تداعيات توقف الغاز الروسي إلى الاتحاد الأوروبي عبر أوكرانيا
تتأهب العديد من الدول الأوروبية في الوقت الحالي لإنقطاع الغاز الروسي المتدفق عبر أوكرانيا، حيث مع استمرار الحرب بين روسيا وأوكرانيا، تتعنت أوكرانيا و روسيا في شروط اتفاقية نقل الغاز الروسي إلى أوروبا .
كان هذا التوقف متوقعا، والمفوضية الأوروبية في بروكسل قللت من أهميته، وقالت إن الاتحاد الأوروبي كان مستعدا لهذه اللحظة، حيث عمل على جعل سوق الغاز أكثر مرونة من خلال تنويع مصادر الغاز الطبيعي، بما في ذلك الغاز المسال من الولايات المتحدة ودول خارج الاتحاد الأوروبي مثل النرويج وقطر ودول شمال أفريقيا.
لكن هذا لا يمنع من وجود مواقف قلق داخل وخارج الاتحاد الأوروبي. رئيس وزراء سلوفاكيا، أحد الحلفاء الرئيسيين لروسيا في الاتحاد الأوروبي، أعلن أن هذه الخطوة ستكلف الاتحاد الأوروبي كثيرا، وستؤثر بشكل كبير على دول شرق أوروبا، مشيرا إلى أن تأثيرها على روسيا لا يمكن مقارنته بتكلفة استيراد الغاز في هذه الدول، خصوصا مع الارتفاع الملحوظ في أسعار الطاقة خلال الأيام الأخيرة من عقد الاتفاق وأثناء سنوات الحرب.
رغبة أوروبية في إنهاء هيمنة روسيا على سوق الغاز
من الواضح أن هناك رغبة أوروبية واضحة في إنهاء هيمنة روسيا على سوق الغاز وتنويع مصادر الطاقة، حتى لو كان ذلك مكلفًا. والأكيد، من خلال مراجعة السنوات الأخيرة، يظهر ارتفاع كبير في واردات الغاز من الولايات المتحدة بشكل خاص.
الأوروبيون يدركون تمامًا أن ما قبل ترامب ليس كما بعده، وبالتالي هناك حديث متزايد عن مفاوضات السلام. ولكن، مع ذلك، يتحدث الأوروبيون وحلف شمال الأطلسي عن أن شروط المفاوضات يجب أن تقوم على دعم أوكرانيا لتكون في موقف قوي إذا أرادت الجلوس على طاولة المفاوضات.
لكن الأوروبيين يدركون جيدا أن الفاتورة ستكون أكبر عليهم إذا قرر دونالد ترامب تنفيذ ما وعد به من قطع الإمدادات الأمريكية إلى أوكرانيا، والتي تمثل أكثر من نصف ما تحصل عليه كييف منذ بداية الحرب.
وبالتالي، يعلم الأوروبيون أن تكلفة ذلك ستكون ثقيلة، وهناك احتمال ضعيف جدا لتعويض هذا النقص. لذلك، الحديث اليوم يدور عن استمرار الدعم ولكن أيضا عن سيناريو آخر يتعلق بالذهاب إلى مفاوضات سلام لإنهاء الحرب، وأن تكون أوروبا جزءا من هذه المفاوضات من خلال الدعم المستمر عسكريا عبر التدريب وإرسال الأسلحة.
انقسام في الاتحاد الأوروبي
ومع ذلك، هناك انقسام واضح في الاتحاد الأوروبي بشأن إرسال المزيد من المساعدات المالية إلى أوكرانيا، خاصة في ظل استمرار الحرب وعدم وجود أي بوادر لتحقيق الوعود التي طالما قدمها الرئيس الأوكراني، مما يدفع الأوروبيين اليوم إلى التفكير في السيناريو الجديد المتمثل في مفاوضات السلام، بشرط أن تكون أوكرانيا في موقف قوي وليس في موقف يفرض عليه الشروط.
روسيا: الوضع معقد للغاية
والإثنين، وبعد محادثات بين الرئيس فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء السلوفاكي روبرت فيكو، قالت روسيا إن الوضع مع الدول الأوروبية التي تشتري الغاز الروسي من خلال اتفاقية مرور عبر أوكرانيا معقد للغاية.
