"صدمة العدد".. الكشف عن حقيقة الوجود العسكري الأمريكي في سوريا
شهدت الأوضاع في سوريا تطورًا لافتًا مع إعلان وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) أن عدد القوات الأمريكية على الأرض يتجاوز التقديرات السابقة.
وكشف المتحدث باسم البنتاغون، باتريك رايدر، عن وجود حوالي 2000 جندي أمريكي في البلاد، بدلاً من العدد المعلن سابقًا وهو 900 جندي فقط.
الوجود العسكري الأمريكي في سوريا
وأثار هذا الإعلان جدلاً واسعًا في الأوساط السياسية الأمريكية وأعاد تسليط الضوء على الدور الأمريكي في الأزمة السورية المتواصلة.
هذا التصريح، الذي جاء على لسان أحد المسؤولين العسكريين البارزين، أثار تساؤلات حول شفافية وزارة الدفاع الأمريكية وإدارتها للوجود العسكري في سوريا.
ويرى مراقبون أن الكشف عن العدد الحقيقي يعكس تصعيدًا أمريكيًا ملحوظًا في العمليات العسكرية ضد تنظيم داعش، الذي لا تزال فلوله تشكل تهديدًا رغم إعلان هزيمته رسميًا في السنوات الماضية.
الوجود العسكري الأمريكي في سوريا يعود إلى عام 2015، حيث نُشرت القوات لأول مرة بهدف مواجهة تنظيم داعش الذي سيطر حينها على مساحات واسعة من البلاد.
ومع إعلان هزيمة التنظيم في معاقله الرئيسية، تقلصت أعداد القوات الأمريكية في 2018 إلى نحو 400 جندي فقط.
لكن تطورات الأوضاع الأمنية أدت إلى زيادتها تدريجيًا لتصل رسميًا إلى 900 جندي في صيف 2024، قبل أن يتم الكشف مؤخرًا عن أن العدد الحقيقي يبلغ ضعف هذا الرقم تقريبًا.
تتوزع القوات الأمريكية على مجموعة من القواعد والمواقع العسكرية، التي تتركز بشكل أساسي في المناطق الشمالية والشرقية من سوريا.
وتشمل هذه المواقع قواعد في الحسكة ودير الزور والرقة، حيث تلعب دورًا في دعم عمليات قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، الحليف الرئيسي للولايات المتحدة في مواجهة تنظيم داعش.
كما أن بعض هذه القواعد تقع بالقرب من الحقول النفطية، مما يثير تكهنات حول الأهداف الاقتصادية للوجود الأمريكي في المنطقة.
الإعلان عن العدد الحقيقي أثار موجة من الانتقادات داخل الولايات المتحدة، حيث اعتبره البعض دليلاً على قلق الإدارة الأمريكية من تعقيد الأوضاع في سوريا.
وأثار أيضًا جدلاً في الكونغرس حول جدوى العمليات العسكرية الخارجية، في وقت تحتاج فيه البلاد إلى التركيز على أولويات داخلية.
وعلى الصعيد الدولي، جاء هذا الكشف وسط تصاعد التوتر في الشمال السوري، نتيجة للهجمات التركية المتكررة على مناطق سيطرة الأكراد، بالإضافة إلى النشاط الإيراني المتزايد في المنطقة.
رغم هزيمة تنظيم داعش في معاقله الرئيسية، إلا أن التنظيم لا يزال ينفذ هجمات متفرقة تستهدف القوات الأمريكية وقوات قسد، مما يعزز المخاوف من عودة التنظيم إلى المشهد.
و في الوقت نفسه، يعاني ملايين السوريين من أوضاع إنسانية مأساوية نتيجة استمرار النزاع وتزايد أعداد النازحين.
كما تواجه القوات الأمريكية انتقادات مستمرة من دمشق وحلفائها، الذين يطالبون بانسحاب فوري لهذه القوات.
الوجود العسكري الأمريكي في سوريا يبدو أنه مرتبط بمجموعة من الأهداف الاستراتيجية.
وهذه الأهداف تشمل منع عودة تنظيم داعش، وحماية الحقول النفطية التي تسيطر عليها قوات قسد، والحد من النفوذ الإيراني في المنطقة.
كما تهدف واشنطن إلى تقديم الدعم اللوجستي لحلفائها المحليين من أجل تحقيق الاستقرار، مع الإبقاء على نفوذها في منطقة الشرق الأوسط.
