د.أنمار الدروبي يكتب: الإقليم السُني من ارستقراطية مراكز القوى السُنية إلى الأوليغارشية السُنية؟
تعيش الأمم والشعوب في حياتها مراحل مفصلية وقد ترقى أن تكون مصيرية في وجودها التاريخي. والشعوب لا تطالب بالمستحيل وليس لأحد حق في مصادرة إرادتها.
لكنها السياسة تلك الممارسة التي لا تنفك عن التلاعب في مقدرات الأمم ولا تنفكّ عن التحايل وخلق جميع المشاكل.
ربما لأن نزعة الاستبداد غريزة في البشر، وأن الصراع مكتوب على الشعب العراقي بمنطق جدل الحياة والديمومة.
وفي رأي أرسطو أن الأوليغارشية تنتهي دائماً بحكم الطغيان وتصبح مشكلتها الرئيسية هي الاستئثار بالسلطة.
ويستخدم هذا التعبير في العصر الحديث لوصف الحكومات التي تعتمد على نفوذ أجنبي، أو التي ليس لها رصيد جماهيري بحيث تعتمد على دوائر التأثير في السلطة مثل رجال المال أو الصناعة، أو العشائر.
السجال يتعلق بأزمة الإقليم السُني في العراق، مثل آلاف الأزمات التي يعيشها المكون السُني، لاسيما أن كل أزمة تكشف عورة الطبقة السياسية السُنية وبدون استثناء، والتي أصبحت طبقة أرستقراطية وتحديدا مراكز القوى السُنية.
وبما أن قوانين الأشياء لا تسمح أن تستقر الشواذ والتناقضات في كيان لا ينسجم معها، ولذلك تحدث الحركة بفعل التنافر والتضاد في عملية خلق استقرار أو انسجام فيما نسميه الواقع، من هنا بدأ يطفو على السطح موضوع الإقليم السُني.
بلا شك أن الإقليم السُني هو التقسيم، لكن في الوقت نفسه أن التقسيم ورغم بشاعته يعتبر من الوسائل التي تنتج الحل عندما تتعقد الإشكالات وتعجز العقول عن ايجاد صيغة لمعادلة مقبولة من خلال السياسة.
في السياق الجيوسياسي سيواجه مشروع الإقليم السُني رفضا دوليا على غرار ردود الأفعال السلبية من قبل الدول الغربية في قضية استفتاء كردستان، حيث تمثلت في تحذير وزير الخارجية الألماني سيجمار جابرييل من تبعات استقلال كردستان، واعتبره خطوة غير صحيحة ممكن أن تؤدي إلى تردي الأوضاع في بغداد وأربيل معا، وعبرت ألمانيا عن قلقها بشأن خطط إقليم كردستان لإجراء استفتاء على الاستقلال، لكونها قد تؤجج التوتر في المنطقة. وانطلاقًا من ذلك لا يمكن تصور أن يكون للمواقف الدولية الغربية نوايا أو استراتيجية داعمة لإنشاء إقليم سُني في العراق.
وحتى إذا كان هنالك نية لمشروع إقليم سُني في العراق، فهذا أصلا مشروع أمريكي لتقسيم العراق، ولكن سينفذ ضمن مشروع الحل الشامل الذي تجري حوله مباحثات سرية بين الدول الكبرى، بيد أن تكون سوريا والعراق في (سلة واحدة). ولديهم خطط واستراتيجية في هذا الموضوع، ولم تتضح خطواتهم لحد الآن.
أما روسيا فهي تعرقل المخطط، وفي النتيجة أما أن يتوصلون إلى اتفاق كامل يلبي الشروط وأما أن يذهبوا إلى الحرب! في الوقت ذاته علينا أن نعترف بأن هناك وساطات دولية تحاول تأجيل حتمية التصادم والذهاب إلى حرب إقليمية لإعطاء فرصة من أجل الوصول إلى حل سياسي.
وتجدر الإشارة إلى أن كاتب المقال لا يتهم مطلقا ولا يتهكم أبدا على أصحاب رؤية الإقليم السُني، وإنما كلامي في سياق البلاغة السياسية، بمعنى هل تبنى قادة هذا المشروع طرحا سياسيا أو رؤية لشكل الإقليم والنظام السياسي فيه)؟
وهنا لا أعني بالرؤية السياسية، الكلام والتصريحات الرنانة، على سبيل المثال لا الحصر (قضية جرف الصخر، المعتقلون السُنة، النازحون، المهجرون، وإلخ) هذه كلها قتُلت بحثا، لاسيما كل ساسة السُنة زعيم، قائد، شيخ، رجل دين، إعلامي، كاتب وباحث سياسي، كل هؤلاء صدعوا رؤوس العراقيين بهذه السمفونية المشخوطة ولا حلول مطلقا، مجرد شعارات طنانة في الفضائيات، ابتُلي بها المجتمع العراقي ليس أكثر.
