مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

التطورات الاستراتيجية في غزة.. تصعيد الحرب والتحولات السياسية والتحديات الإنسانية

نشر
الأمصار

منذ اندلاع الحرب في قطاع غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023، تشهد المنطقة تحولات استراتيجية خطيرة على الصعيدين العسكري والسياسي. 

وبعد أشهر من الهدوء النسبي، دخلت الحرب مرحلة جديدة تميزت بتصعيد حاد وتغير في الأهداف الإسرائيلية، والتي تسعى الآن إلى تنفيذ سياسة أكثر تطرفاً على الأرض. 

وهذه التطورات تأتي في وقت يعاني فيه القطاع من أزمة إنسانية خانقة تزداد تعقيداً مع كل يوم يمر.

التطورات الاستراتيجية في غزة

وفي الوقت الذي تتشابك فيه المصالح العسكرية والداخلية للحكومة الإسرائيلية، يبدو أن الأوضاع في غزة باتت رهينة موازين القوى السياسية الداخلية، خاصة مع تصاعد مطالبات اليمين الإسرائيلي بتوسيع العمليات العسكرية وتهجير السكان الفلسطينيين. 

وهذا التوجه لا يعكس فقط أهدافًا عسكرية بل أيضًا مخططًا لتغيير الواقع الديموغرافي في غزة، وهو ما يقوض جهود السلام الإقليمية والدولية.

ومن جهة أخرى، تلعب التحركات الدولية، ولا سيما الجهود الأمريكية والضغوط على الأطراف المعنية، دورًا محوريًا في تحديد مسار الأزمة. 

بينما تسعى الولايات المتحدة للضغط من أجل إحياء مفاوضات السلام، تواجه الإدارة الإسرائيلية انتقادات متزايدة من المجتمع الدولي بسبب استهداف المدنيين وأثر الحصار الذي يهدد حياة الملايين في غزة.

وفي ظل هذه الأوضاع المعقدة، يظل الحل السياسي بعيد المنال، مما يجعل الآمال في التوصل إلى تهدئة دائمة تواجه تحديات جمة في ظل تصاعد التحركات العسكرية والسياسية داخل غزة ومن حولها.

مرحلة ثانية من الحرب: أهداف تكتيكية جديدة

وبعد مرور 17 شهراً على بداية الحرب، انتقلت إسرائيل إلى ما يمكن اعتباره المرحلة الثانية من العمليات العسكرية في غزة. 

المرحلة الأولى من الحرب التي انطلقت في أكتوبر 2023 كانت تهدف بشكل رئيسي إلى استعادة الردع، وتحرير الرهائن، وتدمير البنية العسكرية لحركة حماس.

 أما الآن، فقد تغيرت الأولويات مع التركيز على توسيع العمليات العسكرية بهدف تحقيق أهداف استراتيجية طويلة المدى، مثل السيطرة على الأراضي المحاذية للحدود وإنشاء "مناطق عازلة".

وتحت قيادة رئيس الأركان الإسرائيلي الجديد، إيال زامير، تم تبني تكتيك هجومي جديد يقوم على شن عمليات عسكرية مكثفة تستهدف مناطق في غزة، وتوسيع نطاق السيطرة على الأراضي. 

كما يسعى الجيش الإسرائيلي إلى ممارسة ضغط كبير على المدنيين من خلال السيطرة على توزيع المساعدات الإنسانية، مما يفاقم الأوضاع الإنسانية في القطاع.

ومع استمرار العمليات العسكرية، فإن الجهود الإسرائيلية تبقى متسارعة نحو تأمين الاستيطان في الأراضي التي تم السيطرة عليها، وهو ما يثير القلق في الأوساط الدولية حول نوايا تل أبيب المستقبلية بشأن مصير غزة وسكانها.

أجندة أقصى اليمين: تهجير وتغيير ديموغرافي

لم يعد الصراع في غزة محصورًا في إطار عمليات عسكرية فقط، بل أصبح أكثر ارتباطًا بالتحولات السياسية في إسرائيل، خصوصًا في ظل تأثير أحزاب أقصى اليمين في الائتلاف الحاكم. 

