان، وذلك بعد اضطرار حوالي 95% منهم للنزوح قسراً، بسبب الغارات الإسرائيلية المباشرة واليومية، والتي أدت إلى تدمير آلاف الوحدات السكنية على طول الحدود، والتي تضم بلدات "الضهيرة، ويارين، ومروحين، ورامية، وعيتا الشعب، ومارون الراس، وبليدا، وعيترون، والعديسة، ومركبا، وكفركلا، والخيام، وكفر شوبا، وشبعا".

أما المنطقة الثانية، فتشمل البلدات والقرى التي تقع في الحزام الخلفي للمناطق الحدودية، بعمق يتراوح بين 5 إلى 10 كيلومترات، وتتعرض بين فترة وأخرى لغارات جوية أو لقصف بالطائرات المسيّرة أو المدفعية، وقد اضطر أكثر من نصف سكانها إلى النزوح.

فيما تمتد المنطقة الثالثة، حتى ضفاف مجرى نهر الليطاني، بعمق يتراوح بين 11 و20 كيلومتراً، وغالباً ما تكون مسرحاً لغارات جوية بالمقاتلات أو المسيّرات، وكذلك تتعرض لقصف مدفعي في بعض الأحيان، وتُحلق فوقها الطائرات الإسرائيلية على ارتفاع منخفض.

ورغم تأثر الحياة في هذه المنطقة بالعمليات العسكرية، إلا أن حركة النزوح منها بقيت محدودة، إذ نزحت إليها أعداد كبيرة من المناطق الحدودية والخلفية، واستقرت فيها بشكل مؤقت.

وإلى جانب هذه المناطق الثلاث، تبقى البلدات والقرى الواقعة شمال الليطاني، وحتى جزين شرقاً، والنبطية وإقليم التفاح في الوسط، وصيدا غرباً، عرضة لغارات جوية إسرائيلية متكررة بين الحين والآخر، حيث تستهدف تل أبيب قياديين في "حزب الله"، وحركات "حماس"، و"الجهاد"، و"الجماعة الإسلامية" أو تقصف منشآت ومراكز عسكرية تزعم أنها مقار للحزب.

خسائر بشرية وأضرار مادية

التقارير الرسمية اللبنانية والدولية، إلى جانب بيانات "حزب الله"، تُشير إلى وصول عدد الذين لقوا مصرعهم في الجنوب اللبناني جرّاء الهجمات الإسرائيلية منذ 8 أكتوبر حتى 29 مايو الماضي، إلى أكثر من 445 شخصاً، أغلبهم من "حزب الله"، إذ ينتمي 317 منهم إلى الجماعة، و9 إلى الهيئة الصحية الإسلامية التابعة لها، و18 من حركة أمل، و3 من "كشافة الرسالة الإسلامية" التابعة لها، وشخص من الحزب القومي السوري.

كما لقي 5  أشخاص مصرعهم من "الجماعة الإسلامية"، و7 مسعفين من الهيئة الطبية التابعة لها،  بينما لقي جندي لبناني مصرعه جراء الضربات الإسرائيلية، و3 صحافيين، إضافة إلى 65 مدنياً.

أما على صعيد الجنسيات الأخرى، فإن 7 سوريين و9 فلسطينيين، فقدوا حياتهم، بسبب الهجمات الإسرائيلية على جنوب لبنان.

وفي تقدير أولي لحجم الدمار والأضرار التي خلفها القصف الإسرائيلي المتكرر على جنوبي لبنان، أعلن مجلس الجنوب، أن هناك 1700 منزل تعرض للتدمير الكلي، بينما تضرر جزئياً نحو 6 آلاف مبنى. كما ألحق القصف أضراراً بالحقول الزراعية، وخاصة في المناطق التي استخدم فيها الجيش الإسرائيلي قذائف فوسفورية حارقة.

وبحسب مصادر عدة، من بينها مجلس الجنوب، و"الدولية للمعلومات" (شركة أبحاث وإحصاءات مستقلة)، فإن قيمة الأضرار التي لحقت بالمباني والمؤسسات والبنى التحتية والمرافق العامة، بما في ذلك (شبكات المياه، والكهرباء، والطرقات، والخدمات الأساسية)، والمرافق والخاصة الاقتصادية والزراعية منذ 7 أشهر، تُقدر حتى الآن بنحو 1.5 مليار دولار أميركي.