وبما أن موضوع الإقليم السُني يحتاج إلى بحث خاص والمقام لا يسمح بذلك، إذن سيطرح مقالي المتواضع بعض الأسئلة والاستفسارات بشكل مختصر على أصحاب أو قادة هذا المشروع، عسى أن نفهم أو يفهم الشارع السُني، كيفية تحقيقه، ومالاته وتداعياته السلبية قبل الإيجابية على واقع العراق بصورة عامة، والمحافظات الغربية وأبناء المكون بصورة خاصة:
لكن قبل طرح الأسئلة، لابد من استعراض أهم السلبيات التي تنعكس على إنشاء أقاليم وفق رؤيا أو اتجاه أيديولوجي، وما هي السبل الكفيلة لمعالجة هذه السلبيات من قبل منظري وأصحاب فكرة الإقليم السُني:
1. الإقليم السُني سيمنح الجماعات الفئوية، والعشائرية، فرصة للنمو على حساب الآخرين أكثر مما عليه في الوقت الحاضر.
2. صعوبة بل استحالة ممارسة القضاء بشكل صحيح، عشائر، وقبائل، وفصل عشائري، وزواج رأس المال والسلطة.
3. استحالة السيطرة على اقتصاديات الإقليم، على سبيل المثال لا الحصر، عمليات التهريب تجري على قدم وساق من قبل العشائر الكبيرة المعروفة ومنذ سنين. من هنا لم ولن تستطيع قيادة الإقليم توجيه الاقتصاد بما يحقق الأهداف الوطنية العامة.
4. يصعب فيه مراقبة أداء السياسيين، عشائر وأولاد عم، وكما يقول المثل العراقي (عمك، خالك).
5. إن تعدد السلطات واختلاف التشريعات كثيرا ما يسبب منازعات ومشاكل في مختلف المقاطعات والأقاليم. وبناء على ذلك ستكون مشكلة إيجاد توازن وتحديد الأعمال بين الهيئة الاتحادية المحلية، مما يخلق مجال مستمر للانشقاق والعصيان المحلي.
السؤال الأول: بما أن (الأرض) من أهم الشروط الأساسية للإقليم، إذن على أية أرض سيقام عليها الإقليم السُني؟
محافظة الرمادي: التي تشهد صراعا دمويا ما بين مراكز القوى السياسية السُنية، وشيوخ العشائر، ورجال البزنس والسياسة، ذلك الصراع الذي لم ولن ينتهي إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين. وإذا افترضنا جدلا اتفقت كل هذه القوى المتصارعة على إنشاء الإقليم في الأنبار، إذن في هذه الحالة سيتم استبعاد أصحاب المشروع الأصليين، وستكون قيادة أو حكم الإقليم بيد طبقة السياسيين الأغنياء وشيوخ العشائر، وهو حكم الأقلية (الأوليغارشية).
محافظة نينوى: التي شهدت صراعا غير مسبوق بين القوى السياسية من أجل تعيين محافظا لها، إضافة إلى البيوتات السياسية أبناء الطبقة الارستقراطية المعروفة في المحافظة، مع التدخل التركي فيها. وإذا افترضنا جدلا اتفقت كل الأطراف على مشروع الإقليم، بالتأكيد ستكون قيادة الإقليم تحت سطوة هذه القوى السياسية الأرستقراطية مع بعض الشخصيات المتنفذة وهو حكم الأقلية (الأوليغارشية).
محافظة صلاح الدين: أما قيادات وساسة هذه المحافظة فهم نكبة وعالة كما غيرهم على المكون السُني، فالصراع هنا بين أبناء عشيرة واحدة لا غير، وهم قادة وزعماء في العملية السياسية، ولكن كم الاتهامات فيما بينهم معروف لدى المجتمع العراقي. فإذا كانت الطبقة السياسية في صلاح الدين لم تتفق مسبقا على قضية واحدة، كيف إذن سيمرر مشروع الإقليم فيها؟ ربما الإقليم سينطلق من قضاء بيجي!
كركوك: وما أدراك ما هي كركوك، قتال وصراع عربي كردي تركماني، ربما الإقليم سينطلق من قضاء الحويجة!
