رمضان في سوريا... بين العادات العريقة والواقع المعيشي الصعب

مع حلول شهر رمضان، تتزين شوارع المدن السورية بالفوانيس الرمضانية، والزينة التقليدية المصنوعة يدويًا، حيث يحاول السوريون، رغم الظروف الصعبة، إضفاء أجواء احتفالية على منازلهم وأحيائهم.
في السابق، كانت الأسواق تزدهر بالحركة مع اقتراب الشهر الفضيل، لكن اليوم، باتت القدرة الشرائية للسكان محدودة، مما أثر على حجم الإقبال على الأسواق.

وتعد الأسواق الشعبية مثل سوق الحميدية في دمشق، وسوق المدينة في حلب، من أبرز الأماكن التي تستقبل المتسوقين الباحثين عن مستلزمات رمضان، بدءًا من التمور والمكسرات وحتى البهارات والحلويات التقليدية.
إلا أن ارتفاع الأسعار بشكل كبير جعل الكثير من العائلات تقلل من مشترياتها، وتقتصر على الأساسيات. كما أن بعض التجار اضطروا لتخفيض كميات البضائع المستوردة نظرًا لضعف الإقبال.
وفي المناطق الريفية، يعتمد الناس أكثر على المنتجات المحلية، مثل الألبان والأجبان المصنوعة منزليًا، إضافة إلى الخضروات والفواكه التي يزرعونها بأنفسهم، مما يقلل من تكلفة التحضير للشهر الفضيل.
لكن رغم ذلك، يظل الوضع الاقتصادي أحد العوامل الرئيسية التي تلقي بظلالها على أجواء رمضان في سوريا.

الطقوس الرمضانية: صمود العادات رغم التغيرات
رمضان في سوريا يحمل معه طقوسًا اجتماعية متوارثة منذ مئات السنين، فلطالما كان الإفطار الجماعي جزءًا أساسيًا من الشهر الكريم.
العائلات السورية كانت تتجمع في المنازل الكبيرة، حيث تمتد موائد الإفطار لتشمل الأهل والجيران، ولكن في ظل الظروف الراهنة، تراجعت هذه العادات بسبب النزوح والتشتت الذي فرضته الحرب.
الطبق الدوار: من التقاليد التي لا تزال صامدة في بعض المناطق السورية، حيث يتم إرسال أطباق الطعام بين الجيران قبيل أذان المغرب، كوسيلة لتعزيز التكافل الاجتماعي.
وهذا التقليد، وإن كان قد قل في بعض المناطق نتيجة للظروف الاقتصادية، إلا أنه لا يزال حاضرًا بين العائلات التي تحافظ عليه.

صلاة التراويح: رغم الصعوبات الأمنية والاقتصادية، لا تزال المساجد في سوريا تشهد إقبالًا على صلاة التراويح، خصوصًا في المدن التي تنعم بأوضاع أكثر استقرارًا.
وفي دمشق وحلب، تظل المساجد الكبرى مثل الجامع الأموي عامرة بالمصلين، فيما يعاني سكان بعض المناطق الريفية من تراجع القدرة على الوصول إلى المساجد بسبب نقص وسائل النقل أو المخاوف الأمنية.

الأنشطة الخيرية والمبادرات: واحدة من أبرز مظاهر رمضان في سوريا هي انتشار الجمعيات الخيرية التي تسعى لمساعدة الفقراء والمحتاجين، حيث تقوم هذه الجمعيات بتوزيع وجبات الإفطار والسلال الغذائية.
وعلى الرغم من تراجع الدعم الخارجي وتحديات التمويل، إلا أن هذه المبادرات لا تزال تلعب دورًا مهمًا في التخفيف من معاناة العائلات المحتاجة.
أشهر الأكلات الشعبية والتقليدية
المطبخ السوري غني بالأطباق الرمضانية التي تحمل دلالات اجتماعية وثقافية. ومن أبرز هذه الأكلات:
الفتوش: يعد طبقًا أساسيًا على مائدة الإفطار، ويتكون من الخضروات الطازجة المقطعة مع الخبز المحمص، وهو طبق خفيف يساعد على تعويض السوائل بعد يوم الصيام.
الشوربات: من الأطباق التقليدية التي لا تغيب عن المائدة الرمضانية، وأشهرها شوربة العدس التي تعد مصدرًا هامًا للطاقة بعد يوم طويل من الصيام.

المحاشي: مثل الكوسا المحشي والورق عنب، وهي أطباق يتم إعدادها بعناية وتعتبر من وجبات الإفطار الفاخرة.
المعجنات: مثل الصفيحة الشامية، وهي نوع من الفطائر المحشوة باللحم، وتعد من الأكلات السريعة التي يفضلها السوريون في رمضان.
أما الحلويات، فتحتل مكانة خاصة في رمضان:
القطايف: وهي من أشهر الحلويات الرمضانية، وتُحشى بالقشطة أو الجوز وتُقلى أو تُشوى، ثم تغمر بالقطر.

المعروك: وهو نوع من الخبز الحلو المحشو بالمكسرات أو التمر، ويعد من الحلويات الشعبية التي يكثر تناولها خلال رمضان.
البقلاوة: وهي من الحلويات التقليدية التي تشتهر بها المدن السورية، وتتميز بطبقاتها الهشة والمحشوة بالفستق الحلبي أو الجوز.
الفعاليات الدينية والثقافية في رمضان
رمضان ليس مجرد شهر صيام، بل هو موسم غني بالفعاليات الدينية والثقافية التي تضفي طابعًا مميزًا على الأجواء الرمضانية في سوريا.
في دمشق، تقام السهرات الرمضانية في الأماكن التاريخية مثل "البيت الدمشقي" و"التكية السليمانية"، حيث تتجمع العائلات للاستماع إلى الإنشاد الديني والاستمتاع بالأجواء الروحانية.
أما في حلب، فيشتهر "القصاصون" الذين يروون القصص الدينية والتاريخية في المقاهي الشعبية، وهي عادة قديمة لا تزال تجد جمهورًا مهتمًا، رغم الظروف الصعبة.
في المناطق الأكثر تأثرًا بالحرب، أصبحت الفعاليات أقل تنظيمًا، لكن المجالس الدينية التي تعقد في البيوت والمساجد الصغيرة لا تزال تحافظ على الطابع الروحاني لرمضان.
رمضان في سوريا لا يزال يحمل نكهته الخاصة رغم الظروف الصعبة، فبينما أثرت الحرب والأزمة الاقتصادية على الطقوس والعادات، لا يزال السوريون يحاولون الحفاظ على روح الشهر الكريم بما تيسر لهم.
من زينة رمضان المتواضعة إلى موائد الإفطار البسيطة، يبقى الشهر الفضيل فرصة للتآزر والتقارب بين الناس، في ظل تحديات الحياة اليومية.