أبو محمد الجولاني.. من هو زعيم هيئة تحرير الشام وأبرز محطاته بالحرب السورية؟
في خضم الصراع المستمر في سوريا، يبرز اسم أبو محمد الجولاني كأحد أبرز الشخصيات التي أثارت الكثير من الجدل على الصعيدين المحلي والدولي.
من خلال قيادته لهيئة تحرير الشام، أصبح الجولاني رمزًا للصراع في شمال غرب سوريا، حيث سيطرت مجموعته على مناطق شاسعة، وأثارت مواقفها العسكرية والسياسية الكثير من التساؤلات.
ومع تطور الأحداث الأخيرة في مدينة حلب، التي كانت محط اهتمام عالمي بعد الهجوم المفاجئ لقوات المعارضة بقيادة الجولاني، أصبح الحديث عن شخصيته أكثر تعقيدًا وإثارة للجدل.
من هو أبو محمد الجولاني زعيم هيئة تحرير الشام؟
أبو محمد الجولاني، الرجل الذي أصبح رمزًا للجدل والتناقض في الحرب السورية، هو زعيم هيئة تحرير الشام (HTS)، الجماعة الجهادية التي تسيطر على أجزاء واسعة من شمال غرب سوريا، وخاصة في محافظة إدلب.
وُلد الجولاني، حسب معظم التقارير، في السعودية في أواخر السبعينات أو بداية الثمانينات، ويعتبر أحد أبرز القادة العسكريين الذين برزوا خلال الصراع السوري.
في السنوات الأخيرة، عاد اسمه للظهور مجددًا مع الهجوم الأخير لقواته على مدينة حلب، ما أثار الجدل حول مستقبله ومستقبل الجماعة التي يقودها.
نشأة أبو محمد الجولاني ومسيرته الجهادية
معلومات عديدة متضاربة تتناول حياة الجولاني، مما يزيد من غموض شخصيته.
ويقال إنه وُلد في الرياض بالمملكة العربية السعودية عام 1982، حيث كان والده يعمل مهندسًا نفطيًا، قبل أن تعود العائلة إلى سوريا في عام 1989. تربى الجولاني في دمشق حيث درس الطب لفترة قصيرة قبل أن ينضم إلى التنظيمات الجهادية.
ويعتقد العديد من المراقبين أنه بدأ مسيرته الجهادية في العراق بعد الغزو الأمريكي عام 2003، حيث انضم إلى تنظيم القاعدة تحت قيادة أبو مصعب الزرقاوي.
خلال السنوات التالية، تطور دور الجولاني في التنظيمات الجهادية حتى أصبح أحد القادة البارزين. في عام 2006، انتقل إلى لبنان حيث كان يشرف على تدريب جماعة جند الشام، ثم عاد إلى العراق، حيث سُجن من قبل القوات الأمريكية.
بعد إطلاق سراحه في عام 2008، عاد إلى سوريا مع بداية الاحتجاجات ضد النظام السوري في 2011، ليؤسس فرعًا لتنظيم القاعدة في سوريا، الذي سيعرف لاحقًا بجبهة النصرة.
جبهة النصرة وتحولاتها
في بداية عام 2012، أسس الجولاني "جبهة النصرة"، التي كانت تهدف إلى محاربة نظام الرئيس بشار الأسد ضمن إطار تنظيم القاعدة. ومع تقدم الصراع في سوريا، تعززت مكانة جبهة النصرة، حيث استطاعت تحقيق انتصارات ميدانية كبيرة.
لكن عام 2013 شهد نقطة تحول مهمة، حيث أعلن أبو بكر البغدادي، زعيم تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) آنذاك، دمج جبهة النصرة مع تنظيم الدولة، وهو ما رفضه الجولاني وأصر على استمرار ارتباط جبهة النصرة بتنظيم القاعدة تحت قيادة أيمن الظواهري.
وفي عام 2016، أعلن الجولاني انفصال جبهة النصرة عن تنظيم القاعدة وأعلن عن تغيير اسم التنظيم إلى "جبهة فتح الشام". وبعد عام، أعاد هيكلة التنظيم ليصبح هيئة تحرير الشام، وهي تحالف من الفصائل الإسلامية تحت قيادته.