السؤال الثاني: قضية السيادة: بما الدولة هي صاحبه السلطة العليا والنهائية في أي إقليم في العالم، ما هي وجهة نظر قادة الإقليم في هذه المقولة؟
السؤال الثالث: هناك عوامل مركزيه جاذبه تعمل على تقويه الدولة الفيدرالية لكن في أحيان أخرى هناك عوامل مركزيه طارده وتعمل على إيجاد دوله فيدرالية. كيف يرى منظري ومفكري مشروع الإقليم السُني هذه العوامل.
في السياق ذاته، ينبغي مناقشة وتحليل المواقف الإقليمية والدولية حول مشروع الإقليم السُني في العراق:
الموقف الإقليمي:
يمكن أن يكون هناك تعارضا أو تناقضا بالموقفين التركي والإيراني من قضية تقسيم العراق وتحديدا إنشاء إقليم سُني، يختلف عن موقفهما الموحد في قضية استفتاء كردستان، حيث هددت تركيا وإيران باتخاذ إجراءات قوية ضد إقليم كردستان العراق، إذا مضت سلطات الإقليم في إجراء الاستفتاء على إعلان الانفصال عن العراق في حينها. لكن الموقف التركي يختلف في قضية إنشاء إقليم سُني، فتركيا تعتبر إنشاء إقليم ذو أيديولوجية معينة مفيد لها، خاصة إذا ما ضم هذا الإقليم محافظة نينوى المحاذية للحدود التركية، من هنا سيسعى الأتراك لمساندة هذا التقسيم من خلال تقديم المساعدات اللوجستية له وإمكانية نشر قوات عسكرية تركية بغية حماية الإقليم والتغلغل أكثر داخل شمال العراق، وذلك محاولة منها القضاء على حزب العمال الكردستاني أو تحجيمه على أقل تقدير. أما إيران فإنها بالتأكيد ستعارض هذا التقسيم، لأنها حاليا تبسط نفوذها وهيمنتها على المحافظات السُنية، وبهذا فإنها سترفض التقسيم وستسعى بكل جهد لإفشال هذا المشروع، حيت أن إيران تعلم جيدا أن في حالة تقسيم العراق إلى أقاليم ذات طابع طائفي سيفقدها السيطرة على جزء كبير من الأراضي العراقية.
الموقف الأوروبي:
حينما يشار إلى السياسة الأوروبية في العراق ومدى تأثيرها وتأثرها في الوضع العام، فبلا شك أن الأوروبيين قد أخفقوا في إيجاد الوسائل وآليات القرار الّتي تمكنهم من البروز كلاعب فعال ومؤثر في العراق. حيث سعى الاتحاد الأوروبي في اتباع سياسة الانفتاح مع العراق لكنه بالتأكيد قد أخفق، بعد أن عجز في إيجاد سبل التعامل الملائمة، وذلك بسبب هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية. لكن الاهتمام الأوروبي بدأ يتجدد في العراق مرة أخرى بعد عام 2014، حينما امتد تنظيم داعش الإرهابي بشكل كبير بالأراضي العراقية، وشكلت الولايات المتحدة تحالفا دوليا كبيرا لمكافحته ضم العديد من دول الاتحاد الأوروبي مثل، أستراليا، بلجيكا، كندا، الدانمارك، فرنسا، ألمانيا، إيطاليا (تدريب قوات)، هولندا ونيوزيلندا، النرويج، إسبانيا والبرتغال،
ووفقا لما تقدم فإن موقف الاتحاد الأوروبي اتجاه مشروع الأقاليم في العراق لن يكون بعيدة كثيرا عن موقف الولايات المتحدة الأمريكية في حالة تقسيم العراق، يبدو واضحا للاتحاد الأوروبي أن السياسة الأمريكية بشأن سورية ربما لم تكن بالمستوى المطلوب.
الموقف الأمريكي:
وفي خضم التشابك القائم حاليا، تعتبر امريكا موضوع التقسيم من أهم المشاريع التي وضعتها للمنطقة، ومما لا أحد يعلم به أن شرط الانسحاب الامريكي من العراق تضمن الموافقة على تقسيمه وفق مخطط وضعته الإدارة الأمريكية، وقد تم الاتفاق عليه بين أمريكا وإيران وبموافقة بعض دول الخليج ووقع عليه كبار الساسة ممن يديرون العملية السياسية في العراق، بضمنهم الحزب الإسلامي واياد علاوي والاكراد وأغلب القيادات السياسية.