مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

قيادة الجيش اللبناني.. بين الأدوار العسكرية والطموحات الرئاسية

نشر
الأمصار

تُعَد المؤسسة العسكرية في لبنان واحدة من المؤسسات القليلة التي ما زالت تحتفظ بثقة الشعب، خاصة في ظل الأزمات المتعاقبة التي يشهدها البلد.

 

 

ومع استمرار التحديات الأمنية والسياسية، اكتسب منصب قائد الجيش مكانة مؤثرة في لبنان ليس فقط على الصعيد العسكري، بل أيضًا كمدخل محتمل نحو رئاسة الجمهورية، نظرًا للدور السياسي الذي يمكن أن يلعبه هذا المنصب في المشهد اللبناني المعقّد.

العماد جوزيف عون: قيادة الجيش في ظل الظروف الاستثنائية

يتولى العماد جوزيف عون منصب قائد الجيش اللبناني منذ مارس/آذار 2017، وقد تميز عون بإدارة حكيمة للمؤسسة العسكرية خلال فترة شهدت العديد من التوترات السياسية والتحديات الأمنية.

 ورغم تعقيدات البيئة السياسية اللبنانية، استطاع الحفاظ على حيادية الجيش، وهو أمر بالغ الأهمية نظرًا للصراعات المتكررة بين الأطراف السياسية.

في ديسمبر/كانون الأول الماضي، صادق البرلمان اللبناني على قانون يقضي بتمديد ولاية العماد عون لمدة عام إضافي لتجنب شغور المنصب، خاصة في ظل عدم وجود رئيس للبلاد منذ انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون في أكتوبر 2022. ويأتي هذا التمديد في وقت يشهد فيه لبنان تصعيدًا عسكريًا على حدوده الجنوبية، حيث تبادل "حزب الله" والجيش الإسرائيلي القصف منذ أكتوبر 2023، ما جعل الاستقرار في قيادة الجيش ضرورة أمنية.

 تعيين قائد الجيش: الصلاحيات ودوره الأساسي

يتولى قائد الجيش وفقًا للدستور اللبناني مسؤولية الإعداد والتأهب والتوجيه للعمليات العسكرية، ويكون مسؤولًا بشكل مباشر أمام وزير الدفاع الوطني. وحسب مواد الدفاع الوطني، يشترط أن يُعيَّن قائد الجيش من بين الضباط العامين المجازين بالأركان، ما يعكس أهمية هذا المنصب من حيث الكفاءة والجاهزية.

 ومع ذلك، تظل صلاحيات قائد الجيش خاصة فيما يتعلق بالعمليات العسكرية والأمنية، إذ يتحمل مسؤوليتها وحده دون تدخل من الأطراف السياسية.

 جذور الجيش اللبناني وتطوره

يعود تأسيس الجيش اللبناني بشكل رسمي إلى عام 1945 بعد الاستقلال عن فرنسا. وكان فؤاد شهاب أول قائد للجيش اللبناني، وهو الذي وضع الأسس التي استمرت عليها المؤسسة العسكرية في لبنان.

 في تلك الفترة، لعب شهاب دورًا في توحيد الجيش كقوة وطنية تتجاوز الانقسامات الطائفية، وأرسى أسسًا للعلاقات المستقبلية بين الجيش والسياسة، مما مهد لأن يصبح الجيش ضامنًا للاستقرار في لبنان.

بعد شهاب، تعاقب على قيادة الجيش شخصيات بارزة مثل توفيق سالم، عادل شهاب، وإميل بستاني، وميشال سليمان، وميشال عون، وصولاً إلى العماد جوزيف عون.

 وقد أسهم هؤلاء القادة في ترسيخ دور الجيش كقوة موحدة ومستقلة عن الانقسامات السياسية، وإن كان لكل منهم أسلوبه في التعامل مع التحديات الأمنية والسياسية.

 قيادة الجيش: من المنصب العسكري إلى الطموح الرئاسي

أحد الجوانب اللافتة لمنصب قائد الجيش اللبناني هو ارتباطه بالرئاسة، حيث يشكل هذا المنصب خطوة رئيسية نحو طموح بعض القادة السياسيين للوصول إلى سدة الحكم. يُعَد فؤاد شهاب أبرز مثال على هذا، حيث تولى الرئاسة بعد قيادته للجيش عام 1958، وقد عُرفت فترة رئاسته بجهود إصلاحية وبناء الدولة، وهي حقبة تُعرف في لبنان بالـ"شهابية".

 أيضًا، سار على خطى شهاب قادة آخرون مثل إميل لحود الذي أصبح رئيسًا عام 1998، وميشال سليمان الذي شغل منصب الرئاسة بين 2008 و2014، وميشال عون الذي تولى الرئاسة عام 2016.

 التحديات السياسية والطائفية

يشهد لبنان نظامًا سياسيًا قائما على تقاسم السلطة طائفيًا، إذ يتم توزيع المناصب الرئيسية بين الطوائف الدينية، ما يجعل تعيين قائد الجيش عملية معقدة تخضع لموازنات دقيقة. ويُعد منصب قائد الجيش في لبنان تقليديًا من نصيب الموارنة، وهذا العرف غير المكتوب يعزز التوازن الطائفي في البلد. غير أن هذه القاعدة كثيرًا ما تثير التوترات بين الفصائل المختلفة التي تسعى لضمان ولاء القائد لمصالحها.

إضافة إلى ذلك، تتأثر عملية تعيين قائد الجيش بالعلاقات الدولية والإقليمية للبنان، إذ تسعى بعض القوى الخارجية، مثل سوريا، الولايات المتحدة، وإيران، إلى التأثير على هذه القرارات بما يخدم مصالحها، خاصة في ظل دور الجيش في ضمان الأمن الداخلي وعلى الحدود مع إسرائيل وسوريا.

اتفاق الطائف وتأثيره على الجيش

مع توقيع اتفاق الطائف عام 1989، انتهت الحرب الأهلية في لبنان وبدأت مرحلة إعادة بناء الجيش ليصبح مؤسسة ذات طابع وطني بعيدًا عن الطائفية التي سادت خلال الحرب. ووفقًا للاتفاق، جرى التأكيد على استقلال لبنان وسيادته، وأعيد تشكيل النظام السياسي ليعكس توازنًا أفضل بين المسلمين والمسيحيين. وقد عزز هذا الاتفاق دور الجيش كضامن للاستقرار الوطني، وإن لم يتطرق بشكل مباشر إلى منصب قائد الجيش، فقد أثر في التعيينات بفضل صلاحيات رئيسي الوزراء ومجلس النواب في التوجيه.

 الوضع الراهن وآفاق المستقبل

مع تمديد ولاية العماد جوزيف عون، يظل السؤال قائمًا حول مستقبل هذا المنصب وسط تحديات تتراوح بين الأزمة السياسية الداخلية والأوضاع الأمنية المتوترة على الحدود. ويستمر الجيش في القيام بدوره كحافظ للاستقرار في ظل الضغوط الداخلية والخارجية، غير أن الأزمات المتعاقبة في لبنان قد تضع مزيدًا من الأعباء على هذه المؤسسة التي ما زالت تحظى بثقة الشعب اللبناني.

وفي الختام، يبقى الجيش اللبناني مؤسسة تحمل تاريخًا طويلًا من التحديات والطموحات، وقد يكون دوره في المستقبل مرتبطًا بإيجاد حلول للأزمات الداخلية، أو ربما دفع أحد قادته إلى الرئاسة ليواصل الجيش دوره كقوة توحيد في بلد يتطلع إلى مستقبل أكثر استقرارًا