نزوح آلاف السكان

ووفقاً لتقديرات اتحادات البلديات اللبنانية، تسببت الهجمات الإسرائيلية على جنوب البلاد حتى الآن، في نزوح أكثر من 90 ألفاً، حيث توجه معظم للإقامة لدى أقارب لهم، أو في بيوت مستأجرة في نفس المناطق، أو في العاصمة بيروت. كما أدى التدفق الكبير للنازحين وزيادة الطلب على الشقق السكنية إلى ارتفاع أسعار الإيجارات لتتراوح بين 300 و600 دولار بحسب مساحة الشقة أو البيت المستأجر.

كما يتوزع نحو 30 ألف نازح من قرى قضاء صور الحدودية، بين مراكز إيواء في صور وجوارها، أو في منازل سكنية تعود إلى أقاربهم أو مستأجرة، فضلاً عن انتقال عدد كبير من هذه العائلات إلى صيدا وبيروت.

ويبلغ عدد النازحين من بلدات وقرى أقضية بنت جبيل ومرجعيون وحاصبيا الحدودية، أكثر من 30 ألفاً، يتوزعون في مدينة النبطية وبعض بلدات وقرى قضائها، بينما انتقل بعضهم إلى مراكز الإيواء، يعيش غالبيتهم في شقق سكنية مستأجرة، والقسم المتبقي توجه إلى بيروت.

وفرضت أزمة النزوح نفسها أيضاً، على منطقة العرقوب التي تم تهجير نحو 90% من أبنائها، ولا سيما من بلدات شبعا، وكفر شوبا، والهبارية، حيث يتوزعون على مناطق مختلفة في صيدا، وإقليم التفاح، وجبل لبنان، والبقاع وبيروت.

ويتلقى القسم الأكبر من العائلات النازحة من جنوب لبنان وخاصة الموجودين في مراكز إيواء، مساعدات ومعونات إغاثية من مجلس الجنوب، وهو مؤسسة رسمية، وكذلك من جمعيات محلية، ومنظمات دولية، ومبادرات فردية وخاصة.

أضرار وخسائر المستوطنات

المستوطنات الإسرائيلية الحدودية مع لبنان، تكبدت منذ بدء التصعيد، خسائر وأضرار في المباني والبنى التحتية، إلى جانب قطاعات الزراعة والصناعة والسياحة، لا سيما مع خلوها من السكان، وتحولها لمواقع يتمركز فيها الجيش والآليات العسكرية.

وأقرّت وزارة الدفاع الإسرائيلية، بأنّ "930 منزلاً ومبنى تضرروا في 86 بلدة شمال إسرائيل" منذ اندلاع المواجهة مع "حزب الله".

وقالت وسائل إعلام إسرائيلية، أن "حزب الله" أطلق أكثر من 3 آلاف صاروخ باتجاه الشمال، ومعظم المستوطنات التي أُجلي سكانها تعرضت لأضرار هائلة، وتعيش أوضاعاً كارثية. ووفقاً لموقع القناة 12 الإسرائيلية، قدرت جهات أمنية رسمية إسرائيلية، أنّه في المستوطنات التي تلقت الضرر الأكبر "قد يستطيع السكان العودة إليها فقط بعد عام من انتهاء الحرب، في ضوء الحاجة إلى ترميم الدمار الذي حدث".

وقال رئيس ما يسمى "تجمّع مستوطنات خط المواجهة"، موشيه دافيدوفيتش، إن "مستوطنات الشمال في وضع كارثي، ويوجد إصابات يومية بالصواريخ المضادة للدروع التي يطلقها حزب الله"، مُشدّداً على أنّها "تدمر المباني، والتي لا يمكن إعادة تأهيلها حالياً كونها موجودة على خط التماس".

محاولات إسرائيلية لاحتواء الأزمة

وفي محاولة لـ"احتواء الأزمة"، بدأت الحكومة الإسرائيلية في بناء مناطق نزوح مؤقتة، وخصصت ميزانية تقدّر بنحو 6 مليارات شيكل (نحو 1.64 مليار دولار) 3 منها لا تمتلكها خزانة الدولة، ولم يتم صرفها حتى الآن.

على الصعيد الاقتصادي، خسر الآلاف مصدر رزقهم في الشمال، حيث يعمل أكثر من 80% من سكان الحضر والريف بالقرب من منازلهم، بالإضافة إلى عدم قدرتهم على تصريف المنتجات الزراعية وتسويقها، وسط تحذيرات من فقدان الناتج الغذائي الشمالي مع تصاعد الخسائر الزراعية وتراكم الأضرار طويلة الأمد، كما سجلت معدلات البطالة نسبة 332% في المستوطنات المخلاة، مقارنة بالسنة الماضية.