مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

جثث معذبة بمستشفى حرستا تكشف أهوال التعذيب بسوريا.. كواليس من عبق الظلام

نشر
الأمصار

كشفت فصائل المعارضة السورية عن العثور على نحو 40 جثة تحمل علامات تعذيب في غرفة تبريد داخل مستشفى حرستا شمال شرق دمشق. 

المشهد، الذي وصفته مصادر ميدانية بأنه "مرعب"، يأتي في ظل الأوضاع المتوترة التي تعيشها البلاد مع إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد وتوجه الأنظار إلى جرائم التعذيب التي شهدتها السجون السورية على مدى عقود.

تفاصيل الاكتشاف الصادم

وفقاً لتصريحات محمد الحاج، أحد مقاتلي "غرفة عمليات الجنوب"، فإن الجثث كانت موضوعة داخل أكياس بلاستيكية بيضاء، بعضها يحمل أرقاماً وأسماء مكتوبة على شرائط لاصقة أو على القماش الملفوف حولها.

 وأكد الحاج: "بعض الجثث كانت عليها آثار تعذيب مروعة، كاقتلاع الأعين والأسنان، وظهرت الكدمات واضحة على أجساد أخرى، بينما بدا بعضها عارياً تماماً".

وأظهرت الصور والفيديوهات التي تم التقاطها داخل المستشفى مشاهد صادمة، تضمنت جثثاً مشوهة، وصرراً تحتوي على عظام، في دليل مروع على ممارسات التعذيب التي تعرض لها الضحايا.

الأنظار تتجه إلى سجون النظام

مع سقوط نظام بشار الأسد بعد عقود من الحكم الحديدي، تسلط الأضواء على السجون ومراكز الاعتقال التي شهدت أسوأ الانتهاكات بحق المعتقلين، وفق تقارير حقوقية وشهادات ناجين. 

وتشير تقارير المرصد السوري لحقوق الإنسان إلى أن أكثر من 60 ألف شخص لقوا حتفهم تحت التعذيب أو بسبب ظروف الاحتجاز السيئة منذ اندلاع الصراع عام 2011. 

كما دخل نحو نصف مليون شخص سجون النظام خلال الحرب، بينهم عدد كبير ما زال مصيرهم مجهولاً.

ماذا بعد؟

في تصريح لوكالة الصحافة الفرنسية، أوضح محمد الحاج أن الجثث نقلت إلى مستشفى المجتهد في دمشق بالتنسيق مع الهلال الأحمر السوري لتسهيل عملية التعرف عليها من قبل عائلات الضحايا.

 وأضاف: "هدفنا في المرحلة الانتقالية هو كشف الجرائم التي ارتكبها النظام، وتوثيق هذه الانتهاكات لضمان محاسبة المسؤولين عنها".

من جهته، قال دياب سرية، من رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا: "مستشفى حرستا كان نقطة تجميع رئيسية لجثث المعتقلين قبل نقلها إلى مقابر جماعية"، داعياً إلى توثيق الجرائم التي تم الكشف عنها مؤخراً لضمان محاسبة الجناة.

جرائم التعذيب في السجون السورية

لطالما عرفت السجون السورية، مثل صيدنايا وتشرين، بأنها مسارح لجرائم التعذيب الممنهج. 

وتشمل أساليب التعذيب الموثقة استخدام الكهرباء، الإذلال الجنسي، اقتلاع الأظافر، والضرب المبرح. 

وقد وثقت منظمات حقوقية دولية تلك الممارسات، مشيرة إلى أنها ترقى لجرائم حرب.

الأوضاع الراهنة في سوريا

يأتي هذا الكشف في ظل حالة من الفوضى والقلق تعم سوريا بعد إسقاط نظام الأسد. وتشهد العاصمة دمشق ومدن أخرى نزوحاً جماعياً مع انهيار الخدمات الأساسية.

 وعلى الرغم من إعلان المعارضة المسلحة عن تشكيل حكومة انتقالية، تواجه البلاد تحديات أمنية واقتصادية ضخمة، بما في ذلك خطر تجدد العنف الطائفي.

دعوات للمحاسبة الدولية

ومع إعلان روسيا منح اللجوء للأسد، تتزايد المطالب الدولية بضرورة محاكمته كمجرم حرب. 

