د. رائد العزاوي يكتب: الثلاثاء الأهم في تاريخ المنطقة
طالما أن نتنياهو يريد مواصلة الحرب، فلن تذهب إسرائيل إلى الانتخابات، وفي ظل الزيارة الحساسة والمرتقبة التي يقوم بها رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى واشنطن لملاقاة دونالد ترامب، يبقى التساؤل مطروحًا حول مدى تأثير تلك الزيارة على مستقبل الحرب في غزة وربما في لبنان.
ذلك الاجتماع عالي المخاطر بين نتنياهو وترامب يطرح في الآفاق أسئلةً طارئة، أولًا هل سيقنع نتنياهو ترامب باستئناف العمل العسكري، وتخريب صفقة وقف إطلاق النار التي توسط فيها ترامب نفسه بشكل فعال؟ وثانيًا هل سيضغط ترامب على نتنياهو للحفاظ على وقف إطلاق النار، والانتقال إلى المراحل التالية من مفاوضات السلام وإنهاء الحرب؟
وربما سيكون لنتائج هذا الاجتماع آثار بعيدة المدى على مستقبل غزة ولبنان، وعلى الاستراتيجية الإقليمية لإسرائيل، وعلى مصداقية ترامب كوسيط فعال على الساحة العالمية.
هناك ثمة احتمال أن ادارة ترامب تتعمد تأخير ارسال المساعدات الانسانية الضرورية الى قطاع غزة، ومن بينها البنزين والخيم والبيوت الجاهزة، حيث يُنظر الى هذه الخطوة على انها نوع من الضغط على الفلسطينيين في ثني عزيمتهم على العودة الى مناطقهم المدمرة و اجبارهم القبول بالمنفى الجديد والرحيل الى الاردن و مصر .
مما لا شك فيه أن خطوة عرقلة وصول المساعدات الانسانية الى الفلسطينيين تم التفاهم عليها بين ادارة ترامب و حكومة نتنياهو ، وهي تكتيك ضاغط ينتظر منه موقف مشجع من قبل العرب لتحقيق رؤية ترامب في استقبال سكان قطاع غزة و الضفة الغربية والذي يبدو انه فاشل حتى الان بسبب موقف العرب الموحد الرافض لهذا التهجير ، و تبدو ان استراتيجية ترامب معزولة في المنطقة و لا تحضى بتأييد احد .
السلام المُجمد
من الوارد أن قرار رئيس وزراء الإسرائيلي نتنياهو بعدم إرسال فريق تفاوض إلى قطر لإجراء محادثات بشأن المرحلة الثانية التي كان موعدها يوم الاثنين 3 فبراير كنوع من التريث لعرض خططه على الادارة الاميركية اهمها السماح له باستئناف الحرب في قطاع غزة.
ومن المتعارف عليه أن نتنياهو يواجه انتقادات محلية شديدة لفشله في تحقيق الأهداف التي وضعها بعد 7 أكتوبر ، ومن بينها استعادة الرهائن وتأمين الحدود مع غزة، وتدمير حماس، وقد أضيف إليها هدف رابع، وهو تمكين الإسرائيليين الذين أجبروا على إخلاء منازلهم في الشمال بسبب قصف حزب الله من العودة إلى ديارهم.
وقد ارتفعت وتيرة هذه الانتقادات بعد موكب من قبل المقاومة الفلسطينية خلال الإفراج الرابع عن السجناء الإسرائيليين، حيث تم عرض المعدات العسكرية الإسرائيلية التي تم الاستيلاء عليها علنا إلى جانب مئات المقاتلين المسلحين والمنظمين والمموهين جيدا.
وسابقًا كشف هذا العرض الذي قدمته حركة حماس عن عدم فعالية الحملة العسكرية التي نفذها المجرم نتنياهو وفشله في تحييد حماس، و مما لا شك فيه أنه اليوم يواجه تحديًا محليًا ودوليًا .
اسلحة التجويع والتدمير وصولا للحرب
في المقابل ينظر الاسرائيليون اليمنيين الى بقاء حماس كقوة فاعلة في المجتمع الغزاوي على انه تهديد مزمن و غير ممكن بناء اي عملية سلام معها كما يرى ألبرت وولف ، لاسيما ان المجتمع المحلي الغزاوي لازال يمثل حاضنة شعبية لحركات المقاومة الفلسطينية و على رأسها حماس، و لذا فإن الأحزاب القومية المتطرفة في إسرائيل ، سواء داخل الحكومة الإسرائيلية أو خارجها، تشعر بسعادة غامرة إزاء فكرة ترامب في تهجير الفلسطينين صوب الاردن و مصر ، بوصفه حل ناجع لكل مشاكل إسرائيل.
