كيف يشكل التنوع الطائفي والعرقي الهوية السورية؟.. تفاصيل
كانت سوريا على مر العصور ملتقى حضارات وثقافات متباينة، ما جعلها واحدة من أكثر دول الشرق الأوسط تنوعاً طائفياً وعرقياً وثقافياً.
وتعاقبت على البلاد التي تعد من أقدم المناطق المأهولة بالسكان في العالم حضارات عدة، بدءاً من ممالك إبلا وماري وأوغاريت السامية القديمة، مروراً بالحيثيين والآراميين، ثم الآشوريين والبابليين والفرس.
وبعد ذلك خضعت سوريا لحكم الإسكندر المقدوني والهيلينيين، تلاهم الرومان والبيزنطيون، وصولاً إلى الحكم الإسلامي الذي جعل دمشق عاصمة للأمويين.
وفي العصر الحديث، حكمها العثمانيون أربعة قرون ثم خضعت للانتداب الفرنسي حتى استقلالها عام 1946؛ مما شكل فسيفساء مميزة فيها.
الطوائف الدينية.. أقلية حكمت أغلبية
على امتداد مساحتها التي تبلغ 185.180 ألف كم مربع، تحتضن سوريا طوائف دينية متعددة.
ويشكّل المسلمون السنّة غالبية السكان في البلاد. وعلى الرغم من أن إحصاءات السكان الرسمية لا تشمل الدين أو العرق، إلا أن تقرير وزارة الخارجية الأمريكية للحريات الدينية لعام 2022 يُشير إلى أن 74 في المئة من السكان هم من الطائفة السنية التي تتنوع في أعراقها بين العرب الأكثرية، والأكراد والشركس والشيشان، وبعض التركمان.
ويتوزع السنّة في معظم المدن والقرى السورية، مع كثافة ملحوظة في دمشق وحلب وحمص.
وفي عام 2020، أشار تقرير صادر عن موقع "أوريان 21" الفرنسي للدراسات الاستراتيجية إلى أن الحرب غيّرت من طبيعة التركيبة السكانية للبلاد بشكل كبير، فلم يعد العرب السنّة يمثلون سوى نصف السكان بعد أن كانوا الأغلبية.
ويُرجع الكاتب بيير إيف بايي في تقريره هذا التغيير إلى لجوء عدد كبير من العرب السنة لدول أخرى، إضافة إلى النهج الطائفي الذي اعتمده الرئيس بشار الأسد في تعامله مع المعارضين لحكمه.
ومنذ اندلاع الحرب التي امتدت لـ13عاماً، بات من الصعب تحديد عدد السكان بدقة، لكن تقديرات البنك الدولي لعام 2023 تشير إلى أن عدد السوريين يبلغ نحو 23 مليون نسمة.
وذكر مركز جسور للدراسات أن عددهم عام 2023 بلغ تقريباً 26 مليون نسمة، منهم تقريباً 16مليوناً يقطنون داخل سوريا، و9 ملايين تقريباً خارجها، إضافة إلى 897 ألف شخص بين قتيل ومفقود.
وإلى جانب السنّة، هناك جماعات إسلامية أخرى، بما في ذلك العلويون والإسماعيليون وطوائف شيعة أخرى، وكلهم مجتمعين يشكلون 13 في المئة من السكان.
والعلوية طائفة من طوائف الشيعة في الإسلام، وتعني كلمة علوي "تابع علي" وهو ابن عم النبي محمد وصهره. ويشكّل العلويون في سوريا أكبر أقلية دينية بنسبة تبلغ 10 في المئة من مجموع السكان، بحسب رويترز.
استقر العلويون في سوريا منذ القرن الثاني عشر الميلادي، ويتمركزون بشكل رئيس على ساحل البحر الأبيض المتوسط، في مدينتي اللاذقية وطرطوس.
تاريخياً، عُرف العلويون كطائفة مهمشة، ولكن صعود عائلة الأسد العلوية إلى سدة الحكم غير الموازين تماماً؛ فبعد انقلاب عام 1970 بقيادة حافظ الأسد، والد الرئيس بشار الأسد، عزز العلويون سلطتهم على المؤسسات الرئيسية والأجهزة الأمنية في البلاد وأصبحوا جزءاً لا يتجزأ من هيكل الدولة.
