د. رائد العزاوي يكتب: نصيحة أمينة إلى رئيس الوزراء محمد شياع السوداني المحترم

كتبت قبل قرابة ثلاث سنوات رسالة إلى السيد رئيس الوزراء المهندس محمد شياع السوداني وبعد أيام معدودة لتسلمه منصبه، كنت فيها ناصحا أمينا، حاولت فيها أن أضع أمام السيد السوداني جملة من النصائح التي هي عصارة تجاربي البسيطة وقلت في تلك الرسالة التي تفضل الزملاء في صحيفة الزمان ينشرها في حينها.
واليوم أجد ومن باب المسؤلية الأخلاقية وحبا في العراق ، واحتراما لهيبة الدولة العراقية، أكرر نشر هذا الرسالة، مع حالة من اليائس الذي أصابني بسبب تردي هيبة الدولة ، ومكانة العراق ومكانة المناصب التي يتولها مقربون من السيد المهندس محمد شياع السوداني.
يا رئيس الوزراء ابعد عنك متعددي الاكل على الموائد
إنما أرسل هذه الرسالة وهي المرة الاولى في حياتي اخاطب فيها مسوول عراقي فقد كنت على مدار سنوات طوال ابتعد عن اصحاب المعالي و السيادة ، وكنت اعتبرهم مادة اعلامية فقط ، لا بل كنت اعتبر ما املك من ادوات وتاريخ هو اطول بكثير من كراسي حكمهم .
فكم مر في حياتي من وروساء ووزراء وسفراء … الخ كلهم اضحوا في طي النسيان بينما ظل قلمي يخط كما هو معبرا عن الناس بالامهم واحلامهم ، ظل هذا القلم يدافع عن الحق والحقيقة ، فيما اصبح اصحاب تلك الدرجات في خبر كان .
كان لازم وانا ارى جوقة الطبالين واصحاب المباخر وهم يسعون نحو القصر الحكومي في بغداد ، يسعون حالمين طامحين من سيد القصر الجديد بشيء من العطايا او الهدايا او حتى لقب لعله ينفع صاحبه.
كان لزاما عليا ان اكتب الى الاخ رئيس الوزراء هذه الرسالة ، والله من وراء القصد.
السيد رئيس الوزارء المحترم
المهندس محمد شياع السوداني
لا اعرفك كثيرا التقيتك مرة واحدة في القاهرة في مبنى سفارة العراق وكان لقاء ودي لمسنا فيه طيب معدنكم ، ارسل لك رسالتي هذه لعلها تصلك لتكون كلماتها نور تهتدي به الى طريق الخير لبلدنا الغالي.
انا مثلك عراقي بسيط من سكان مدينة الشعب هذا الحي الذي خرج منه علماء ومثقفون وفنانون وكفاءات يشار لها بالبنان.
نحن من نفس ذات البيوت النقية الطيبة التي قارعت الدكتاتورية التي اوصلت البلد الى حافة الهواية ، ونفس البيوت التي قارعت المحتل الامريكي .
نحن من بيوت اهلها بسطاء انقياء شجعان صادقو المواقف واصحاب كلمة شريفة ، وانا والله ناصح امين فمثلي لا يرجوا الا ان يخرج من هذه الدنيا وهو خفيف الاحمال ، ومثلي وهو يعاني مرض عضال لا علاج له غير الدعاء الصادق ، لا يرجو من دنياكم شيء ، انا باحث عن وطني ، وطني الذي يذبح كل يوم على السراق واللصوص والارهاب من اصحاب الياقات البيضاء من مستشارين وأصحاب مقامات .
لقد اطلعت على سلسلة من لقاءاتك الاخيرة ، ودهشت كثيرا عندما تابعت لقاء سيادتكم بعدد من السادة المحللين السياسيين ( وهذا لا ينطبق الا على عدد منهم لا يتجاوز اصبع يدك ) .
المحلل السياسي يحتاج الى سنوات وسنوات حتى يصل الى مستوى هذه الكلمة بمعناها الحقيقي.
لم اقدم نفسي يوما محللا سياسيا ابدا رغم ظهور في قنوات كثيرة ومتعددة باللغة العربية والانجليزية ( التي هي شرط من شروط المحلل السياسي ) لا بل شرط اساس ، لان التحليل السياسي يحتاج الى قراءة صحف عالمية باللغة الانجليزية وغيرها ، حتى تستطيع ان تقدم شي للناس.
اعود الى صلب النصيحة ، لا تقرب منك من يظهرون في الشاشات ، لان اغلبهم الناس لا تصدقهم ولا اريد ان اقول لك ان بعضهم الناس العراقيين الشرفاء البسطاء لا تحتــــرمهم اصلا ، ولديك اجهزتك لتتاكد من صحة ما اقول .
ابتعد عن الفنانين والرياضيين ابتعد عن النقابات ونقباء تلك النقابات ، قرب اليك العلماء واساتذة الجامعات واصحاب المشاريع الحقيقة ، ورواد الصناعة والحرف ، والاطباء والمتفوقين دراسيا والنوابغ ، واصحاب المنتج الحقيقي الذي ينفع العراقين .
لا تخشى منهم فالديك قوتك الناعمة التي تستطيع ان تكون لك درع وسيف تواجه بهم اي بوق ، ابعد عنك متعددي الاكل على كل الموائد ، ابعد عنك ناهزي الفرص والمتصيدين ، قرب اليك العمال والبنائون فهم خط دفاعك الأول.
لا تخشى الاعلام ابدا مادمت مع الناس وتعمل باخلاص لا تخشى الذباب الالكتروني فانت تقود شعب العراق هذا الـــشعب يعيش تحت خط الفقر لكن فوق خط الفهم.
بقلم دكتور رائد العزاوي- أستاذ العلوم السياسية ورئيس مركز الأمصار للدراسات الاستراتيجية