قصة العقرب والضفدع في الانتخابات الأمريكية.. هل ينجو الناخب من اللدغة؟
حين لدغ العقرب الضفدع، سأله لماذا فعلت ذلك؟، فأجابه: أنا آسف، هذا في طبيعتي، حيث تدور القصة الشهيرة حول العلاقة المضطربة بين عقرب وضفدع، فالأول كان يحتاج عبور النهر، ولأنه غير قادر على السباحة، طلب العقرب من ضفدع أن يحمله على ظهره، وبعد أن استمع إليه، ردّ الضفدع بأنه متردد لأنه يخشى أن يلدغه العقرب ويقتله، وبعد أن أكد العقرب لصديقه الجديد أنه لن يفعل ذلك أبدا، وافق الضفدع.
وفي منتصف الرحلة، لدغ العقرب الضفدع، فسأله الأخير وهو يحتضر: "لماذا فعلت هذا؟" فأجابه "أنا آسف، لكن هذا في طبيعتي".
القصة هى درس كلاسيكي حول كيف أن الأشخاص الخطيرين لا يتغيرون عادة، وحتى عندما يعدون بأنهم سيتصرفون بشكل مختلف، فمن المرجح أنهم لن يفعلوا ذلك.
كما أنها قصة تحمل معاني كثيرة، أنه لا بد من أخذ علامات التحذير على محمل الجد، فالضفدع فهم المخاطر التي كان يواجهها، ومع ذلك اختار أن يتجاهلها.
"الضفدع" في الانتخابات الأمريكية
قصةٌ تتشابك اليوم مع المشهد الانتخابي في الولايات المتحدة، والتحذيرات أو المخاطر التي تداهم الناخبين.
تقول مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، في تقرير لها طالعته "العين الإخبارية"، إن انتخابات البيت الأبيض المقررة في الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، تتضمن في كثير من الأحيان علامات تحذير.
وعلى مدار الحملات الانتخابية، يعرف الناخبون الكثير عن المرشحين، والعواقب المحتملة لوضع شخص ما في المنصب.
في بعض الأحيان، يقرر غالبية الناخبين الاهتمام بهذه التحذيرات، ولكن هناك أوقاتاً أخرى في تاريخ الولايات المتحدة انتهى الأمر بالناخبين إلى الضفدع.
وتشير "فورين بوليسي" إلى أن السباق الانتخابي لهذا العام، حمل علامات تحذير أكثر من المعتاد حول أحد المرشحين الرئيسيين: المرشح الجمهوري، الرئيس السابق دونالد ترامب.
فمن ولايته الأولى إلى ما بعد الرئاسة، حفلت مسيرة ترامب- وفق المجلة- بالكثير من الأعلام الحمراء التي تحمل تحذيرات.
أحدث تلك التحذيرات كان يوم الأربعاء الماضي، عندما كشف قاضي مقاطعة واشنطن العاصمة الذي يتولى قضية "قلب نتائج الانتخابات الفيدرالية" عام 2020، ضد ترامب عن وثيقة من 165 صفحة تحتوي على الصورة الكاملة لما توصل إليه المستشار الخاص جاك سميث.
ويبذل ترامب المستهدف بملاحقات قضائية عدة كل ما في وسعه لتأخير مثوله أمام المحكمة، إلى ما بعد الانتخابات.
وفي حال أعيد انتخابه رئيسا فسيتمكن بمجرد تنصيبه في يناير 2025، أن يأمر بوقف المحاكمات الفيدرالية التي تستهدفه.
في التاريخ قصةٌ
ولفهم كيف يمتلك الناخبون القدرة على سد آذانهم لتجنب سماع أجراس الإنذار، تعود "فورين بوليسي" إلى عام 1972، عندما فاز الرئيس ريتشارد نيكسون بإعادة انتخابه بفوز ساحق على السيناتور الديمقراطي جورج ماكغفرن.
وفق المجلة، كان هناك العديد من الأشخاص الذين حذروا من هو نيكسون كسياسي وما قد يفعله على الأرجح عندما يتحرر من القيود المفروضة عليه بسبب القلق بشأن إعادة انتخابه.
فالرواية المألوفة عن انتخابات عام 1972 تقول إن نيكسون، الذي كان يستمتع بالاختراقات الدبلوماسية مع الاتحاد السوفياتي والصين، هزم ماكغفرن في انتصار مذهل نافس فوز الرئيس فرانكلين روزفلت بإعادة انتخابه عام 1936.
كان هناك العديد من الأمريكيين الذين لم يحبوا نيكسون أو سياساته، ولكن لم يتم الكشف عن اختراقاته الجسيمة للسلطة الرئاسية إلا بعد التحقيقات في عام 1973.
وتقول القصة إنه لو كانت البلاد على علم بالمزيد، لكان الناخبون قادرين على تجنب الكارثة التي واجهوها جماعيا في التاسع من أغسطس 1974، عندما صعد نيكسون على متن طائرة هليكوبتر، مغادرا البيت الأبيض في منتصف ولايته الثانية.