وقال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف إنه لا يستطيع تقديم مزيد من التفاصيل حول المحادثات التي جرت الأحد بين بوتين وفيكو، لكنه أوضح أن فيكو أكد عقب لقائه بوتين استعداد روسيا لاستمرار توريد الغاز إلى سلوفاكيا، رغم تأكيده أن هذا سيكون "مستحيلا عمليا" بمجرد انتهاء اتفاقية نقل الغاز بين روسيا وأوكرانيا.
وكانت أوكرانيا قد أعلنت، مع اقتراب انتهاء الاتفاقية ومدتها خمس سنوات، أنها لن تجدد اتفاقية عبور الغاز الروسي إلى أوروبا.
أوكرانيا تحدد شروطها لإستكمال نقل الغاز عببر أراضيها
واشترط الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الخميس استمرار عبور الغاز الروسي لأراضي بلاده، في حال عدم تلقي موسكو أي مدفوعات حتى انتهاء الحرب، وهو شرط من غير المرجح أن تقبله روسيا. وفي اليوم نفسه، صرح بوتين أنه من الواضح أنه لن يكون هناك اتفاق جديد مع كييف لنقل الغاز الروسي عبر أوكرانيا إلى أوروبا.
وتمثل تدفقات الغاز الروسي عبر أوكرانيا نحو نصف إجمالي صادرات موسكو من تلك المادة عبر خطوط الأنابيب إلى أوروبا، وفي حال عدم تجديد الاتفاقية ستكون سلوفاكيا وإيطاليا والنمسا وجمهورية التشيك الأكثر تضررا، وسيتعين عليها اللجوء إلى بدائل أخرى أعلى تكلفة، مثل الغاز المسال.
وقال بيسكوف للصحفيين "سمعتم تصريحات الجانب الأوكراني، وتعرفون الأوضاع في تلك الدول الأوروبية التي لا تزال تشتري الغاز الروسي وتعتبره ضروريا لتشغيل اقتصاداتها بشكل طبيعي"، مضيفا "وبالتالي، أصبحنا الآن أمام وضع معقد للغاية يتطلب مزيدا من الانتباه".
ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي في أوروبا
ولليوم الثالث على التوالي ومنذ الإعلان عن تلك الأنباء، ارتفعت أسعار الغاز الطبيعي في أوروبا بما يصل إلى 1.6% يوم الاثنين، بعد أن قفزت 7% الأسبوع الماضي.
في الإطار، يأتي السؤال حول ما هي تبعات توقف إمدادات الغاز الروسي عبر أوكرانيا، وكيف ستتأثر دول وسط أوروبا خاصة بذلك؟
تعد إمدادات الغاز الروسي إلى أوروبا عبر أوكرانيا صغيرة نسبيا، حيث بلغت في 2023 نحو 15 مليار متر مكعب، وهو ما يمثل 8% فقط من ذروة تدفقات الغاز الروسي إلى أوروبا عبر طرق مختلفة بين عامي 2018 و2019.
ويمر خط الأنابيب قيد البحث، والذي يعود إلى الحقبة السوفياتية، من سيبيريا عبر بلدة سودزا (التي تخضع الآن لسيطرة القوات العسكرية الأوكرانية) في منطقة كورسك الروسية، ثم يتدفق عبر أوكرانيا إلى سلوفاكيا، وهناك يتفرع إلى فروع متجهة إلى جمهورية التشيك والنمسا.
إغلاق معظم الطرق الأخرى لنقل الغاز الروسي إلى أوروبا
ومع إغلاق معظم الطرق الأخرى لنقل الغاز الروسي إلى أوروبا (خط يامال - أوروبا عبر بيلاروسيا وخط نورد ستريم تحت بحر البلطيق)، وفي حال عدم تجديد الاتفاقية مع أوكرانيا، بات المسار الوحيد الآخر الذي يعمل لنقل الغاز الروسي إلى أوروبا هو خطا "بلو ستريم" و"ترك ستريم" إلى تركيا عبر البحر الأسود. وترسل تركيا بعض الكميات من الغاز الروسي إلى أوروبا، بما في ذلك إلى المجر.
ورغم أن تدفقات الغاز في خطوط الأنابيب المارة عبر أوكرانيا لا تلبي سوى جزء ضئيل من احتياجات أوروبا من الغاز في الفترة الحالية، إلا أن توقفها المفاجئ قد يؤدي أيضاً إلى ارتفاع الأسعار الشهر المقبل.