ورغم التأكيد على استمرار الأيديولوجية الجهادية، سعى الجولاني لإعطاء صورة أكثر براغماتية للتنظيم، مع التركيز على حكم المناطق التي تسيطر عليها الهيئة.
القيادة في إدلب وأسلوب الجولاني
تعتبر محافظة إدلب، التي تعد آخر معقل رئيسي للمعارضة في سوريا، مركزًا هامًا لصراع الجولاني العسكري والدبلوماسي. فعلى الرغم من تركيزه على محاربة النظام السوري، بدأ الجولاني في السنوات الأخيرة يبني حكمًا محليًا مستندًا إلى تفسير متشدد للشريعة الإسلامية في مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام. ففي إدلب، قامت الهيئة بتأسيس "حكومة الإنقاذ" التي تشرف على الخدمات العامة من تعليم وصحة وأمن داخلي. ورغم محاولات الجولاني تقديم نفسه كزعيم مدني، فقد ظل حكم الهيئة يكتنفه العديد من التحديات، بما في ذلك اتهامات موجهة بممارسة القمع ضد المعارضين.
يُعتبر الجولاني، في ظل الظروف المعقدة التي تعيشها سوريا، شخصية مرنة قادرة على التكيف مع التغيرات. ففي الوقت الذي حافظ فيه على تحالفاته السابقة مع تنظيم القاعدة، بدأ يتبنى خطابًا محليًا يعكس تركيزًا أكبر على القضايا السورية الداخلية، وتحديدًا الإطاحة بنظام الأسد. كما أكد في مقابلة مع شبكة "PBS" الأمريكية أن تنظيمه تخلّى عن الجهاد العالمي، وأصبح هدفه الوحيد هو إسقاط النظام السوري وبناء حكم إسلامي في سوريا.
تحديات العلاقات الدولية
على الرغم من محاولات الجولاني للظهور بمظهر قائد محلي، إلا أن تصنيف هيئة تحرير الشام كجماعة إرهابية من قبل دول عدة، وعلى رأسها الولايات المتحدة، ظل يلاحق الجولاني.
ففي عام 2021، أعلن الجولاني أن هيئته لا تسعى لتنفيذ عمليات خارج سوريا، مشيرًا إلى أن الجماعة ليست جزءًا من الجهاد العالمي وأن ما يُصنف على أنه إرهاب هو "غير عادل" و"سياسي".
وعلى الرغم من محاولاته تقديم نفسه كزعيم سياسي وقائد مدني، إلا أن المجتمع الدولي لا يزال يعتبره أحد أبرز قادة الجماعات الجهادية، ويعرض مكافأة قدرها 10 ملايين دولار مقابل أي معلومات تقود إلى القبض عليه.
إدلب وموقعها الاستراتيجي
إدلب، التي تعد آخر معقل رئيسي للمعارضة السورية، تتمتع بأهمية استراتيجية بالغة نظرًا لقربها من الحدود التركية.
ويمثل هذا الموقع نقطة التقاء بين القوى الإقليمية والدولية المختلفة. ورغم أن الجولاني حاول تقديم هيئة تحرير الشام كقوة إدارية قادرة على ضبط الوضع المحلي في إدلب، إلا أن هناك تحديات كبيرة تواجهه، سواء من داخله أو من القوى الإقليمية المتدخلة في الشأن السوري.
تدير هيئة تحرير الشام في إدلب "حكومة الإنقاذ" التي تتولى مسئولية القطاعات الأساسية من الاقتصاد إلى التعليم، ولكن تقارير حقوق الإنسان تؤكد أن الهيئة تعرضت لانتقادات شديدة بسبب القمع وفرض السلطة بطريقة صارمة. وفي الوقت الذي ينفي فيه الجولاني الاتهامات بالتعذيب، يُظهر هذا الأمر أن حكمه في إدلب يواجه تحديات كبيرة من الداخل والخارج.
أبو محمد الجولاني هو شخصية معقدة تجمع بين العسكري والسياسي، يواجه تحديات مستمرة داخل سوريا وخارجها. ورغم محاولاته المستمرة لتقديم نفسه كزعيم محلي يتبنى أجندة وطنية، تظل علاقاته السابقة بتنظيم القاعدة، وتصنيفه كإرهابي من قبل العديد من الدول، أحد العوامل التي تشكل التحديات الرئيسية أمامه في المستقبل.