وتعتبر سوريا المركز الرئيسي لتجمع أبناء الطائفة الإسماعيلية النزارية في الشرق الأوسط، الذين يعتبرون أنفسهم الجماعة الشيعية الرئيسية الثانية بعد الاثني عشرية.
ويبلغ عدد الإسماعيليين نحو 250 ألفاً، ويمثلون واحداً في المئة من إجمالي عدد السكان في سوريا. ويعيشون في مدينة السلمية التي تقع على بعد 30 كم شرق مدينة حماة، كما توزعوا في عدد من المدن والقرى المحيطة بحماة مثل مصياف والقدموس ونهر الخوابي.
أما الدروز الذين يُشيرون إلى أنفسهم باسم "الموحدون" أي المؤمنون بتوحيد الإله، فيمثلون نسبة ثلاثة في المئة من الشعب السوري أي ما يقارب 700 ألف نسمة. ويُعتقد أن الطائفة الدرزية قد انشقت عن الإسماعيلية خلال المرحلة الفاطمية في القرن العاشر، ولكن بعض الباحثين يعتبرونها عقيدة مستقلة بحد ذاتها.
ويرجع تاريخ الدروز في سوريا إلى حوالي ألف عام، وكان لهم دور كبير في محاربة الاحتلال الفرنسي لسوريا، حيث رفضوا تشكيل الدولة الدرزية وأشعلوا نيران ثورة سوريا الكبرى عام 1925.
وتعيش الغالبية الدرزية في مدن السويداء وصلخد وشهبا والقريا في جبل العرب وجرمانا قرب دمشق ومجدل شمس في الجولان السوري المحتل.
وكانت سوريا مركزاً حضارياً مهماً للديانة المسيحية، إذ يوجد العشرات من الكنائس والأديرة الشاهدة على ذلك. وقبل عام 2011 كان يعيش 2.2 مليون مسيحي بنسبة 10 في المئة من الشعب السوري، ومع اندلاع الحرب فرّ كثيرون خارج البلاد، وتقّدر منظمة "الأبواب المفتوحة" الأمريكية غير الحكومية نسبة من بقوا بثلاثة في المئة فقط أي ما يقارب 638 ألفاً.
وما يزال معظم المسيحيين يقطنون مدن دمشق وحلب وحمص وحماة واللاذقية والمناطق المحيطة بها، إلى جانب محافظة الحسكة في المنطقة الشمالية الشرقية من البلاد. ويتوزعون بين طوائف عدة، منها الأرثوذكسية والكاثوليكية والبروتستانتية.
بلد غني بالأعراق
لا يقتصر التنوع السوري على البعد الطائفي فقط، بل يمتد ليشمل مجموعات عرقية متعددة مثل الأكراد والأرمن والتركمان والشركس وغيرهم.
والعرب هم الأغلبية الساحقة في سوريا، يليهم الأكراد. ولا توجد إحصائيات رسمية عن عدد الأكراد في سوريا، إلا أن معظم التقديرات تشير إلى أن أعدادهم تتراوح بين 2 و3 ملايين فرد، يتوزعون في مناطق الحسكة ومدينة القامشلي وعين العرب وعفرين وأحياء في دمشق وحلب، بحسب مركز جسور للدراسات.
وتعرض الأكراد السوريين للكثير من القمع والحرمان من الحقوق الأساسية، فلم تعترف الحكومات المتتالية بالهوية الكردية، ومنعتهم الدولة من استخدام اللغة الكردية في مدارسهم أو في الصحف والكتب.
ولم يمنح حوالي 300 ألف من الأكراد الجنسية السورية منذ ستينيات القرن الماضي، وصودرت الأراضي الكردية وأعيد توزيعها على العرب في محاولة "لتعريب" المناطق الكردية. وغالبية الأكراد من المسلمين السنّة، وفيهم أعداد قليلة من المسيحيين واليزيديين.