«الجولاني» يُوجّه تحذيرًا شديد اللهجة إلى قوات سوريا الديمقراطية ويُطالب مُجددًا برفع العقوبات
وجّه قائد إدارة العمليات العسكرية في سوريا، أحمد الشرع المُلقب بـ«أبو محمد الجولاني»، تحذير شديد اللهجة إلى «قوات سوريا الديمقراطية»، مُشددًا على «وجوب الانسحاب أو العملية العسكرية التي لن تُبقي منهم أحدًا»، وقال إن «سوريا مُنهكة من الحرب ولا تُمثل تهديدًا لجيرانها أو للغرب».
«الجولاني» يُخاطب قوات سوريا الديمقراطية
وأوضح الجولاني في بيان بصفحة رئاسة الجمهورية العربية السورية على «تلجرام»، مُخاطبًا «قوات سوريا الديمقراطية»، مُضيفًا: «هنالك حلان فقط لا ثالث لهما الانسحاب أو العملية العسكرية التي لن تُبقي منكم أحدًا».
ودعا الجولاني في مقابلة مع قناة «بي بي سي» البريطانية، إلى «رفع العقوبات عن سوريا»، مُؤكدًا على «ضرورة شطب هيئة تحرير الشام من قائمة المنظمات الإرهابية».
كما أكد الجولاني، أن هيئة تحرير الشام «ليست منظمة إرهابية».
وتابع قائلًا: «لم تستهدف الهيئة المدنيين أو المناطق المدنية»، مُعتبرًا أنهم «ضحايا أيضًا لجرائم نظام الأسد».
وأوضح الجولاني لـ«بي بي سي»، أنه «لا ينبغي معاملة الضحايا بنفس طريقة معاملة الظالمين».
ونفى الشرع أنه يُريد أن تُصبح سوريا «نسخة من أفغانستان»، مُبينًا أن «البلدين مختلفان جدًا، ولهما تقاليد مختلفة. أفغانستان مجتمع قبلي. في سوريا هناك عقلية مختلفة».
«الجولاني» يتعهد بحل الفصائل المسلحة
وتعهد الجولاني، في وقت سابق، بأن يتم حل الفصائل المسلحة. كما أكد أنه «يجب أن تحضر عقلية الدولة لا عقلية المعارضة وسيتم حل الفصائل ولن يكون هناك سلاح خارج سلطة الدولة السورية».
وأعلن قائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي، في وقت سابق، الاستعداد لتقديم مقترح إنشاء منطقة منزوعة السلاح في كوباني (عين العرب)، مع إعادة توزيع القوات الأمنية تحت إشراف وتواجد أمريكي.
كما أكد ممثل الإدارة الذاتية لإقليم شمال وشرق سوريا عبد الكريم عمر أن «استمرار هجمات تركيا والقوات الموالية لها ضد إقليم شمال وشرق سوريا قد يؤدي لفرار آلاف الدواعش من مراكز الاحتجاز».
هيئة تحرير الشام
وهيئة تحرير الشام التي قادت هجوم فصائل المعارضة المسلحة لإسقاط نظام بشار الأسد والتي فكّت ارتباطها مع تنظيم القاعدة عام 2016، ما زالت مُدرجة في قائمة المنظمات الإرهابية لعواصم غربية عدة، لا سيما واشنطن.
وكان مسؤول مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة توم فليتشر قد شدد الأربعاء، على ضرورة زيادة الدعم المخصص لسوريا على نطاق واسع، داعيًا المجتمع الدولي الى الاستجابة لـ"لحظة الأمل" التي يعيشها السوريون، بعد إطاحة الأسد.
سوريا تحت قصف الاحتلال.. «الجولاني» يُحذّر إسرائيل من استمرار غاراتها ويدعو لرفع العقوبات
في غضون ذلك، أكد القائد العام للإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع المُلقب بـ«أبو محمد الجولاني»، أنه لن يسمح باستخدام سوريا كنقطة انطلاق لشن هجمات ضد «إسرائيل» أو أي دولة أخرى، مُطالبًا تل أبيب بالانسحاب من المواقع التي دخلتها، قائلاً: «إن اهتمامه الرئيسي هو استقرار سوريا»، ودعا الغرب إلى رفع العقوبات المفروضة على سوريا خلال حكم «بشار الأسد».
«الجولاني» يُحذّر إسرائيل من استمرار غاراتها على سوريا
وحذر «الجولاني»، في مقابلة مع صحيفة «التايمز» البريطانية، إسرائيل من استمرار غاراتها الجوية على سوريا وطالبها بالانسحاب من الأراضي التي احتلتها بعد سقوط نظام بشار الأسد، مُضيفًا: «كان مبرر إسرائيل هو وجود حزب الله والمليشيات الإيرانية والآن اختفى هذا المبرر، وسيتعين على إسرائيل التي سيطرت على منطقة عازلة بعد سقوط الأسد الأسبوع الماضي، الانسحاب».
