إثيوبيا تحت تهديد الزلازل والبراكين.. مخاوف جديدة تطال سد النهضة والبنية التحتية
شهدت إثيوبيا في الأيام الأخيرة سلسلة غير مسبوقة من الزلازل المتتابعة والأنشطة البركانية التي أثارت قلقًا واسعًا حول تداعياتها المحتملة على البنية التحتية الحيوية في البلاد، وعلى رأسها سد النهضة.
ووفقًا لتقارير المركز الألماني لأبحاث علوم الأرض، تعرضت إثيوبيا لـ11 زلزالًا في يوم واحد فقط، كان أقواها بقوة 5.8 درجة على مقياس ريختر.
طبيعة النشاط الجيولوجي في إثيوبيا
تقع إثيوبيا في قلب منطقة الوادي المتصدع الشرقي، وهي منطقة تشهد نشاطًا جيولوجيًا مكثفًا بسبب الحركات المستمرة للصفائح التكتونية.
وتُعد هذه المنطقة جزءًا من "الشق الإفريقي العظيم"، الذي يمثل نقطة التقاء الصفائح التكتونية الإفريقية والعربية والصومالية، ما يجعلها واحدة من أكثر المناطق تعرضًا للزلازل والبراكين في العالم.
النشاط البركاني:
تفجّر بركان جبل "دوفن" في إقليم عفار مؤخرًا، ما تسبب في تصاعد أعمدة ضخمة من الغازات السامة والغبار البركاني، وأجبر مئات السكان على النزوح من المنطقة.
ويشير خبراء الجيولوجيا إلى أن النشاط البركاني في المنطقة قد يتزايد خلال الفترة المقبلة، إذ أن حركة الصفائح التكتونية تؤدي إلى تراكم الضغط الجوفي، ما يُنذر بانفجارات بركانية مستقبلية قد تكون أكثر عنفًا.
النشاط الزلزالي:
الزلازل المتكررة التي ضربت إثيوبيا خلال الأيام الأخيرة تركزت في مناطق مختلفة، كان أبرزها في إقليم عفار ومنطقة أواش فنتالي.
وتسبب أحد الزلازل التي وقعت بالقرب من الحدود مع جيبوتي في أضرار بالغة بالبنية التحتية المحلية، خاصة في المناطق الزراعية والمنازل السكنية.
البنية التحتية في إثيوبيا بين الطموحات والتحديات
رغم الاستثمارات الضخمة التي ضختها الحكومة الإثيوبية في مشاريع البنية التحتية الكبرى، إلا أن هذه المشاريع تواجه تحديات كبيرة نتيجة الطبيعة الجغرافية للبلاد ونشاطها الزلزالي.
1. سد النهضة تحت المجهر
يُعتبر سد النهضة الإثيوبي من أكبر المشاريع الهندسية في إفريقيا، إذ يُبنى على النيل الأزرق ليصل ارتفاعه إلى 145 مترًا وسعته التخزينية إلى 74 مليار متر مكعب. ورغم أهمية السد لإثيوبيا كمصدر للطاقة والتنمية، فإن موقعه يُثير قلقًا متزايدًا نظرًا لقربه النسبي من مناطق النشاط الزلزالي.
- تحذيرات الخبراء:
أشار متخصصون في الجيولوجيا إلى أن سد النهضة لم يُصمم لتحمل زلازل قوية تتجاوز 6 درجات على مقياس ريختر، ما يجعله عرضة لأضرار هيكلية جسيمة في حال وقوع زلزال كبير. - الكارثة المحتملة:
في حالة حدوث انهيار في السد، فإن التداعيات ستكون كارثية على السودان بشكل خاص، حيث يُتوقع تدفق كميات هائلة من المياه تُغرق القرى والمزارع، وقد تصل إلى الخرطوم مُسببة خسائر لا تُحصى.
2. المباني السكنية والمنشآت العامة
- تعتمد غالبية المباني السكنية في المناطق الريفية على مواد بناء تقليدية مثل الطوب اللبن، وهي غير مصممة لتحمل أي زلازل حتى لو كانت ضعيفة.
- المدن الكبرى مثل أديس أبابا تحتوي على منشآت حديثة، لكن أغلبها لم يُبنَ وفقًا لمعايير مقاومة الزلازل.
3. المصانع والمنشآت الصناعية
- تعرضت منشآت صناعية رئيسية لأضرار كبيرة بسبب الزلازل، مثل مصنع سكر كيسيم وسد كيسيم، ما أدى إلى توقف الإنتاج وتكبد خسائر مالية ضخمة.
- العديد من السدود الصغيرة التي تُستخدم لتوليد الكهرباء في الأقاليم المختلفة تضررت، مما أدى إلى انخفاض إنتاج الكهرباء وتعطيل عمليات الري الزراعي.
4. ضعف أنظمة الطوارئ
- تعاني إثيوبيا من غياب أنظمة إنذار مبكر فعّالة، ما يعيق قدرة الحكومة على تنبيه السكان وإخلائهم قبل وقوع الكوارث.
- كما أن شبكات الطرق غير المهيأة تجعل عمليات الإغاثة والإنقاذ بطيئة وغير فعّالة.
أثر الزلازل على السكان والاقتصاد
1. الأضرار السكانية:
- تضررت آلاف المنازل بالكامل، خاصة في إقليم عفار ومنطقة أواش فنتالي.
- نزح أكثر من 10,000 شخص من المناطق المتضررة، وسط نقص حاد في المساعدات الإنسانية والملاجئ.
- انتشار الأمراض مثل الكوليرا والملاريا بسبب تلوث مصادر المياه وانعدام الخدمات الصحية.
2. الأضرار الاقتصادية:
- توقفت العديد من الأنشطة الزراعية نتيجة تعطل أنظمة الري وانخفاض إنتاج الكهرباء.
- تعرضت شبكات الطرق والجسور الرئيسية لأضرار جسيمة، مما أدى إلى تعطيل حركة التجارة والنقل.
السيناريوهات المستقبلية والحلول المطلوبة
1. تعزيز الاستعداد للكوارث
- تطوير أنظمة إنذار مبكر تُمكن السلطات من التنبؤ بالكوارث الطبيعية قبل وقوعها.
- وضع خطط طوارئ شاملة تشمل بناء ملاجئ في المناطق الأكثر عرضة للخطر.
2. تحسين جودة البنية التحتية
- تطبيق معايير هندسية صارمة في مشاريع البناء لتكون مقاومة للزلازل.
- تعزيز الاستثمارات في البنية التحتية لتشمل إصلاح الطرق والجسور، وإنشاء سدود قادرة على تحمل الزلازل.
3. التعاون الإقليمي والدولي
- طلب دعم فني وتقني من المنظمات الدولية المتخصصة في مواجهة الكوارث الطبيعية.
- تعزيز التعاون مع دول الجوار لتنسيق الجهود الإغاثية وتبادل المعلومات.
تمثل الأحداث الأخيرة إنذارًا لإثيوبيا ودول المنطقة حول ضرورة الاستعداد لمثل هذه الكوارث الطبيعية.
ومع استمرار النشاط الجيولوجي في الوادي المتصدع الشرقي، تظل التحديات قائمة، لكنها تفتح الباب أمام إثيوبيا لتحسين بنيتها التحتية وضمان سلامة سكانها ومشاريعها التنموية الكبرى، وفي مقدمتها سد النهضة.