حرب غزة.. كيف أثرت على الدوائر السياسية العراقية
ما حدث في السابع من أكتوبر الماضي في الأراضي الفلسطينية المحتلة وما تبعها من حرب طاحنة شنتها إسرائيل على قطاع غزة، يُعد من أكثر أحداث منطقة الشرق الأوسط تأثيرًا وتأثرًا في المرحلة الراهنة ليس في الساحتين الإسرائيلية والفلسطينية فحسب، بل على الصعيدين الإقليمي والدولي أيضًا، نظرًا لتعقد المشهد، وتداخل المواقف، وتعدد الأطراف، وتأثر السياسات بمعطيات ومتغيرات الملفات الإقليمية والدولية السابقة والراهنة.
وليس العراق ببعيد عن التأثير والتأثر بملف الحرب الإسرائيلية على غزة في مشهدها الراهن، حيث تنعكس هذه الحرب على الساحة العراقية، على الصعيدين الرسمي والشعبي، وكذلك على المجالات السياسية والأمنية، ناهيك عن الانعكاسات على علاقات العراق الدولية، لا سيما العلاقات العراقية الأمريكية التي تعد الأكثر تأثرًا بهذه الحرب.
ومن هنا يتبادر إلى الذهن عدة تساؤلات بشأن تأثر المشهد العراقي بتطورات الحرب على غزة، والتي تتمثل في: ما الموقف العراقي ببعديه الرسمي والشعبي من عملية «طوفان الأقصى» والحرب الإسرائيلية على غزة؟، وكيف انعكست هذه الحرب على الساحة العراقية سياسيًّا وأمنيًّا؟.
منذ اليوم الأول للحرب الإسرائيلية على غزة في 7 أكتوبر 2023 كان الموقف العراقي الرسمي واضحًا منها، وتبين موقف رئاسة جمهورية العراق من خلال تدوينة على موقعها الرسمي الإلكتروني، كما شاركت الحكومة العراقية في مؤتمرات القمة العربية والإسلامية التي عُقدت في مصر والمملكة العربية السعودية، لبحث تطورات الأحداث واتخاذ موقف محدد إزاءها، وحينما شارك رئيس مجلس الوزراء العراقي «محمد شياع السوداني» في «قمة القاهرة للسلام»، في21 أكتوبر 2023، وصف في خطابه الحرب الإسرائيلية على غزة بأنها «إبادة جماعية».
يتصف بشكل عام موقف القوى السياسية العراقية بأنه موقف شبه موحد، وقلما تتخذ أو تجمع القوى السياسية العراقية على موقف واحد إزاء قضيةٍ ما مثل القضية الفلسطينية، إذ اتضح موقف «ائتلاف دولة القانون» من خلال تصريح رئيسه «نوري المالكي» ، بينما دعا زعيم «تحالف الفتح» «هادي العامري» الشعوب الإسلامية والعربية إلى تحمُّل مسؤوليتها الشرعية والأخلاقية في الوقوف التام مع الشعب الفلسطيني، ولم تختلف مواقف القوى السياسية الأخرى عن هذه المواقف، ومنها «تيار الحكمة» الذي يتزعمه «عمار الحكيم»، و«تحالف العزم» الذي يتزعمه «مثنى السامرائي»، وكذلك «التيار الصدري» يتزعمه «مقتدى الصدر»، والجبهة التركمانية.
لم يكن الموقف الشعبي في الشارع العراقي مختلفًا عن موقف القوى السياسية العراقية، إذ خرج العديد من المسيرات في مختلف المدن العراقية للتنديد بالعدوان والحرب التي تشنها إسرائيل على الفلسطينيين وقطاع غزة منذ أكتوبر 2023، وترفع هذا الاحتجاجات والمسيرات الاحتجاجية شعارات مؤيدة للفلسطينيين والمقاومة الفلسطينية في مقابل التنديد بإسرائيل وعدوانها الوحشي، والمطالبة بتقديم الدعم والإسناد للفلسطينيين، ورفعت هذه المسيرات المستمرة الأعلام الفلسطينية.
ومن الجدير بالذكر أن البعض من المسيرات الاحتجاجية المؤيدة للفلسطينيين خرجت بدعوة من قواهم السياسية، ولعل المثال الأبرز على ذلك المسيرات الاحتجاجية التي خرجت بناءً على دعوة زعيم «التيار الصدري» «مقتدى الصدر».
لم يتوقف الأمر في المشهد العراقي عند المواقف السياسية بل تعداه إلى التصعيد الأمني والتوترات الأمنية انعكاسًا لما يحصل في الساحة الفلسطينية، إذ شهدت الساحة العراقية توترات وتصعيدًا أمنيًّا بين الفصائل والميليشيات المسلحة من جهة، والوجود العسكري الأمريكي المتمثل في التحالف الدولي والقواعد العسكرية الأمريكية في وسط وشمال العراق من جهة أخرى. فالفصائل المسلحة في العراق أعلنت تأييدها لحركة حماس، وهددت منذ بداية أحداث 7 أكتوبر بأن أي تدخل أمريكي إلى جانب إسرائيل سيقابَل باستهداف للمصالح الأمريكية في العراق والمنطقة. وفي المقابل، أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية تأييدها المطلق لإسرائيل وقدمت كل أنواع الدعم لها.
وتجسدت هذه التهديدات المتبادلة بشكل واقعي بعد أن شن عدد من الفصائل المسلحة هجمات بطائرات مسيّرة وصواريخ على المصالح والقواعد الأمريكية المتمثلة بمقر السفارة الأمريكية في بغداد، و«قاعدة عين الأسد» في محافظة الأنبار، و«قاعدة فيكتوريا» بالقرب من مطار بغداد الدولي، و«قاعدة حرير» في أربيل عاصمة إقليم كردستان العراق، وفي المقابل كان الرد الأمريكي باستهداف بعض من مقرات ومعسكرات هذه الفصائل في عدد من المحافظات العراقية من خلال الطائرات والطائرات المسيّرة.
وعند تتبُّع الهجمات التي تعرضت لها القواعد الأمريكية في العراق وسوريا يتبين أن جماعة تطلق على نفسها «المقاومة الإسلامية في العراق» قد تبنت استهداف القواعد العسكرية والمصالح الأمريكية في العراق وسوريا بالصواريخ والطائرات المسيّرة، مثلما تبنّت استهداف ميناء إيلات الإسرائيلي بالصواريخ في 3 نوفمبر 2023، حتى إن الهجمات التي تعرضت لها هذه القواعد قد وصلت إلى 38 هجومًا خلال الفترة من 7 أكتوبر إلى 7 نوفمبر 2023، ثم وصلت في 27 نوفمبر 2023 إلى 66 هجومًا، وأوقعت ما يقرب من 62 جريحًا في صفوف القوات الأمريكية وفقًا لما ذكرته «سابرينا سينج» نائبة المتحدث باسم البنتاجون في تصريح لها. وتزايد عدد الهجمات التي طالت القواعد الأمريكية ليصل إلى أكثر من 100 هجوم حتى يوم 26 ديسمبر 2023.