وتابع: «نحن ملتزمون باتفاقية عام 1974 ونحن مستعدون لإعادة مراقبي الأمم المتحدة».
وأكمل قائلًا: «لا نُريد أي صراع سواء مع إسرائيل أو أي شخص آخر، ولن نسمح باستخدام سوريا كنقطة انطلاق للهجمات.. يحتاج الشعب السوري إلى استراحة ويجب أن تنتهي الضربات ويجب على إسرائيل التراجع إلى مواقعها السابقة».
وأوضح أنه «يُريد رفع العقوبات التي فرضت على سوريا خلال حكم الأسد»، مُبينًا أنه «لا يهتم بتسميته الشخصية لكن تسمية الإرهاب كانت تسمية سياسية أكثر ملاءمة لنظام الأسد».
وواصل أحمد الشرع في السياق: «لقد قمنا بأنشطة عسكرية».
وأردف القائد العام للإدارة السورية الجديدة بالقول: «يتعين على الدول الآن رفع هذا التصنيف، سوريا مهمة للغاية من الناحية الجيوستراتيجية ويجب عليهم رفع جميع القيود التي فرضت على الجلاد والضحية لقد رحل الجلاد الآن»، مُشددًا على أن هذه القضية ليست قابلة للتفاوض.
«الجولاني» يتحدث عن فرض الشريعة الإسلامية في سوريا
من جهة أخرى، قالت صحيفة «التايمز» البريطانية، إن مخاوف من قيام الإدارة السورية الجديدة بمهاجمة الأقليات السورية وخاصة الطائفة العلوية التي ينتمي إليها الأسد، أوضحها أحمد الشرع بعبارات صريحة
وردًا على ذلك، قال القائد العام للإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع في مقابلة مع الصحيفة البريطانية نُشرت بعض تفاصيلها يوم الإثنين، إنه «التقى برؤساء الأقليات ومن بينهم مسيحيون ودروز، لطمأنتهم».
وأضاف الشرع أنه سيتم العفو عن جميع السوريين باستثناء أولئك الذين تلطخت أيديهم بالدماء، أو الذين شاركوا بعمليات التعذيب من النظام القديم.
كما قال الشرع من إمكانية فرض الشريعة الإسلامية في البلاد، مُشيرًا إلى أن «سوريا ستكون طبيعية».
وأوضح في تصريحاته قائلًا: «أعتقد أن سوريا لن تتدخل بشكل عميق في الحريات الشخصية لكنها ستأخذ "العادات" بعين الاعتبار».
هذا، وصرح القائد العام للإدارة السورية الجديدة بأن همه الرئيسي هو تحقيق الاستقرار في البلاد وإعادة بنائها قبل أي انتخابات والتي وصفها بأنها «بعيدة المنال إلى حد ما الآن».
وذكر أحمد الشرع أن «نصف السكان خارج البلاد والعديد منهم ليس لديهم أوراق»، في إشارة إلى ملايين السوريين النازحين بسبب الحرب الأهلية منذ عام 2011.
وتابع قائلًا: «نحن بحاجة إلى إعادة الناس من الدول المجاورة وتركيا وأوروبا».
وأفاد بأنه سيتم تكليف اللجان بوضع خطط للفترة الانتقالية والدستور والتي ستكون عملية طويلة، وفق قوله.
تفاصيل جديدة ومُثيرة عن حياة قائد إدارة العمليات العسكرية في سوريا «الجولاني»
نشرت صحيفة «التايمز» البريطانية، تقريرًا مُطولًا كشف تفاصيل جديدة ومُثيرة عن حياة قائد إدارة العمليات العسكرية وزعيم هيئة تحرير الشام في سوريا، أحمد الشرع المُلقب بـ«أبو محمد الجولاني»، حيث خاض التقرير في المستجدات الأخيرة بسوريا وزيارة قام بها الشرع إلى حي المزة في دمشق، حيث ترعرع وزيارته لشقة عائلته هناك، كما تطرق لقصة حياة «الجولاني» وانتقاله للقتال في العراق ثم العودة إلى سوريا، وتناول التقرير أيضًا نشأته وشخصيته.
هل يستمر التصعيد؟
يبقى التساؤل مفتوحًا حول مستقبل الوجود العسكري الأمريكي في سوريا ومدى استعداد واشنطن لتصعيد عملياتها أو تقليص وجودها.
التطورات القادمة ستحدد ما إذا كانت الإدارة الأمريكية ستتمكن من تحقيق أهدافها في المنطقة أم أن تعقيدات المشهد السوري ستفرض مسارات جديدة على اللاعبين الدوليين.