بعد أن أعلن نيكسون في 30 أبريل 1970 أنه نشر قوات سرية في كمبوديا وأجرى حملة قصف ضخمة، كانت هناك صرخة شرسة من الديمقراطيين حول كيفية كذبه وتهديده لتوازن القوى لتسريع حرب كارثية.
وقتها، بدأ السيناتور فرانك تشرش من ولاية أيداهو والسيناتور جون شيرمان كوبر من ولاية كنتاكي في صياغة مشروع قانون لمنع الرئيس من استخدام أموال الكونغرس للعمليات في كمبوديا.
كمان أن هناك ما عُرفت بـ"فضيحة ووترغيت"، والتي تدور أحداثها حول تكليف مسؤولين في البيت الأبيض لخمسة رجال بزرع أدوات تجسس والتقاط صور لوثائق داخلية بحثا عن معلومات تورط معارضين لنيكسون.
لكن وبعد سنتين اضطر الرئيس الجمهوري المتهم بطمس القضية، ولأول مرة في تاريخ الولايات المتحدة، إلى الاستقالة.
وفي عام 1971، تطلبت جهود الإدارة لمنع الصحافة من نشر أوراق البنتاغون، وهي دراسة سرية أجرتها وزارة الدفاع تكشف عن الأكاذيب التي قيلت لتبرير الحرب في فيتنام، تدخل المحكمة العليا، وبلغت ذروتها بقرار 6-3 في قضية شركة "نيويورك تايمز".
وأشادت وسائل الإعلام بالقرار باعتباره ضربة لرئيس كان عازما على خنق الصحافة.
وفي مارس 1972، نشرت مجلة لايف قصة تستند إلى تحقيق استمر تسعة أشهر اتهمت إدارة نيكسون بـ"التلاعب بشكل خطير بالعدالة" لعزل المؤيدين في سان دييغو عن الملاحقات الجنائية التي تنطوي على مساهمات غير قانونية في الحملة، بحسب ما أوردته "فورين بوليسى".
وبحلول منتصف أكتوبر 1972، كانت صحف واشنطن بوست ونيويورك تايمز وتايم تنشر قصصا عن تحقيق يجريه مكتب التحقيقات الفيدرالي في ما إذا كان فريق إعادة انتخاب نيكسون متورطا في عمليات تخريب، بما في ذلك اقتحام مبنى ووترغيت، ضد الحملة الديمقراطية.
ماذا عن ترامب؟
وبالنسبة لفورين بوليسي، فإن التهديد الأول الذي يشكله ترامب هو "إنكار الانتخابات"، حيث أظهر الرئيس السابق أنه على استعداد "لزعزعة استقرار النظام الديمقراطي" عندما لا تسير نتائج الانتخابات في صالحه.
ولفتت إلى الحملة المنهجية التي شنها ترامب وحلفاؤه لإلغاء انتخابات 2020، والتي بلغت ذروتها في أعمال العنف التي وقعت في 6 يناير 2020، حين اقتحم أنصاره مبنى الكابيتول.
ومنذ ذلك اليوم، واصل ترامب إنكار النتائج ، كما فعل زميله في الترشح جيه دي فانس خلال مناظرته ضد الحاكم تيم والز، عندما رفض الاعتراف بفوز جو بايدن.
وعلاوة على ذلك، اتخذت حملة ترامب عدة خطوات استراتيجية، مثل دعم تغيير القواعد من قبل أعضاء مجلس الانتخابات في ولاية جورجيا المتحالفين مع الرئيس السابق، الأمر الذي من شأنه أن يسهل على المسؤولين المحليين التشكيك في فرز الأصوات وتأخيرها؛ وهذا من شأنه أن يخلق بسهولة أزمة اعتماد. بحسب المجلة.
وخلال فترة وجوده في منصبه، رفض ترامب قبول وجود قيود على ما يمكن للرئيس أن يفعله، وفي ظل وجود مستشارين يؤمنون بنظرية السلطة التنفيذية الموحدة، فعل ما أراد أن يفعله.
كما أنه تحدث كثيرا في الأماكن العامة عن انهيار جدار الحماية الذي يفصل الرئيس عن وزارة العدل منذ سقوط نيكسون، وهدد باستخدام هذه السلطة القضائية لملاحقة خصومه.
وفي ختام تحليلها، خلصت "فورين بوليسي" إلى أن الولايات المتحدة دفعت ثمنا باهظا لقرارها في عام 1972. فقد استهلكت فضيحة ووترغيت الولاية الثانية لنيكسون، والتي هزت السياسة الأمريكية، وأصابت الأمة بالصدمة وقسمتها، وأسفرت عن عقود من انعدام الثقة العميق في الحكومة.
وتساءلت: في عام 2024، هل ينتبه الناخبون إلى علامات التحذير؟.