إسرائيل تطوق غزة بـ"منطقة قتل".. دمار واسع يمتد داخل القطاع

في أعقاب العمليات العسكرية التي نفذتها إسرائيل في قطاع غزة، أصدرت منظمة "كسر الصمت" الحقوقية الإسرائيلية تقريرًا جديدًا يكشف النقاب عن ممارسات الجيش الإسرائيلي في ما يسمى "المنطقة العازلة" حول القطاع.
وهذه المنطقة لم تعد مجرد شريط حدودي، بل تحولت إلى "منطقة قتل" تهدد حياة المدنيين وتدمر ممتلكاتهم بشكل واسع.
التقرير يعتمد على شهادات جنود إسرائيليين سابقين ممن شاركوا في عمليات توسيع هذه المنطقة، ليفضح الأساليب العسكرية الإسرائيلية التي تسببت في خراب هائل في غزة، وخاصة في الأراضي الزراعية والمناطق السكنية والصناعية. التقرير أيضًا يعرض الأبعاد الإنسانية والبيئية لهذه العمليات العسكرية.
تفاصيل العمليات العسكرية

ووفقًا لتقرير "كسر الصمت"، كانت العمليات العسكرية التي أطلقها الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة تستهدف بشكل رئيسي توسيع المنطقة العازلة على طول الحدود.
الجنود الذين شاركوا في هذه العمليات أكدوا أن الجيش استخدم تكتيك الجرافات والحفارات الثقيلة لتدمير المباني والمنشآت السكنية والزراعية. هذه العمليات لم تقتصر على تدمير البنية التحتية، بل شملت أيضًا الأراضي الزراعية التي كانت تُعد المصدر الرئيسي للرزق لعشرات الآلاف من الفلسطينيين.
المنطقة العازلة توسعت لتصل إلى مسافة 1500 متر داخل قطاع غزة، ما يزيد من حجم الخراب الذي خلفته هذه العمليات.
الأساليب القاسية
الجنود الإسرائيليون الذين شاركوا في هذه العمليات أكدوا أن أساليب الهدم كانت قاسية للغاية. لم يقتصر الأمر على تدمير المنشآت العسكرية أو تلك المرتبطة بحركة حماس، بل شملت المباني المدنية أيضًا.
وقد تم استخدام الآلاف من الألغام والمتفجرات لتدمير البنية التحتية للقطاع، بما في ذلك المحال التجارية والمدارس والمستشفيات، وهو ما يساهم في تفاقم الأوضاع الإنسانية بشكل كبير.
وعلى سبيل المثال، تم تدمير حوالي 3500 مبنى في غزة، العديد منها لم يكن له أي صلة بالأعمال العسكرية.
كما شملت الحملة العسكرية تدمير المزارع التي كانت توفر الغذاء للسكان، بما في ذلك أشجار الزيتون وحقول الباذنجان، مما أدى إلى فقدان سبل العيش لآلاف العائلات.
"هيروشيما" جديدة في غزة
وفي شهاداتهم، وصف الجنود الوضع في غزة بأنه يشبه "هيروشيما"، وهذه المقارنة تعكس حجم الدمار الذي لحق بالقطاع، حيث تحولت العديد من المناطق إلى أنقاض.
كما أشار الجنود إلى أن المباني التي دُمرت لم تكن تهدف إلى استهداف أهداف عسكرية، بل كانت تمثل جزءًا من الحياة اليومية للمواطنين في غزة. أحد الجنود ذكر: "كل شيء دُمر، كل مبنى وكل منشأة، كان مجرد زجاج وركام في كل مكان."
دور الجيش الإسرائيلي في توسيع "منطقة القتل"
التقرير يكشف أن الجيش الإسرائيلي اعتبر أن العديد من المباني التي تم تدميرها كانت تستخدم من قبل حماس أو تضم محتويات متعلقة بالرهائن الذين تم احتجازهم في القطاع.
ومع ذلك، اعترف الجنود بأن العديد من هذه المباني لم تكن تستحق التدمير، وأن عمليات الهدم كانت تتم بناءً على تقديرات شخصية من القادة العسكريين، ودون وجود معايير واضحة أو نظام محدد للتمييز بين الأهداف العسكرية والمدنية.
المنطقة العازلة المحيطة بقطاع غزة لم تكن فقط وسيلة لتعزيز الأمن الإسرائيلي على حدودها، بل تحولت إلى مساحة تتسبب في قتل الفلسطينيين.
الجنود الذين شاركوا في العمليات وصفوا هذه المنطقة بأنها "منطقة قتل" حيث يتم إطلاق النار على أي شخص يقترب منها، بغض النظر عن كونه مدنيًا أو مسلحًا.
وهذا التكتيك الإسرائيلي يعكس سياسة تهدف إلى تضييق الخناق على المدنيين الفلسطينيين في القطاع، مما يؤدي إلى حصار خانق عليهم.
وبحلول ديسمبر 2024، كانت المنطقة العازلة قد توسعت بشكل كبير، لتصل المسافة بينها وبين خطوط غزة إلى أكثر من 1500 متر.
عمليات التوسع هذه جاءت نتيجة لزيادة القيود على السكان، حيث أصبح من الصعب جدًا على المدنيين التنقل أو العثور على مكان آمن داخل غزة.
كما تم استخدام تقنيات القصف الجوي والهجمات البرية لتوسيع هذه المنطقة، مما أدى إلى قتل العديد من المدنيين الذين كانوا في المناطق القريبة من الحدود.
التقرير يبرز الأبعاد الإنسانية لهذه العمليات العسكرية، حيث تم تهجير مئات الآلاف من الفلسطينيين من بيوتهم بسبب الهجمات العنيفة في هذه المنطقة.
العديد من الأسر الفلسطينية وجدت نفسها بلا مأوى، وتعرضت للمزيد من المعاناة في المخيمات أو الأحياء المدمرة.
وأشار التقرير إلى أن هذه العمليات العسكرية خلّفت آثارًا نفسية واجتماعية عميقة على سكان غزة، الذين يعيشون في ظروف قاسية وأمام تهديد دائم للحياة والممتلكات.
التقرير الصادر عن "كسر الصمت" يقدم شهادة صادمة عن الأوضاع في غزة تحت وطأة العمليات العسكرية الإسرائيلية المستمرة.
ومن خلال شهادات الجنود، يتضح أن التوسع في المنطقة العازلة يشكل جزءًا من استراتيجية إسرائيلية شاملة تهدف إلى تدمير البنية التحتية للقطاع وتهجير السكان.
الدمار الهائل الذي خلفته هذه العمليات يعكس حجم المعاناة التي يواجهها الفلسطينيون في غزة، حيث تحولت المنطقة إلى ساحة معركة مفتوحة تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة الإنسانية.
ولقد خلفت هذه السياسات العسكرية آثارًا مدمرة ليس فقط على المستوى العسكري بل أيضًا على المستوى الإنساني، مع تصاعد أعداد الضحايا والمشردين.
وفي ظل استمرار هذه العمليات، يبقى الأمل في وقف التصعيد العسكري وتحقيق حل سياسي يوفر للمدنيين الفلسطينيين حقوقهم الأساسية في السلام والأمن بعيدًا عن آلة الحرب.