مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

علاء شاهين صالحة يكتب: «هل يوقف غضب الأسواق حروبَ ترمب التجارية؟»

نشر
علاء شاهين صالحة
علاء شاهين صالحة

من الصعب على أي سياسي غربي منتخب الصمود في وجه انهيار حادّ وطويل لأسواق المال دون تحمل العواقب. الرئيس الأميركي دونالد ترمب ليس استثناء من هذه الحالة. لكن السؤال المهم هنا هو ما إذا كان سيتراجع عن تعريفاته الجمركية أو يعدل منها بصورة أو بأخرى قبل أن تؤدي إلى ركود اقتصادي في الولايات المتحدة والعالم.

قرارات ترمب الأخيرة بفرض رسومٍ جمركية على نحو 60 دولة أدَّت إلى تراجع المؤشر الرئيسي للأسهم الأميركية 10 في المائة على مدار يومي الخميس والجمعة الماضيين، خاصة بعد تصريحات رئيس المصرف المركزي الأميركي «الاحتياطي الفيدرالي» جيروم باول، والتي عزَّز فيها من مخاوف ارتفاع معدل التضخم، وهو ما يقلل من فرص خفض أسعار الفائدة في الولايات المتحدة والعالم.

خسائر كهذه لن تدفع ترمب إلى العدول عن سياساته. غير أن تحليلاً لردود فعل الأسواق تجاه قرارات اقتصادية مثيرة للجدل منذ عهد الرئيس جون كيندي في أوائل الستينات وحتى اليوم (استعنتُ فيه بأدوات الذكاء الاصطناعي) يُظهر أن تراجع الأسهم الأميركية بنحو 20 في المائة أو أكثر قليلاً عادةً ما يُجبر السياسيين على التفكير مرة أخرى أو البحث عن مَخرج لائق.

فترة ترمب الرئاسية الأولى تمنحنا بعض المؤشرات. مع فرضه أولى التعريفات الجمركية ضد الصين، انهار مؤشر إس آند بي 500 بأكثر من 19 في المائة بين سبتمبر (أيلول) 2018 وديسمبر (كانون الأول) من العام نفسه، قبل الإعلان عن وقف الإجراءات لمدة 90 يوماً. تراجعت الأسواق مرة أخرى في منتصف عام 2019، بعد عودة الصراع التجاري بين البلدين، قبل أن يعلن ترمب إيقاف بعضٍ منها، وتوصُّله لاتفاق «المرحلة الأولى» مع الصين في بداية العام التالي. من المهم الإشارة هنا إلى أن ترمب لم يتراجع عن كل الإجراءات، كما أنه لم يعترف بأي خطأ، بل ألقى باللائمة على بكين وباول مع كل تراجع كبير في أداء الأسواق. معركة الرئيس الجديدة مع حاكم مصرفه المركزي بدأت بالفعل يوم الجمعة، عندما طالبه بخفض أسعار الفائدة «والتوقف عن اللعب السياسي».

هذا يعني أن ترمب سيحاول البحث عن أي مكاسب تجارية أو اقتصادية، مهما كانت صغيرة، لإعلان انتصاره على شركاء بلاده التجاريين، قبل تعديل أي من قراراته، هذه المرة أيضاً.

لكن ما يجعل الأمر أكثر تعقيداً أن ترمب، هذه المرة، وخلافاً لما كانت عليه الأمور عام 2020، لا يستطيع الاعتماد على تعاون باول؛ لأن معدل التضخم لا يزال أعلى من مستهدفات «الفيدرالي». ومن ثم فإن الزيادة المحتملة لأسعار المستهلكين بسبب التعريفات الجمركية قد تؤدي لرفع أسعار الفائدة أو لإبقائها عند مستوياتها الحالية لفترة أطول، حتى مع تراجع معدل نمو الاقتصاد. ارتفاع معدل التضخم ومعدل البطالة في الوقت نفسه قد يُعرّض ترمب لانتقادات من أنصاره في الداخل، ويضعه تحت ضغطٍ يُجبره على التراجع.

مواجهات الساسة الأميركيين مع حكّام المصرف المركزي وأسواق المال ليست مضمونة النتائج. لم يُصَب الرئيس رونالد ريغان بالذعر عند تراجح سوق الأسهم لأكثر من 20 في المائة في عام 1981، لكنه عدل من سياساته الضريبية بالفعل في العام التالي. لم يتمتع جورج بوش الأب بالحظ نفسه، فخسر الانتخابات أمام بيل كلينتون، بعد أن حنث بوعده الانتخابي بعدم زيادة الضرائب وفشل في إقناع رئيس «الاحتياطي الفيدرالي» وقتذاك آلان غريسنبان بخفض أسعار الفائدة.

جاء كلينتون بخطط تهدف إلى زيادة الإنفاق الحكومي، لكنه عدَل عنها بناءً على نصيحة مساعديه الذين حذروه من رد فعل غاضب لمستثمري سوق السندات. في بريطانيا لم تجد رئيسة الوزراء ليز تراس مَن يحذرها من عواقب مجموعة من القرارات الكارثية في عام 2022 فأدت خسائر السندات الحكومية والجنيه الإسترليني إلى استقالتها من منصبها بعد أقل من 50 يوماً على تولِّيها السلطة.

لن يلقى ترمب مصير تراس نفسه، فموقفه داخلياً ودولياً أقوى بكثير رغم الانتقادات اليومية التي يتعرض لها، ولكنه لا يتمتع بقوى خارقة تجعله قادراً على مواجهة غضب الأسواق إلى الأبد.

 نقلًا عن صحيفة «الشرق الأوسط».