وهذه الأحزاب ترى في الحرب أداة لتحقيق أهداف أبعد من مجرد القضاء على حماس، إذ تسعى إلى تنفيذ سياسة تهجير جماعي للفلسطينيين، بما في ذلك إنشاء مكتب رسمي لتنظيم "الهجرة الطوعية" لسكان غزة إلى دول ثالثة.

وفي هذا السياق، تشير التقارير إلى أن الحكومة الإسرائيلية قد تضع خططًا لتهجير ما يقرب من 2 مليون فلسطيني من قطاع غزة خلال العام المقبل. 

وهو ما يعني عمليًا تغييرًا جذريًا في التركيبة السكانية للقطاع الذي يعيش فيه أكثر من 2.4 مليون شخص.

 إضافة إلى ذلك، تواصل هذه الأحزاب الضغط لتوسيع الاستيطان في الأراضي التي تم السيطرة عليها، مما يثير تساؤلات حول مستقبل غزة وما إذا كانت إسرائيل تخطط لضمها بشكل رسمي.

الدور الدولي: الضغوط الأمريكية وتحديات المجتمع الدولي

على الرغم من الدعم التقليدي الذي تتلقاه إسرائيل من الولايات المتحدة، فإن هناك بوادر توتر بين الحكومة الإسرائيلية والإدارة الأمريكية الحالية برئاسة دونالد ترامب. 

حيث تسعى واشنطن إلى وقف التصعيد العسكري في غزة تمهيدًا لصفقة سلام إقليمية تهدف إلى التوصل إلى حل دائم للصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

ومع التصعيد العسكري المستمر، تُظهر الولايات المتحدة بعض الضغوط على إسرائيل للحد من الهجمات على المدنيين، خاصة في ظل الانتقادات الدولية المتزايدة ضد الهجمات التي استهدفت قوافل طبية ومدنيين في غزة، مثل الضربة التي تمت في مارس 2024. 

كما أن هناك دعوات متزايدة من المجتمع الدولي لضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى غزة دون عوائق، وسط تقارير عن تدهور الوضع الإنساني بشكل حاد.

التحديات الإنسانية: الوضع الكارثي في غزة

تتفاقم الأزمة الإنسانية في قطاع غزة بشكل مروع، حيث تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن نحو 90% من سكان القطاع يعيشون تحت خط الفقر. 

ومع توقف معظم الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه، ونقص حاد في الغذاء والدواء، يعاني السكان الفلسطينيون من ظروف قاسية.

ورغم محاولات المجتمع الدولي توفير المساعدات، إلا أن الحصار الإسرائيلي المستمر حال دون وصول الكثير من المواد الضرورية للمحتاجين. 

كما يُحرم المدنيون من المساعدات الطبية والغذائية التي يحتاجون إليها في ظل القصف المستمر وتدمير البنية التحتية، مما يهدد حياة عشرات الآلاف من الأشخاص.

وفي خضم هذه التحديات، تبقى الآمال معلقة على المجتمع الدولي للتحرك بفاعلية من أجل إنهاء الصراع، وتقديم دعم حقيقي للفلسطينيين في غزة لإعادة إعمار القطاع وتوفير احتياجاتهم الأساسية.

الوضع في غزة يبقى معقدًا ومشحونًا بالأزمات العسكرية والسياسية والإنسانية. فبينما يسعى الائتلاف الحاكم في إسرائيل لتحقيق أهداف استراتيجية قد تكون مؤذية للسلام الإقليمي، يواجه الفلسطينيون تحديات حياتية هائلة وسط القصف المستمر والحصار. 

وفي ظل هذه الظروف، تبقى الآمال في استعادة التهدئة ضعيفة، بينما تزداد الضغوط الدولية على الأطراف المعنية لإيجاد حلول سلمية لهذا الصراع الممتد.