ويرى مراقبون أن محاسبة المسؤولين عن الجرائم المرتكبة في سوريا سيكون لها دور كبير في تحقيق العدالة للضحايا وفتح صفحة جديدة في تاريخ البلاد.

ماذا بعد الأسد؟

أثار سقوط نظام بشار الأسد في سوريا بشكل مفاجئ وسريع، على يد معارضة مسلحة تقودها "هيئة تحرير الشام" التي تضعها الولايات المتحدة على قائمة الإرهاب، مخاوف من عودة شبح التطرف لسوريا، وتحول البلاد إلى ميدان اقتتال دام مع كثرة وتنوع انتماءات الفصائل.

ويعزز خبراء عرب في أحايث منفصلة في تصريحات صحفية، ذلك بأن "هيئة تحرير الشام" التي يتزعمها أحمد الشرع الملقب بـ"أبو محمد الجولاني" التي انبثقت عن جبهة النصرة المرتبطة بتنظيم القاعدة سابقا، من الصعوبة أن تتخلى مثل هذه التنظيمات عن راديكاليتها وأيدولوجياتها التي قامت عليها.

وقال هؤلاء الخبراء، إنه "من الصعوبة تحول تنظيم مسلح يحمل فكرا راديكاليا، إلى تنظيم سياسي مدني يقبل بالآخر".

كما أشاروا إلى "المخاوف أيضا بسبب الخطابات المطروحة حتى الآن، الصادرة من بعض قادة الفصائل المسلحة، ومن خلال التوجهات الجديدة في تشكيل حكومات بشخصيات غير معروفة، ذات أيدولوجيات دينية".

مرحلة جديدة لـ"سوريا"

وفي تعقيبه، قال الدكتور مبارك آل عاتي، المحلل السياسي السعودي، إن "سوريا دخلت مرحلة جديدة بعد انتهاء حقبة الأسد، وسيطرت الثورة السورية على سوريا".

وإذ يشير إلى أن "هناك آمال تترقب التغيير الذي يجري في سوريا وأن تكون حاضنة لكل أبنائها من كل الطوائف"، يؤكد آل عاتي "وجود مخاوف كبيرة جدا تتصاعد حاليا، بأن تتحول سوريا إلى معقل من معاقل الإرهاب".

وأوضح: "تتصاعد مخاوف كبيرة بسبب الخطابات المطروحة حتى الآن، والتي صدرت من بعض قادة الفصائل المسلحة، أو من خلال التوجهات الجديدة في تشكيل حكومات بشخصيات غير معروفة، ذات أيدولوجيات دينية، ما يجعل علامات الاستفهام تزداد".

 

وما يعزز المخاوف، وفقا لـ"آل عاتي"، أن هناك نحو 138 فصيلا سوريا وكلهم يحملون السلاح ويحملون أيدولوجيات ومعتقدات تكاد تكون متضاربة؛ لذلك فهناك خطورة كبيرة جدا من تحول سوريا إلى ميدان للاقتتال الدامي.

وحول فرضية تخلي «هيئة تحرير الشام» عن ارتباطاتها بالقاعدة في وقت سابق، شدد على أنه «من الصعب تخلى التنظيمات الإرهابية عن راديكاليتها وأيدولوجياتها التي قامت عليها، وأنها تحتاج مزيدا من الوقت لكي تتداوى من هذا الداء".

ودعا المحلل السعودي، إلى "ضرورة وقوف الدول العربية والصديقة مع الأشقاء السوريين ومساعدتهم على اختيار حكم مدني وجعل سوريا دولة مدنية قابلة للعيش تضم كل السوريين بطوائفهم وأديانهم ومذاهبهم".

 

كما أكد مجاهد الصميدعي، الخبير الأمني الدولي، والباحث في "المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات"، ومقره ألمانيا، أن "هناك مخاوف من سيطرة التنظيمات الإرهابية على سوريا، أو عودة تنظيمات إرهابية إلى البلاد".

وأشار إلى أن "كثرة الفصائل المسلحة واختلاف انتماءاتها سيزيد من التناحر بينها في الفترة المقبلة، وصراعها على الحكم"، لافتا إلى أن "سوريا الآن في موقف حرج جدا يحتاج لحوار وطني واضح وشامل يتم الاتفاق خلاله على وضع أسس لإدارة الدولة في سوريا بعد سقوط حكم الأسد".

