مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

أحمد علي يكتب: الاحتجاج الصدري

نشر
الكاتب أحمد علي
الكاتب أحمد علي

لم يكن المجتمع العراقي قبل ظهور السيد الشهيد الثاني محمد محمد صادق الصدر قدس سره، أكثر من مجتمع خامل و بارد جدا حد الموت، فالرديكالية التوليتارية التي مارسها النظام البائد فعلت فعلها في تجميد معالم الحياة السياسية و الاجتماعية ، و لذا لم يكن مستغربًا ان يكون مضاد الجمود هو صعود الحركة الصدرية بوصفها حراكًا استفزازيًا لكل اشكال الرثاثة و القبح الذي عمد لها النظام المقبور كنوع من صناعة المجتمع الميت سريريًا.

‏يمكن اقتفاء حركة السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر في مثلث ادائه المكون من :
‏ . التشيع الإسلامي 
‏ . الوطنية العراقية
‏ . والانتماء العربي

‏اننا نستطيع العثور عليه في صلب المكونات المتناثرة للحركة الصدرية الوليدة في أواخر التسعينات بوصفها "منظومة" أيديولوجيتها العملية. فقد كانت شخصية السيد الشهيد الثاني تسعى لتمثيل عناصر التشيع والعراقية والعربية من خلال تمثل مصالح الفقراء والمهمشين ، عندما استثمر في خطاب صلاة الجمعة كنص عبادي اجتماعي وعظي مؤكدًا على عراقية الازمة ، عراقية الحل ، عراقية القيادة و العقيدة العراقية من خلال التمسك بحقوق العراقيين السياسية و الاجتماعية مهما كلف الثمن كما اشار السيد عبد الستار ال محسن في كتابة ( الامام الصدر ، تيار في امة و امة في تيار ) الذي صدر بعد اربعين يوم من استشهاده.

‏لقد كان صعود الحركة الصدرية وسط ديناميكيات سياسية واجتماعية معقدة بين نظام ديكتاتوري مقيت و محيط حوزوي معقد كان يعيش حالة صمت بسبب اندثار مشاريع الصحوات الاسلامية عندما استطاعت توليتارية البعث من اغتيال السيد الشهيد الاول محمد باقر الصدر قدس سره و اغلب قيادات الحركات الاسلامية…

‏ان ولادة الحركة الصدرية وتصاعدها بشكل قوة فيها من العصبية الكثير كانت نتيجة منطقية تعويضا عن خمول الروح الاجتماعي وقد كان نتاجا طبيعيا وتلقائيا لزمن العراق الراديكالي، وهو زمن أنتج، رغم مفارقاته وتناقضاته المخزية، الظاهرة الصدرية التي شكلت الأساس و الجذر المادي و الروحي للحركة الصدرية في مرحلة بعد زوال النظام الديكتاتوري الصدامي .

‏مما لا شك فيه ان طريقة انشاء و صناعة التيار الصدري على يد مؤسسه السيد الشهيد الثاني ، كان فيه الكثير من الذكاء بل و الدهاء عبر مختلف أشكال المناهضة غير العنيفة للسلطة الصدامية، و منظومة تأثيره في العراق بمعزل تام، بل ومعارض للأحزاب والتيارات الشيعية الأخرى المرتبطة بنسب متفاوتة مع ايران او حلفائها في سوريا و لبنان .

‏يصف عبد الستار ال محسن الاحتجاج السياسي عند السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر قدس سره ، "انه ممارسة عبادية و فريضة واجبة قبل ان تكون عنوانًا رئيسيًا من عناوين الصراع الفعلي مع السلطة العنيفة التي تحكم العراق " ، وهذا يبدو واضحًا من خلال مسيرة مزج الحراك الاحتجاجي الرافض بالعبادة كنوع من التزاوج في صب القضية العراقية من خلال منظور سياسي إسلامي جديد لم يكن مألوفًا عند نظرائه او ممن سبقه ، فكان ذلك الاحتجاج يشبه لون الماء ، فهو يؤدي فعله السياسي المتمرد ضد النظام التوليتاري البعثي و اجهزته القمعية دون ان يكون له لون او رائحة يؤدي إليه ، و شكل حالة من الارتباك لكل اجهزة النظام الصدامي المجرم ، وكذلك كان مادة دسمة للكثير من الأحزاب الإسلامية خارج العراق حتى يستخدم كمحتوى للاساءة اليه و لتياره الناشئ .

‏فيما بعد سار ابنه السيد مقتدى الصدر على نهج والده و تتبع اثاره و حافظ على كينونته الذاتية بوصفه حركة المجتمع المهمش والمصالح العراقية التي لم ينطق باسمها أي من التيارات والحركات والأحزاب والمنظمات الاسلامية الشيعية الأخرى ، وتحول التيار الصدري كواحد من اكثر الحركات احتجاجًا وفاعلًا كبيرًا في ميادين الجدل السياسي وشحذ القيم الأيديولوجية وتبلور المفاهيم العامة والخاصة بالحركة الصدرية مما يجري في العراق وحوله. من هنا تقييم التيار الجديد لماهية "الحوزة العلمية" بمعايير الرؤية الاجتماعية والسياسية العملية والوطنية العراقية سواء في زمن السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر قدس سره او في الفترة الحالية التي يقوده فيها السيد مقتدى الصدر.

‏أن الاحتجاج الصدري الحالي مرتبطًا ارتباطًا عضويًا و وظيفيًا مع كينونة الحركة الصدرية التي تأسست بشكلها الفعلي اواسط التسعينات و تصاعدت في أواخره تلك الفترة ، حتى اصبح هذا الاحتجاج يمثل ذلك الامل الذي يضع كل المهمومين وً المهمشين و الفقراء كل اوجاعهم و حاجاتهم ، واصبح ثمة تلازم بين هذه الفئات المهمشة و الفقيرة وبين ريادة التيار الصدرية لكل تطلعاتهم