تطورات حلب: التحالفات الدولية والمواقف المتباينة في مواجهة الهجوم المفاجئ
تجددت الأحداث العسكرية في سوريا مع الهجوم المفاجئ الذي شنته فصائل المعارضة المسلحة بقيادة هيئة تحرير الشام على مناطق كانت تحت سيطرة الحكومة السورية في محافظات حلب وإدلب وحماة. الهجوم الذي بدأ في 29 نوفمبر 2024، أسفر عن اشتباكات عنيفة وأدى إلى استعادة المعارضة لبعض المواقع الاستراتيجية في المنطقة، مما أثار موجة من ردود الفعل الدولية والإقليمية السريعة، وبالتحديد من أطراف رئيسية مثل إيران، إسرائيل، مصر، والإمارات.
خلفية الهجوم وأهدافه
أثارت المعركة في حلب العديد من التساؤلات حول الدوافع والأهداف التي تقف وراء هذا الهجوم المفاجئ. حلب التي كانت ساحة معركة كبيرة في السنوات الأولى من الصراع السوري، شهدت دمارًا واسعًا، حيث تعرضت الأحياء الشرقية للقصف من قبل الجيش السوري والقوات الموالية له. ورغم استعادة الحكومة السورية للمدينة عام 2016، إلا أن التطورات الأخيرة تشير إلى أن المعارضة المسلحة ما تزال تشكل تهديدًا قويًا في المنطقة.
يتزامن الهجوم مع وقت حساس في الصراع السوري، حيث تنشغل روسيا في حربها في أوكرانيا، بينما تلقت إيران وحزب الله ضربات إسرائيلية في الآونة الأخيرة. وتأتي هذه العمليات بعد تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله في لبنان، وسط تصاعد التوترات الإقليمية بسبب النزاع في قطاع غزة.
ردود الفعل الإقليمية والدولية
موقف الحكومة السورية وحلفاؤها
من جانبها، أدانت الحكومة السورية الهجوم، حيث وصف الرئيس بشار الأسد العمليات بأنها محاولة لتقسيم المنطقة وإعادة رسم الخرائط في الشرق الأوسط. وأكد الأسد في تصريحاته أن التصعيد العسكري لن يزيد الجيش السوري إلا إصرارًا على مواجهة ما وصفه بـ "الإرهاب".
وحصل الأسد على دعم غير مشروط من حلفائه الرئيسين، روسيا وإيران، اللذين أكدا تأييدهما الكامل لسوريا في مواجهة الهجوم. روسيا التي كانت قد تدخّلت في الحرب السورية منذ 2015، عززت دعمها للأسد بتأكيد على أن جميع الإجراءات التي تتخذها الحكومة السورية تهدف إلى استعادة الاستقرار والشرعية في البلاد.
وفي مكالمة هاتفية بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، شدد الطرفان على أهمية التنسيق بين روسيا وإيران وتركيا في هذا السياق.
الموقف الإيراني
في هذه الأثناء، قام وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي بجولة دبلوماسية في المنطقة، حيث زار دمشق وأنقرة.
وفي تصريحاته خلال اللقاء مع نظيره التركي هاكان فيدان، أشار عراقجي إلى أن الهجوم في سوريا تديره أطراف أجنبية، موجهًا اللوم إلى أمريكا وإسرائيل في دعم الفصائل المعارضة. كما أعرب عن قلقه من عودة "الجماعات الإرهابية" إلى سوريا، مؤكدًا أن استمرار هذا الوضع يهدد الأمن الإقليمي.
عراقجي أيضًا شدد على أهمية الحفاظ على نتائج مسار أستانا الذي يهدف إلى وقف إطلاق النار وتفعيل مناطق منزوعة السلاح في سوريا، وهو مسار يضم روسيا، إيران، وتركيا.
موقف تركيا
أما تركيا، التي تدعم فصائل معارضة للنظام السوري، فقد كانت لها تصريحات مغايرة للموقف الإيراني. الوزير التركي هاكان فيدان أكد أن الوضع في سوريا ليس "تدخلًا أجنبيًا"، بل هو نتيجة لفشل النظام السوري في التوصل إلى تسوية مع المعارضة.
وأضاف فيدان أن تركيا تدعم جهود خفض التصعيد في سوريا، مشيرًا إلى أن تركيا تؤيد الحل السياسي الذي يحفظ وحدة الأراضي السورية.
وفي محادثاته مع وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، أكد فيدان على ضرورة عدم تصعيد النزاع السوري، مشددًا على أن الأولوية تكمن في عدم استغلال الفوضى من قبل التنظيمات الإرهابية.
دعم الإمارات ومصر
على الصعيد العربي، لقي النظام السوري دعمًا قويًا من الإمارات ومصر. الرئيس الإماراتي الشيخ محمد بن زايد أكد تضامن بلاده مع سوريا في مواجهة الهجوم، مشددًا على دعم بلاده في محاربة الإرهاب وتعزيز الاستقرار في المنطقة.
من جهة أخرى، أكدت مصر دعمها المستمر لسيادة سوريا ووحدتها الإقليمية، حيث جدد وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي موقف بلاده الثابت في دعم استقرار سوريا.
كما أكد العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني موقف بلاده الثابت في دعم وحدة سوريا وسيادتها، مشيرًا إلى ضرورة تكثيف الجهود للوصول إلى حل سياسي للأزمة السورية.
العراق وموقفه
من جهته، أكد رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني أن أمن سوريا واستقرارها يرتبط بالأمن القومي للعراق، مشددًا على أن أي تدهور في الأوضاع السورية يؤثر بشكل مباشر على الاستقرار الإقليمي. العراق عبر عن استعداده لتقديم الدعم اللازم لسوريا في مواجهة التهديدات الإرهابية. في المقابل، نفت وزارة الداخلية العراقية وجود تحركات لفصائل مسلحة على الحدود السورية، وأكدت أن المعلومات حول هذا الموضوع لا أساس لها من الصحة.
موقف إسرائيل من التطورات
وفيما يتعلق بموقف إسرائيل، فقد نقلت وسائل الإعلام الإسرائيلية عن مسؤولين أمنيين قولهم إن التطورات الأخيرة في سوريا تؤثر إيجابيًا على الأمن الإسرائيلي على الجبهة الشمالية، إذ أن الاضطرابات السورية قد تؤدي إلى تقليل التهديدات المباشرة من قبل إيران وحزب الله.
في الوقت ذاته، تشير التقارير إلى أن إسرائيل تستعد لكل الاحتمالات، بما في ذلك سقوط الرئيس السوري بشار الأسد. كما هناك قلق إسرائيلي من تعزيز الوجود الإيراني في سوريا، خاصة في ظل المخاوف من تحولات استراتيجية على الحدود السورية الإسرائيلية.
وتعد العملية العسكرية التي تشهدها سوريا، وتحديدا في حلب، تعكس تعقيدات الوضع الإقليمي والدولي المحيط بالصراع السوري.
مواقف الدول الكبرى والإقليمية تتباين، وتستمر لعبة التحالفات والتوترات في تشكيل مستقبل هذا الصراع.
على الرغم من التحركات الدبلوماسية، يبقى المشهد العسكري معقدًا، ومع استمرار الهجوم، تظل الأنظار مشدودة إلى التطورات المقبلة في المنطقة.