مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

اليوم.. عصر جديد خالٍ من الفحم يبدأ في بريطانيا

نشر
الأمصار

وبعيدًا عن تداعياته البيئية، فإن الفحم مصدر بالغ الأهمية للعالم، إذ أدّى إلى تحسينات تاريخية في مستوى المعيشة من خلال استعماله لتوفير الكهرباء التي تشتد الحاجة إليها، وبأسعار معقولة، يومًا بعد يوم مع النمو الاقتصادي والسكاني، و-أيضًا- في إنشاء البنية التحتية للمجتمعات، عبر الاعتماد عليه في صناعة الصلب والأسمنت.

واستعمال الفحم من منظور حماية البيئة والمناخ، مرض خبيث يهدد كوكب الأرض، ما يتطلّب القضاء عليه بأسرع وقت، في حين أيقن صنّاع القرار حول العالم -مع كل أزمة طاقة- أن هذا الوقود المنبوذ شر لا بدّ منه، إذ يُعَدّ أكبر مصدر منفرد لتوليد الكهرباء عالميًا، ومن ثم الاستغناء عنه لن يكون سهل المنال.

وقد انطلقت محطة "إديسون إلكتريك لايت ستاشن"، وهي أول محطات الفحم في بريطانيا والعالم في لندن، في شهر يناير عام 1882. وكان موقعها مناسبًا حينها، وأسهم في إثراء الثورة الصناعية التي انطلقت بداية القرن بالمملكة المتحدة.

وتباطأ نمو محطات الفحم في بريطانيا في بداية عمرها في القرن الـ 17، لكن ما لبثت أن تحركت خطاها بسرعة في النصف الثاني من القرن الـ 18، قبل أن تصل إلى ذروتها في 1913، وبلغ حجم الاستهلاك 292 مليون طن.

غير أن نشاط محطات الفحم في بريطانيا انكمش بنحو 150 ضعفًا في 2019، مقارنة بـ 1913، وسجّل حجم الاستهلاك مليوني طن فقط، ثم بلغ 406 آلاف طن العام الماضي (2023).

والعام الماضي، لم تزد كهرباء محطات الفحم في بريطانيا عن 2.4% من مزيج الطاقة في البلاد.

ووفق مؤسسة الأبحاث البريطانية "إيمبر"، فإن كهرباء محطات الفحم في بريطانيا واصلت التراجع منذ بداية القرن العشرين (1990)، قبل أن تبدأ استقرارًا في 2012، حيث بلغت 39% من إجمالي الكهرباء المولدة في البلاد.

وقالت إن: "الهبوط السريع بنحو 7% سنويًا جاء بعد 5 سنوات فقط في 2017، لتستقر كهرباء محطات الفحم في بريطانيا عند 2% من إجمالي التوليد منذ 2020، وتهبط إلى صفر الأسبوع المقبل".

تغير المناخ العالمي والتحول نحو الطاقة المتجددة بإغلاق محطة راتكليف

واليوم الإثنين 30 سبتمبر، يتم تطبيق قرار إغلاق آخر محطة كهرباء تعمل بالفحم في بريطانيا، ليعلن بذلك نهاية عصر الفحم في البلاد التي أشعلت الثورة الصناعية قبل 200 عام.

وفي غضون ساعات، ستبرد الغلايات في محطة “راتكليف أون سور للطاقة” Ratcliffe-on-Soar- هذه الغلايات كل تتمتع بارتفاع مبنى مكون من 12 طابقًا.

وكشفت مؤسسة الأبحاث البريطانية "إيمبر" أن التخلص السريع من محطات الفحم بدأ مع حلول القرن الحادي والعشرين، بفضل السياسات المتبعة، والحوافز المالية، مع تسريع خطوات الطاقة المتجددة، للإحلال مكانها، وسدّ الفجوة التي يمكن أن تنجم عن خروجها من الخدمة.

