بعد 74 عامًا.. تخفيض مدة الحبس الاحتياطي في مصر أمر واجب النفاذ
يشهد المشهد السياسي والقانوني في مصر تحولات هامة مع اقتراب إقرار تعديلات على قانون الإجراءات الجنائية، وهو الأمر الذي أثار جدلاً واسعاً على مدار السنوات الماضية.
وتأتي هذه التعديلات استجابة لمطالب حقوقية وسياسية بضرورة تحديث التشريعات الجنائية بما يتماشى مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، وبخاصة فيما يتعلق بالحبس الاحتياطي.
الحبس الاحتياطي في مصر
لطالما كان الحبس الاحتياطي قضية مثيرة للجدل في مصر، حيث يرى منتقدوه أنه يتم استخدامه بشكل مفرط ويؤدي إلى انتهاكات لحقوق الإنسان.
وقد أثار هذا الملف اهتمام الرأي العام والمنظمات الحقوقية الدولية، مما دفع السلطات المصرية إلى النظر في إجراء تعديلات على التشريعات ذات الصلة.
توجيهات رئاسية وتوصيات حوار وطني
شهدت الفترة الأخيرة تطورات هامة في ملف الحبس الاحتياطي، حيث وجه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بإجراء تعديلات على قانون الإجراءات الجنائية، وذلك بناءً على توصيات الحوار الوطني. وقد تضمنت هذه التوصيات مجموعة من المقترحات لتقليص مدة الحبس الاحتياطي، وتوفير ضمانات أكبر للمتهمين، وتوسيع نطاق بدائل الحبس.
أسباب المطالبة بتعديل قانون الإجراءات الجنائية
تعددت الأسباب التي دفعت إلى المطالبة بتعديل قانون الإجراءات الجنائية، ومن أهمها:
- طول مدة الحبس الاحتياطي: كانت مدة الحبس الاحتياطي في مصر من أطول المدة في العالم، مما يتعارض مع المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان.
- انتهاكات حقوق الإنسان: أدى طول مدة الحبس الاحتياطي إلى العديد من الانتهاكات لحقوق المتهمين، مثل التعذيب وسوء المعاملة.
- تأثير سلبي على الاقتصاد: يؤدي الحبس الاحتياطي إلى زيادة أعداد المسجونين، مما يضع ضغطًا كبيرًا على الميزانية العامة للدولة.
- تضارب مع المعايير الدولية: لا يتوافق قانون الإجراءات الجنائي المصري الحالي مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، مثل العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
أهم التعديلات المقترحة
تتضمن التعديلات المقترحة على قانون الإجراءات الجنائية مجموعة من الإجراءات الهامة، من بينها:
- تخفيض مدة الحبس الاحتياطي: تقصير المدة القصوى للحبس الاحتياطي في مختلف أنواع الجرائم.
- توسيع نطاق بدائل الحبس: مثل الإفراج بكفالة أو الإقامة الجبرية.
- تعزيز ضمانات المحاكمة العادلة: مثل حق المحامي في حضور التحقيق، وحق المتهم في الاستئناف.
- تعويض المظلوم: توفير آليات تعويض للمتهمين الذين يتعرضون لحبس احتياطي غير قانوني.
قانون الإجراءات الجنائية المصري
ونظَّم قانون الإجراءات الجنائية المصري الحبس الاحتياطي عبر قانون تحقيق الجنايات الأهلي الصادر عام 1883 ليطبق على المحاكم الأهلية، ولن نسهب في ذلك القانون حيث عُطل العمل به حتى عام 1889 ثم تم تعديله عام 1904.
وعقب إلغاء الامتيازات الأجنبية بموجب معاهدة 1936 صدر قانون تحقيق الجنايات عام 1949، والذي تضمن تنظيم الحبس الاحتياطي حيث منحه سلطة إصدار الأمر بالحبس الاحتياطي لقاضي التحقيق المنوط به مباشرة التحقيق لمدة شهر وذلك إذا كانت الجريمة التي يحقق فيها يعاقب عليها بالحبس دون وضع حد أدنى لمدة الحبس أو عقاب آخر أشد من الحبس.
وفي حالة مد الحبس الاحتياطي، تُعرض الأوراق قبل انقضاء مدة الشهر على غرفة المشورة دون إلزام قاضي التحقيق بتسبيب الأمر بالحبس الاحتياطي.
ولغرفة المشورة سلطة تمديد الحبس شهرًا فشهرًا حتى الانتهاء من التحقيق، على أن تختص محكمة الموضوع سواء الجنح أو الجنايات بأمر الحبس الاحتياطي دون التقيد بحد أقصى.
ثم صدر قانون الإجراءات الجنائية رقم 150 لسنة 1950، والذي فرض مزيدًا من الضمانات على الإجراءات المنظِّمة للحبس الاحتياطي، وهو ما ستتطرق إليه الورقة تفصيلًا عند الحديث عن غاية الحبس الاحتياطي وشروطه. ومع إصدار دستور 1971، تم إضافة مزيد من الضمانات إلى الحبس الاحتياطي، تتمثل في مبرراته ووجوب توقيته.
ولكن ظلت تلك الضمانات حبيسة وغير مطبقة، حتى صدر القانون رقم 145 لسنة 2006، بشأن تعديل قانون الإجراءات الجنائية، فيما يخص الحبس الاحتياطي.
استحدث القانون رقم 145 لسنة 2006 بتعديل بعض أحكام قانون الإجراءات الجنائية بدائل الحبس الاحتياطي في الفقرة الثانية من المادة 201 إجراءات والتي نأمل أن تكون هي الأصل والحبس الاحتياطي بديلًا كما ذهب المشرع الفرنسي. وتنص المادة 201/2 من قانون الإجراءات الجنائية على: “ويجوز للسلطة المختصة بالحبس الاحتياطي أن تصدر بدلًا منه أمرًا بأحد التدابير الآتية:
1 – إلزام المتهم بعدم مبارحة مسكنه أو موطنه.
2 – إلزام المتهم بأن يقدم نفسه إلى مقر الشرطة في أوقات محددة.
3 – حظر ارتياد المتهم أماكن محددة.
فإذا خالف المتهم الالتزامات التى يفرضها التدبير، جاز حبسه احتياطيًّا.
ويسري في شأن مدة التدبير أو مدها والحد الأقصى لها واستئنافها نفس القواعد المقررة بالنسبة إلى الحبس الاحتياطي.
والثابت من النص السابق أنه يحتاج إلى تغيير لا سيما في ظل التقدم التكنولوجي وفي ظل جائحة كورونا، فأضحت هناك تدابير من غير الجائز استخدامها ولا بد من إعادة النظر فيها، مثل إلزام المتهم بأن يسلم نفسه لقسم الشرطة، حيث يمكن الاستعاضة عنه بعدم مبارحة المسكن مع وضع القيود الإلكترونية، مثلما ذهب المشرع الفرنسي. حيث نصت المادة 144 من قانون الإجراءات الجنائية الفرنسي على: “لا يؤمر بالحبس الاحتياطي أو بإطالة مدته إلا إذا تبين من عناصر وظروف واضحة أنه يعد الوسيلة الوحيدة لتحقيق هدف أو أكثر من أهداف الحبس الاحتياطي، وأن هذه الأهداف لا يمكن تحقيقها في حالة الخضوع للرقابة القضائية والالتزام بالبقاء في المسكن مع الخضوع للرقابة الإلكترونية”.