لكن خطة ترامب للتهجير الفلسطيني تواجه مقاومة اقليمية، و على الرغم من هذه الاعتراضات الإقليمية الواضحة، يقال إن إدارة ترامب كانت تعمل وراء الكواليس للضغط على الدول المجاورة لقبول الفلسطينيين النازحين. ومع ذلك، يبدو أن الاستراتيجية تفشل حيث لا يوجد طرف فاعل إقليمي على استعداد للمشاركة في ما يعتبره الكثيرون نقلا قسريا غير قانوني وغير أخلاقي للسكان والتطهير اللاحق لغزة.
امريكا وتناقض المصالح
في حين أن إدارة ترامب تؤخر شحنات المساعدات الحاسمة، فإنها تحاول في نفس الوقت تقديم نفسها كلاعب رئيسي في مفاوضات وقف إطلاق النار وإعادة إعمار غزة. من ناحية، تدعي واشنطن أنها تدعم الاستقرار وتهدئة التصعيد. من ناحية أخرى، إنها تمكن السياسات التي تزيد من تفاقم المعاناة الإنسانية وتغذي دورات العنف المستقبلية.
إذا كانت إدارة ترامب تعتقد أن تجويع المساعدات في غزة سيكسر المقاومة الفلسطينية، فإنه يسيء حسابه بشدة.
إلى ماذا يسعى نتنياهو ؟
في تقديري أن زيارة نتنياهو إلى الولايات المتحدة هي محاولة استراتيجية لوقف التقدم في اتفاق وقف إطلاق النار، واستغلال المرونة في الجدول الزمني للتفاوض مع مقاومة أي التزام بوقف دائم لإطلاق النار. يتناقض هذا الموقف بشكل مباشر مع الهدف الأساسي للاتفاق، وهو تأمين وقف مستدام لإطلاق النار، ويسلط الضوء على توتر حاسم بين بقاء نتنياهو السياسي وتوقعاته الدولية.
في مواجهة ضغوط متزايدة من وزراء اليمين المتطرف داخل ائتلافه - الذين هددوا علنا بالاستقالة إذا توقفت الحرب في غزة - يجد نتنياهو نفسه في وضع غير مستقر. يجب عليه التنقل بعناية بين استرضاء قاعدته المتشددة للحفاظ على حكومته الهشة سليمة والحفاظ على علاقة تعاونية مع الولايات المتحدة، خاصة إذا دفع الرئيس ترامب من أجل وضع حد نهائي للنزاع العسكري. يمكن أن يحدد هذا العمل التوازني الدقيق كل من مستقبل نتنياهو السياسي ومسار إسرائيل في المنطقة.
يبحث نتنياهو عن اسباب موجبة لاجل العودة لاستئناف الحرب و لكنه بحاجة الى اقناع ترامب أولًا بأن مطالب إسرائيل بالانتقال إلى المرحلة الثانية ــ التي قد تشمل نفي قادة حماس في غزة وموافقة المنظمة على نزع سلاحها ــ معقولة تماما، وإذا رفضت حماس هذه المطالب فإنها تتحمل اللوم على انهيار الصفقة.
إيران على جدول أعمال نتنياهو - ترامب
على وجه اليقين، فإن إيران وخطر سلاحها النووي ( الذي ظل حديث الإعلام دون موشرات بوجوده حتى الآن) سيكون على طاولة الحوار ، وإن اختلفت الرؤية الأمريكية عن رؤية نتنياهو .
ترامب يريد عقد صفقة مع إيران بشروطه هو ووفقًا لمصلحة أمريكا، ويريد تفاوض مباشر مع إيران، يستطيع أن يضع جزء كبير من نتائج هذه الصفقة في دعم الاقتصاد الأمريكي، فترامب يعرف ان إيران تملك ثروة كبيرة من البترول ولديها قدرة لان تضع مبالغ ضخمة في سوق الاستثمار الأمريكي، وهذه فرصة كبيرة للرئيس ترامب .
في المقابل يريد نتنياهو تدمير المنشأت النووية ومخازن الصواريخ البالستية وترسانة ايران من الطائرات المسيرة وتحييد باقي الفصائل المسلحة الموالية لإيران (العراقية تحديدا) وانهاء مشروع (سلاح المقاومة) وهو ما ينذر باشتعال حرب إقليمية يدفع ثمنها الجميع .
إن أحد الأهداف الرئيسية لزيارة نتنياهو هو وضع خطة متفق عليها مع إدارة ترامب لشروط ومسار المرحلة الثانية من صفقة الرهائن. ثم تقوم واشنطن بإبلاغها إلى مصر وقطر، اللتين ستعرضانها على حماس. وتتوقع إسرائيل استكمال التفاصيل بعد وضع الخطة .
ختامًا..
إن خيارات التهجير او التجويع واستنئاف الحرب ليس متاحة ببساطة في يد نتنياهو، فكرة أن الفلسطينيين سيغادرون غزة إذا تدهورت الظروف المعيشية هو أمر مرفوض لدى عموم الشعب الفلسطيني وفي تقديري فان الفلسطينيين سيعدون البناء، حتى لو اضطروا إلى القيام بذلك تحت أنقاض منازلهم، لأن أراضيهم غير قابلة للتفاوض.