بوركينا فاسو وروسيا.. «تحالف» في ثغرة الغياب الفرنسي
في ثغرة الغياب الفرنسي تتعزز العلاقات بين بوركينا فاسو وروسيا في شراكة تبدو «أكثر ملاءمة» لاحتياجات البلد الأفريقي، وترسم ملامح تحالف مختلف.
علاقات تجاوزت مرحلة جس النبض، حيث تجدد واغادوغو التأكيد على ضرورة التوجه نحو روسيا، في خطوات ثابتة تتخلص فيها من حليفها التاريخي فرنسا.
«أكثر ملاءمة»
طرح أكده وزير خارجية بوركينا فاسو، كاراموكو جان ماري تراوري، بالقول إن شراكة بلاده مع روسيا "أكثر ملاءمة" لاحتياجات البلاد مقارنةً بالتحالف التاريخي مع فرنسا.
وأكد تراوري خلال قمة روسيا- أفريقيا، توافق رؤية روسيا مع تطلعات بوركينا فاسو، مشيراً إلى أنها شريك يمكن "التقدم معه".
ونفى الوزير المخاوف من الاعتماد المفرط على موسكو، وقال في تصريحات منفصلة، إنه لا يوجد خوف من الاعتماد العسكري على روسيا، مؤكدا ثقة بوركينا فاسو في رسم مسارها الخاص.
وتابع: "نعرف ما نريده، ونعرف إلى أين نتجه، وكيف نرغب في العمل مع شركائنا الجدد"، منتقدا في الآن نفسه ما وصفه بـ"الكليشيهات التي صنعها شركاء آخرون" في الغرب حول روسيا.
وشدد على أن هذه السرديات لا تتماشى مع احتياجات بوركينا فاسو.
وتأتي التصريحات استمرارا لتوجه بوركينا فاسو نحو التعاون العسكري مع موسكو بعد انقلاب عسكري في عام 2022 جاء بحكومة جديدة للسلطة.
في الأثناء، يتصاعد توتر العلاقات مع باريس منذ تولي الحكومة البوركينية مهامها وسط تحديات كبيرة على رأسها اضطرابات أمنية مع تنظيمات إرهابية تعمل على زعزعة الأمن والاستقرار بالبلد الأفريقي.
ودفع ذلك واغادوغو للاتجاه إلى موسكو طالبة دعما عسكريا لمواجهة هذا التحدي الكبير، وسط نزعة شعبية واسعة في دول المثلث الساحلي (مالي وبوركينا فاسو والنيجر)، بضرورة التخلص مما يصفونه بالنفوذ والاستعمار الفرنسي.
وفي غضون ذلك، تقدم روسيا نفسها على أنها بديل جديد يحترم سيادة الشعوب، ويتعامل بندية من أجل مصالح مشتركة.
فكيف يمكن قراءة أهداف هذا التحالف بين روسيا وبوركينا فاسو؟ وإلى أي مدى وصل هذا التحالف؟، وماهي مآلاته وتوقعات مستقبله؟
وأيضا، هل يمكن أن تحل روسيا محل فرنسا في هذا البلد الساحلي الذي يعاني داخليا وخارجيا؟
من أجل البقاء
في قراءته للموضوع، يرى الدكتور محمد أغ إسماعيل، أستاذ العلوم السياسية بجامعة باماكو في مالي، أن النظام العسكري البوركيني يسعى إلى التحول استراتيجيا إلى روسيا من خلال إقامة شراكة عسكرية واقتصادية وسياسية لضمان بقائه وحمايته من خصومه في الداخل والخارج.
وقال إسماعيل، إن "النظام البوركيني ورئيس روسيا فلاديمير بوتين يستثمران فشل السياسة الفرنسية في بوركينا فاسو والساحل الأفريقي لتعزيز هذه العلاقة".
ومستدركا: "لكن لا تزال الأمور في بدايتها حتى الآن رغم الزيارات المتعددة بين الطرفين في أقل من عام"، مضيفا: "يبدو أن التركيز الروسي في الاستثمار في مجال الطاقة والتسليح ببوركينا، والتنسيق الدبلوماسي على مستوى الأمم المتحدة والمحافل الدولية".
وبحسب الخبير المالي، فإنه "من المبكر التكهن بهذا التنسيق لأن باريس لم تستسلم بعد، وأن الصراع في بدايته حتى الآن".
وقال إنه "من المؤكد أن هناك إرادة سياسية بوركينية في ذلك، لكن التحقيق يحتاج إلى وقت، خصوصا أن الدولة العميقة لا تزال تربطها علاقات مع فرنسا"، مؤكدا أن "العامل الثقافي واللغوي في صالح باريس أكثر من موسكو".
تحالف الساحل
من جهته، اعتبر الدكتور عبد المهيمن محمد الأمين، مدير جامعة الميغلي الدولية الأهلية بالنيجر، أن تصريحات وزير خارجية بوركينا فاسو ينبغي أن تقرأ بشكل واضح في ظل توجه تحالف دول المثلث الساحلي.
وأيضا في إطار أسباب الانقلابات التي حدثت بهذه البلدان والتطورات التي نتجت عن هذه الانقلابات والأوضاع التي تعيشها في شتى المجالات.
وقال الأمين: "لاشك أن الآن التعاون بين روسيا وبوركينا فاسو له أهداف، ولعل أهمها أن تقف موسكو بجانب واغادوغو من أجل تطوير أدائها في المجال العسكري والأمني بالدرجة الأولى، حتى تحقق الأخيرة أمنها وسيطرتها على بلادها في مواجهة الإرهاب".
وأشار أيضا إلى الجانب الاقتصادي، معتبرا أن "بوركينا رأت أنها تأخرت كثيرا بسبب تحالفها مع فرنسا والتبعية التي كانت موجودة في العلاقة معها".
تعاون بندية
ووفق الخبير النيجري، فإن "بوركينا فاسو تحاول أن تستغل مواردها الطبيعية من أجل أن تطور نفسها، وترى أن هذا التطور لا يمكن أن يحدث وهي تحت سيطرة الاستعمار الفرنسي".
وأوضح أن "التعاون مع روسيا سيكون بندية من أجل الاستفادة المتكافئة للطرفين، ولذلك يريد المسؤولون في بوركينا فاسو أن تكون خطواتهم سريعة مع روسيا من أجل تجاوز الماضي الحزين مع فرنسا وتضييع الوقت معها".
ولفت إلى أن "روسيا ليست لديها الأطماع مثل فرنسا، وأن التعاون بينهما سيكون نوعا من المقايضة"، كما أن "موسكو تمتلك الكثير من الإمكانات لا تمتلكها فرنسا، وبوركينا فاسو بحاجة لمثل هذا النوع من التعاون في المجال العسكري والصناعات الكيماوية والاستفادة من الطاقة".
وبحسب رؤيته، فإن "موسكو سيكون لديها الكثير لتفعله لاستثمار الإمكانات الموجودة في الدول الأفريقية من أجل أن تكون قوية لتنافس الولايات المتحدة وفرنسا".