علي محمد الحازمي يكتب: «منظمة التجارة العالمية في عداد الموتى !»

سياسة «أمريكا أولاً» التي تنتهجها إدارة ترمب، نتج عنها أحداث اقتصادية ومالية تعصف بالعالم في الوقت الحالي عنوانها العريض «تعريفات جمركية»، تؤكد تراجع مصداقية منظمة التجارة العالمية باطراد على مدار العقد الماضي. فبعد أن كانت تُعتبر حجر الأساس للنظام التجاري العالمي، تجد نفسها الآن تحت رحمة القومية الاقتصادية المتصاعدة، والحروب التجارية، والشلل المؤسسي. في ظل غياب نظام فعال لتسوية النزاعات، ضعفت قدرة منظمة التجارة العالمية على إنفاذ قواعد التجارة الحرة بشكل كبير، مما جعل حل النزاعات التجارية الدولية بفعالية شبه مستحيل.
أصبحت منظمة التجارة العالمية الآن مُقيدة بالمناورات السياسية وعدم رغبة الاقتصادات الكبرى في الالتزام بقراراتها. وهنا لا بد من بيان أن منظمة التجارة العالمية تهدف لمنع النزاعات التجارية وضمان تكافؤ الفرص، لكنها عجزت في مواجهة الحروب التجارية التي شنتها العديد من الدول. وقد أكد على ذلك لجوء بعض الدول إلى فرض تعريفات جمركية أحادية الجانب وإجراءات انتقامية، بدلًا من استخدام إطار عمل منظمة التجارة العالمية.
التعريفات الجمركية التي بدأتها إدارة ترمب على العديد من الدول وقُوبلت برد مماثل من بعض الدول، كشفت عجز منظمة التجارة العالمية عن التوسط أو تقديم حلول فعّالة، مما يؤكد تراجع أهميتها في عصر تُفضّل فيه القوى الاقتصادية العظمى المفاوضات الثنائية والإقليمية على التعددية. أدّت الحرب التجارية السابقة والحالية إلى انهيار أوسع للثقة في قدرة المنظمة على إنفاذ قواعد التجارة العالمية، مع تزايد اعتماد الدول الأخرى لسياسات حمائية. لقد تزامن ركود منظمة التجارة العالمية مع صعود اتفاقيات التجارة الإقليمية، مثل اتفاقية الشراكة الشاملة والتقدمية عبر المحيط الهادئ والشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة.
هذا التحول نحو الإقليمية قوض سلطة منظمة التجارة العالمية، حيث تجد الدول الآن أنه من الأفضل التفاوض على شروط التجارة خارج النظام متعدد الأطراف. الدول النامية، التي كانت تأمل أن تعالج منظمة التجارة العالمية التفاوتات التجارية، تشعر الآن بأنها لم تحصل على ما تستحقه. ونتيجة لتلك العوامل، أدى فشل منظمة التجارة العالمية في الوفاء بوعودها إلى تأجيج الاستياء وتآكل الثقة بين الاقتصادات الناشئة. في ظل شلل نظام تسوية النزاعات في منظمة التجارة العالمية، وتهميش الاقتصادات الكبرى له من خلال الحروب التجارية والاتفاقيات الإقليمية، وفقدان الدول النامية ثقتها بوعودها، تواجه المنظمة أزمة وجودية.
لقد تقوّضت المبادئ الأساسية لمنظمة التجارة العالمية، المتمثلة في التجارة الحرة والمنافسة العادلة، بفعل الإجراءات الحمائية، والسياسات التجارية الإستراتيجية، وتنامي القومية الاقتصادية. إذا لم تخضع منظمة التجارة العالمية لإعادة هيكلة جوهرية وتستعيد سلطتها، فإنها حتماً آيلة للسقوط. ووفقا لتلك الرؤية، فإن إحياء هيئة الاستئناف، وتطبيق قواعد التجارة بفعالية، وضمان منافع عادلة للدول المتقدمة والنامية على حد سواء، من شأنه أن يُسهم في استعادة شرعيتها. إن معالجة التشوهات التجارية الناجمة عن صراعات القوى العظمى، خطوات ضرورية لمنع منظمة التجارة العالمية من أن تصبح غير ذات صلة. ومع ذلك، يتطلب هذا إرادة سياسية قوية من قادة العالم، وهو أمر لا يزال بعيد المنال. مع بلوغ منظمة التجارة العالمية عامها الثلاثين، تواجه واقعاً قاسياً، إما التكيف أو التلاشي. إذا لم تُتخذ إصلاحات عاجلة، فقد يشهد النظام التجاري العالمي قريباً زوال مؤسسة كانت تُعتبر في يوم من الأيام لا غنى عنها.
نقلًا عن صحيفة «عكاظ» السعودية.