مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

أزمة المحروقات في ليبيا.. مقايضة الضرورة أم فوضى مالية

نشر
الأمصار

في ليبيا تئن تحت وطأة الأزمات الاقتصادية والسياسية، تُطل أزمة المحروقات برأسها لتضيف تحديًا جديدًا إلى كاهل دولة ليبيا.

حيث بلغت فاتورة استيراد المحروقات 750 مليون دولار شهريًا لعام 2025، وهو رقم ضخم يعكس تعقيدات المشهد الاقتصادي الذي يفتقر إلى تخطيط استراتيجي ورؤية واضحة لإدارة الموارد.

في خضم هذه الأزمة، اضطرت المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا إلى اتخاذ خطوة غير مألوفة باللجوء إلى “نظام المقايضة” كآلية لتأمين الإمدادات الحيوية من المحروقات. جاء هذا القرار كرد فعل على تأخر تسييل الميزانيات من قبل مصرف ليبيا المركزي ووزارة المالية، ما جعل المقايضة خيارًا لا بديل عنه في ظل غياب التمويل المرن.

نظام المقايضة.. حل مؤقت أم عائق دائم

نظام المقايضة ليس حديث العهد في ليبيا؛ إذ تم تبنيه منذ عام 2020، لكنه أثار جدلًا واسعًا بسبب غياب البيانات الدقيقة حول حجمه وجدواه. يُنظر إلى المقايضة كآلية تجنب البلاد انهيارًا في إمدادات الوقود، لكنها في الوقت ذاته تخلق تشوهات مالية كبيرة.

وأكد ديوان المحاسبة في ليبيا، أن كلفة هذا النظام بلغت 41.26 مليار دينار خلال الأعوام الماضية، وهو رقم لم يتم تسجيله بشكل رسمي في بيانات وزارة المالية، إضافة إلى ذلك، بلغت الإيرادات النفطية غير المقيدة 8.56 مليارات دولار نتيجة تصدير شحنات نفط خارج منظومة وزارة المالية.

صعود الفاتورة.. هل يُدار الملف بكفاءة؟

ما يزيد الطين بلة هو تضاعف فاتورة المحروقات من 4 مليارات دولار سنويًا إلى 9 مليارات دولار، ما أثار انتقادات لاذعة من خبراء الاقتصاد الذين وصفوا هذه الزيادة بأنها غير مبررة. 

ويرى محمد الشيباني، الخبير الاقتصادي، أن هذا الرقم يعكس ضعف التخطيط وغياب الرقابة، مضيفا: "جزء كبير من هذه الفاتورة يُهدر عبر التهريب والمتاجرة في السوق السوداء".

تضخم التكاليف.. أرقام تُثير التساؤلات

وتشير البيانات الرسمية، إلى أن إجمالي كميات المحروقات الموردة بنظام المقايضة في عام 2023 بلغت 9.21 ملايين طن متري، أغلبها من البنزين والديزل. ومع ذلك، تبقى أسئلة عالقة حول سبب ارتفاع التكاليف بهذا الشكل الجنوني مقارنة بمعدلات الاستهلاك السابقة التي لم تتجاوز 400 مليون دولار شهريًا.

الخبراء يدقون ناقوس الخطر

من جهة أخرى، حذر الخبير المالي صبري ضوء من أن استمرار الاعتماد على نظام المقايضة قد يؤدي إلى تفاقم الأزمة بدلًا من حلها. وأكد أن الحل يكمن في إنشاء نظام مالي شفاف يتيح تتبع الأموال والكميات المستوردة بدقة.

إلى أين تتجه الأزمة؟

ليبيا، التي تعتمد بشكل أساسي على صادرات النفط، تجد نفسها في موقف صعب بين مطرقة نقص التمويل وسندان سوء الإدارة.

ورغم الجهود المبذولة لتأمين الاحتياجات الأساسية، يبقى ملف المحروقات اختبارًا حقيقيًا لقدرة الدولة على إدارة مواردها وحل أزماتها.

في ظل استمرار هذه المعطيات، يبقى السؤال الأهم: هل يمكن للحكومة الليبية تبني نهج أكثر شفافية وكفاءة يعيد الثقة للمواطنين وينقذ الاقتصاد من هاوية الانهيار؟ الإجابة ستتضح في قادم الأيام، لكنها حتمًا ستعتمد على مدى قدرتها على مواجهة الفساد ووقف النزيف المالي.