وكانت شركة يونيبر الألمانية- وهي إحدى أكبر شركات الطاقة المتعددة الجنسيات في العالم، ومقرها في ألمانيا- والتي تدير محطة "راتكليف-أون-سور" لتوليد الكهرباء بالفحم في بريطانيا، قد تعهدت بإغلاق الوحدات الأربع التي تبلغ قدرة كل منها 500 ميغاواط خلال الشهر الجاري، وهو ما يتماشى مع سياسات الحكومة (تمتلك حكومة برلين 99% من يونيبر، التي جرى تأميمها بعد أن كادت أزمة الطاقة الأوروبية تعصف بها في 2022).

وحصلت يونيبر، لاحقًا، على موافقة السلطات البريطانية لتحويل موقع المحطة إلى بعض الصناعات الحديثة، وتوليد كهرباء منخفضة الكربون، إضافة إلى إنتاج البطاريات وتخزين الطاقة.

ويبلغ عمر آخر محطات الفحم في بريطانيا 57 عامًا، وولّدت كهرباء خلال أكثر من نصف قرن تكفي لإعداد نحو 21 تريليون كوب من الشاي، أو ما يعادل أكثر من مليار كوب شاي يوميًا، وفق يونيبر.

ورغم غلق محطة "راتكليف"، ستواصل شركة يونيبر تشغيل خمس محطات كهرباء في المملكة المتحدة تعمل بالغاز الطبيعي.

وتقول "واشنطن بوست"، إن تخلي بريطانيا عن الفحم كان أمراً لا يمكن تصوره بالنسبة للأجيال السابقة، والحكومات السابقة وقادة الصناعات، الذين قاموا بضخ مبالغ هائلة من رأس المال والعمالة في قطاع طاقة الفحم.

وقامت الثورة الصناعية في بريطانيا على الفحم، الذي استخرجه على مدار قرنين من الزمان ما يصل لمليون عامل منجم، واستخدم في إنتاج الطاقة الرخيصة، لتوليد الحرارة، ثم البخار، ثم الكهرباء، كما كان الفحم يدفئ المنازل، ويدير القطارات، ويصنع الفولاذ والأسمنت.

والآن أصبحت بريطانيا أول دولة بين الدول الغنية تتوقف عن استخدام الفحم بشكل نهائي ــ وتعتمد بدلا من ذلك على الغاز الطبيعي والطاقة النووية ومجموعة من مصادر الطاقة المتجددة.

خطط الدول الأخرى للتخلص من الفحم والتوجه للطاقة المتجددة

وسوف تتبع بريطانيا دول أخرى في مجموعة الدول السبع الكبرى في التوقيتات التالي، إيطاليا (2025)، وكندا (2030)، وألمانيا (2038).

ومن المتوقع أيضا أن تلغي ثلاثة أرباع الدول الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية البالغ عددها 38 دولة طاقة الفحم بحلول عام 2030.

وتتحرك الولايات المتحدة أيضا بعيدا عن الفحم، وإن كان ذلك ببطء أكبر مما يريده دعاة المناخ.

فقبل ربع قرن من الزمان، كان الفحم يولد أكثر من نصف الكهرباء في أمريكا، واليوم يشكل نحو 18% من إجمالي الكهرباء في أمريكا.

وأوضحت الصحيفة الأمريكية، أنه الأمر لا يقتصر على غلق آخر محطة عاملة للفحم في بريطانيا، بل إن المملكة المتحدة بالكاد تستخرج الفحم اليوم.

ويعتبر كل الفحم الذي زود محطة راتكليف بالطاقة منذ عام 2014 مستوردا، حيث جاء من الولايات المتحدة وروسيا.

ومنذ بدأت حرب أوكرانيا في عام 2022، تم استبدال الإمدادات من روسيا بالفحم من جنوب إفريقيا وأستراليا لهذه المحطة.

وعلى عكس بريطانيا، على مستوى العالم، الفحم يبقى بعيد كل البعد عن الزوال، ولا يزال من بين كبار المنتجين للفحم الصين والهند وإندونيسيا.

غير أن التحول في بريطانيا بعيدا عن الفحم كمصدر طاقة، يُظهر مدى سرعة تغير الأمور، بعد أن كانت تمثل أبراج المحطة الـ8 البخارية شاهقة، رمزًا للإبداع والأمن البريطاني ذات يوم، الآن لم تعد تعني شيء ومن المقرر هدمها قريبا.