مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

احتفالات وسط الركام .. كيف استقبلت غزة أعياد الميلاد؟

نشر
الأمصار

ما بين الحذر والخوف من المجهول واحتفالات حزينة، للعام الثاني على التوالي، يحل عيد الميلاد على المسيحيين في غزة المدمرة، فبيت لحم مهد المسيح، استقبلت العيد بلا "شجرة ولا بسمة".

ويتكرر المشهد للعام الثاني على التوالي في قطاع غزة، حيث يحل عيد الميلاد المجيد وسط دوي القصف وأصوات الانفجارات. 

وفي هذا السياق قامت  صحيفة "التليجراف" البريطانية تفاصيل حياة نحو ألف مسيحي متبقين في القطاع في ظل ظروف استثنائية، موزعين على ثلاث كنائس متبقية، أبرزها كنيسة القديس بورفيريوس التاريخية، التي تُعد ثالث أقدم كنيسة في العالم، حيث تحولت من دور العبادة إلى ملجأ للنازحين الباحثين عن الأمان.

حرب غزة: بيت لحم تحيي عيد الميلاد دون احتفالات - BBC News عربي

تقلص أعداد المسيحيين في غزة 

قبل ستين عامًا، كان عدد المسيحيين في غزة يفوق العدد الحالي بسبع مرات، وقد سلطت الصحيفة الضوء على كيفية تقلص هذا المجتمع العريق تدريجيًا بسبب النزاعات المتتالية، حيث هاجر البعض إلى الضفة الغربية، فيما اختار آخرون الهجرة إلى الغرب أو الدول العربية المجاورة، في حين يشكل المتبقون اليوم مزيجًا من الأرثوذكس والكاثوليك، يواجهون مصيرًا مشتركًا في ظل الحرب المستمرة.

في الأيام العادية، كانت كنيسة القديس بورفيريوس التي تقع في الحي القديم من مدينة غزة تعج بالمصلين والزوار، وكانت تقام فيها الاحتفالات والقداديس في المناسبات المختلفة. 

 “نظرًا للوضع الحالي، لن تكون هناك احتفالات بالأعياد”

اليوم، تحمل لافتة بسيطة معلقة على صليب خارج الكنيسة رسالة مؤثرة: "نظرًا للوضع الحالي، لن تكون هناك احتفالات بالأعياد، مع الاحترام".

وكشف أحد الأشخاص خلال حديثه صورة تفصيلية لنمط الحياة اليومية داخل كنيسة القديس بورفيريوس، حيث يبدأ كل يوم جديد بالتحدي الأصعب، وهو البحث عن المياه.

ومع اشتداد الأزمة الإنسانية في غزة، نشأت علاقة تعاون استثنائية بين الكنيسة ومسجد كاتب الولاية المجاور، في مشهد يتجاوز الحواجز الدينية ويجسد الوحدة في مواجهة المحنة.

اشتداد الأزمة الإنسانية في غزة

وتتجلى تفاصيل هذا التعاون في آلية عمل يومية منظمة، حيث وفرت الكنيسة التاريخية، التي يعود تاريخها إلى 400 عام ميلادي، محركًا كهربائيًا قويًا لضخ المياه. يعمل هذا المحرك على مدار ساعات محددة يوميًا لملء خزانات المياه التي يستفيد منها سكان المنطقة بأكملها، مسلمين ومسيحيين على حد سواء. ويصل عدد المستفيدين من هذه المبادرة إلى نحو 15 ألف شخص، في نموذج عملي للتكافل المجتمعي.

ينتظر السكان بعد ذلك تشغيل المولد الكهربائي مرة أخرى لشحن هواتفهم والتواصل مع أقاربهم في الخارج. يقول سالم للتليجراف: "نعيش في ظروف صعبة للغاية، لكننا نحاول التأقلم. نفتقد أبسط مقومات الحياة الكريمة، من نوم هادئ إلى طعام كافٍ، لكن ما يؤلمنا أكثر هو رؤية أطفالنا يحرمون من طفولتهم وفرحة العيد".

معاناة إنسانية فاقت التوقعات 

ووثقت الصحيفة خسائر فادحة في صفوف المسيحيين، حيث قُتل نحو 40 شخصًا في هجمات مختلفة على الكنائس. 

وتوفي آخرون بسبب نقص الأدوية لعلاج السكتات الدماغية وأمراض القلب والالتهاب الرئوي والالتهابات الشائعة.

في كنيسة العائلة المقدسة التي تقع في حي الرمال، قُتلت امرأتان وأصيب سبعة آخرون برصاص القناصة داخل مجمع الكنيسة في الأسابيع الأولى من الحرب.

تبرز قصة رامز سهيل كمثال صارخ على المأساة، إذ في 19 أكتوبر 2023، فقد أطفاله الثلاثة وأقارب آخرين عندما أصاب صاروخ الكنيسة.

يمثل الدعم الروحي من الفاتيكان مصدر قوة للمسيحيين في غزة، إذ يحرص البابا فرنسيس على الاتصال يوميًا بكنيسة العائلة المقدسة، في مبادرة غير مسبوقة تعكس اهتمام الكنيسة الكاثوليكية بمعاناة المسيحيين في غزة.

يقول الأب كارلوس فيريرو: "كل مساء، يتصل البابا ليسأل عن أحوالنا ويصلي معنا، إنه يمنحنا القوة والأمل في أحلك الظروف".

كما لا يقتصر دور الفاتيكان على المكالمات اليومية للبابا فرنسيس، فقد زار الكاردينال بيرباتيستا بيتسابالا كنيسة العائلة المقدسة في مدينة غزة، حيث اجتمع مع المصلين وأقام قداسًا خاصًا.
خلال الزيارة، وجه الكاردينال رسالة تضامن قوية قائلًا: "أريد أن أخبركم أن العالم كله، وليس فقط العالم المسيحي، يقف معكم. ستنتهي الحرب وسنعيد البناء". تزامنت هذه الزيارة مع انتقادات متكررة من البابا فرنسيس للوضع في غزة، خاصة فيما يتعلق باستهداف الأطفال، داعيًا إلى وقف إطلاق النار. ومنذ عام 2013، يعترف الفاتيكان بدولة فلسطين ويحتفظ بعلاقات دبلوماسية معها، كما يدعم حل الدولتين.

رغم الظروف القاسية، حاول رجال الدين إدخال بعض البهجة على الأطفال، إذ أقيمت احتفالات صغيرة وقراءات على ضوء الشموع تحت شجرة عيد الميلاد المزينة في الأيام التي تسبق العيد في 25 ديسمبر.

يقول الأب فيريرو للتليجراف: "نريد أن يكون هذا عيد ميلاد للأمل، سنقيم قداسًا رسميًا، سيكون احتفالًا هادئًا، نرفع قلوبنا إلى الله لأنه نورنا والإجابة الوحيدة هي السلام".
 

واقتصر الاحتفال بعيد الميلاد في غزة على أداء الصلاة داخل كنيسة العائلة المقدسة للاتين، وسط الظروف الصعبة التي يعيشها سكان القطاع في ظل الحرب المستمرة منذ أكتوبر 2023.

ونشر الموقع الرسمي للكنيسة بيانا، أشار فيه إلى زيارة الكاردينال بييرباتيستا بيتسابالا، بطريرك القدس للاتين، إلى المسيحيين في غزة، الإثنين.

وترأس الكاردينال احتفال عيد الميلاد وحث الحضور على "الصمود"، وأجرى جولة تفقدية استعرض خلالها عمليات توزيع المساعدات وقيّم الاحتياجات الملحة، وفق البيان.