وأكد الصميدعي، أنه "ما لم تتفق الفصائل الحالية، على وضع خارطة طريق لإدارة سوريا والانتقال بالبلاد من دولة تحت سيطرة الفصائل المسلحة إلى دولة مدنية ديمقراطية، فالنتيجة ستكون الذهاب إلى معارك داخلية كبيرة، وعودة فصائل وتنظيمات إرهابية كداعش، وقد تظهر تنظيمات أخرى إرهابية تقود سوريا والمنطقة إلى مشاكل كبيرة".

 

ونبه إلى أن "هيئة تحرير الشام تتكون من عدة فصائل إحداها كانت مرتبطة بالقاعدة، وهو أمر من الممكن أن يعيد سوريا والمنطقة إلى مشكلات لا تحمد عقباها".

شباب سوريون فوق دبابة

تفكك سوريا وعودة شبح الإرهاب

ويذهب الدكتور هشام النجار، الكاتب بالأهرام والمحلل السياسي المصري، إلى أن "سقوط نظام بشار الأسد بهذا الشكل، يطرح مخاوف من تفكك سوريا، وعودة شبح الإرهاب لها".

وأرجع النجار، هذه المخاوف إلى "غياب الجيش، وحضور سلاح التنظيمات ومعظمها متشدد"، موضحا أنه: "من الصعب أن يغيرها خطاب براغماتي من الجولاني".

واعتبر أنه "خطاب موجه للغرب، لزوم المرحلة، لكنه غير مستساغ، أو من الصعب تصور أن تقبله مجموعات معروف جيدا المناهج التي تربت عليها وتشربتها"، مشيرا إلى أن "هناك إرث وتراكمات 6 عقود معروف جيدا ما جرى فيها من احتقانات وصراعات ومظالم طائفية وصراع ممتد بين تيار الإسلام السياسي وفي القلب منه الإخوان وتاليا تنظيم القاعدة".

وذهب إلى أنه "في ظل الضربات العسكرية الإسرائيلية للقدرات العسكرية لسوريا، ونفوذ المجموعات المسلحة المتصاعد في الداخل وسط غياب الجيش، فإن سيناريو العراق يلوح في الأفق، عبر نشوب صراعات شرسة بين هذا التنظيمات فيما بينها على الغنائم والمكاسب".

ومن المخاوف التي يطرحها النجار، أن "تنظيم داعش يتجهز حاليا ويعد العدة، لإعادة ترتيب أوراقه وصفوفه لخوض مرحلة مختلفة مع منافسيه الراديكاليين في القاعدة وهيئة الشام (النصرة سابقا) وكل التشكيلات المسلحة بالنظر إلى ما جرى خلال السنوات الماضية".

وأردف: "ضيق الجولاني على داعش وقتل عناصره وقادته ما ساعد في تصفية الكثيرين منهم، ومن المرجح أن يخطط داعش للثأر والانتقام لإفشال الجولاني وهيئته في مهمة الحكم في سوريا".

واعتبر الكاتب في الأهرام، أن "فرضية تخلي هيئة تحرير الشام عن الإرهاب من عدمه تتعلق بالخلافات والصراعات داخل هذه التنظيمات المسلحة، حيث أنهم يزايدون ضد بعضهم البعض، وإذا تخلى الجولاني وبعض تابعيه سيتهم من آخرين بالخذلان والخور وضعف العقيدة وفق تصوراتهم".

وأردف: "هذا يعني أن ما سيعوق الجولاني عن إكمال مشوار انسلاخه عن جلده وماضيه القديم أمر كامن داخل تياره وتعلق بالتفاوت في نسب التطرف والتشدد داخل هذا التيار حتى داخل فصيله".

واستطرد: "بالتأكيد سيخشى في مرحلة من المراحل أن ينقسم فصيله، وتحدث عملية نزوح منه إلى داعش وإلى التشكيلات الأكثر تشددا فيلجأ مضطرا إلى العودة إلى ثوبه القديم وإلى تشدده".

ومع استمرار الكشف عن الجرائم المرتكبة خلال سنوات الصراع السوري، تبدو محاسبة الجناة أمراً ضرورياً لتحقيق العدالة وإعادة بناء الثقة بين مكونات الشعب السوري. 

وهذا الملف سيظل محط اهتمام دولي، خاصة في ظل حجم الانتهاكات التي عاشتها البلاد