د. عبد العزيز حمد العويشق يكتب: «سياسة ترمب للشرق الأوسط في طور التشكيل»

توفر الفترة الحالية، خصوصاً زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب للمنطقة الشهر المقبل، فرصةً للدول العربية الفاعلة للمساهمة في تشكيل تفكير الإدارة الأميركية الجديدة تجاه الشرق الأوسط، إذ يكتشف زوار واشنطن هذه الأيام أن هذه السياسة لم تأخذ شكلها النهائي بعدُ، وأن ما ظهر منها حتى الآن هو ردود فعل عفوية ومتعارضة لأحداث المنطقة، مثل حرب غزة وهجمات الحوثيين في البحر الأحمر.
أما «الضغط الأقصى» على إيران فيبدو استمراراً تلقائياً لعهد ترمب الأول. ورأينا كيف فرضت واشنطن، الأسبوع الماضي، عقوبات جديدة على متورطين في توفير مكونات لبرنامج إيران الصاروخي، مؤكدة أنها سوف تستخدم «جميع الوسائل المتاحة» لتعطيل البرامج، ثم قامت بخطوة معاكسة حين قرَّرت التفاوض مع طهران.
في اليمن، صعَّدت أميركا ضرباتها العسكرية ضد الحوثيين، بعد أن صنَّفتهم «تنظيماً إرهابياً»، وأوقعت عليهم عقوباتٍ مالية تستهدف مصادر تمويلهم وتسليحهم وحلقات الوصل مع إيران، ولكنها لم تذكر أي شيء عن الحل السياسي أو مفاوضات السلام.
وفي غزة انساق ترمب وراء سياسات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، غاضاً الطرف عن الهجمات الوحشية التي يشنها على غزة، مما دعا توم فلتشر، نائب الأمين العام للأمم المتحدة، إلى القول إن دعم واشنطن لإسرائيل أضحى غير مشروط، مما شجَّع الأخيرة على خرق الهدنة، وطرح مقترح طرد الفلسطينيين من غزة.
ففيما عدا هذه المقاربات المحدودة، لا تبدو هناك حتى الآن سياسة متماسكة تجاه المنطقة، بل تدعو واشنطن أصدقاءها إلى ملء فراغاتها الكثيرة، وهذا التشارك في حد ذاته أمر محمود.
ترمب يعتزم زيارة المملكة العربية السعودية قريباً، ستكون الزيارة الخارجية الأولى له، كما فعل في عام 2017، وهو مؤشر آخر على حرصه على استطلاع رؤى دول المنطقة. ترفع زيارة ترمب سقف التوقعات حول ما يمكن أن تقوم به أميركا وشركاؤها، وهذا يزيد من حدة الضغط على جميع الأطراف لطرح حلول مبتكرة تتناسب مع الأسلوب الجديد، غير المألوف، لإدارته.
إنهاء الحروب، وصنع السلام، هدفان معلنان لترمب، ويُقال إنه يطمح في الحصول على جائزة «نوبل للسلام». وربما كان ذلك بعيد المنال بسبب أسلوبه الصدامي. ولكن ترمب يستطيع تغيير رأيه بسرعة فائقة عندما يلزم الأمر، والولايات المتحدة في موقع فريد، بقربها من إسرائيل ومعظم الدول العربية، وهذا يمكّنها من المساهمة في تحقيق السلام، وتشكيل مستقبل المنطقة إن شاءت.
في غزة، تقول واشنطن إنه ما لم يأتِ العرب بخطة بديلة مقنعة، فقد يصبح تهجير سكانها أمراً واقعاً، لأن إسرائيل ماضية فيه، وهناك دول عدة أبدت استعدادها لاستقبالهم. ورداً على القول إن ذلك يُعدّ «جريمة حرب كاملة الأركان»، تقول الإدارة إن هذا التهجير سيكون «طوعياً».
لم تقبل الحكومة الأميركية الخطة التي تبنَّتها القمة العربية في 4 مارس (آذار) الماضي لأنها لا تتضمَّن التخلص من «حماس» في غزة، ولهذا تقترح أن يُقدِّم الجانب العربي خطةً تعالج ذلك. والحقيقة أن الخطة العربية تلبي معظم المطالب الأميركية، حيث ستتولى إدارة غزة - وفقاً للخطة - لجنةٌ لا تتبع «حماس» أو غيرها من الفصائل، وسيكون من مهامها استعادة الأمن في القطاع، والبدء في عمليات التعافي وتقديم الخدمات الأساسية، تمهيداً لإعادة توحيد القطاع مع الضفة الغربية. وعهدت القمة العربية إلى لجنة وزارية برئاسة وزير الخارجية السعودي مهمة شرح الخطة وحشد الدعم لها. ولكن إقناع الإدارة الأميركية سيكون صعباً، في ضوء الضغوط التي تتعرَّض لها الإدارة الجديدة من إسرائيل وداعميها، واستماتة اليمين الإسرائيلي لطرد الفلسطينيين من غزة.
وبالنسبة إلى إيران، أعلنت الولايات المتحدة بدء المفاوضات، وأنها سوف تكون مباشرة، إلا أنها ستُخطئ إذا كررت أسلوب الإدارات السابقة بقصر المباحثات على الملف النووي، على أهميته، من دون التطرق إلى المشاغل الأخرى مثل البرنامج الصاروخي، وملف الإرهاب، واحترام سيادة دول الجوار وخياراتها السياسية. وفي حين تنبذ دول الخليج استخدام العنف، فإنها ترى أن الدبلوماسية تكون فعالة أكثر متى ما اقترنت بدفاع قوي وردع له مصداقية، وهو ما يمكن أن توفره الشراكة مع واشنطن.
وفي اليمن، لا شك أن وقف هجمات الحوثيين في البحر الأحمر هدف مهم، ولكنه سيكون قابلاً للاستدامة إذا أصبح جزءاً من الحل السياسي، الذي تديره الأمم المتحدة. وهذا الحل ربما يحتاج الآن إلى إعادة ضبط، في ظل مستجدات عدة، مثل إعادة تصنيف الحوثيين «منظمةً إرهابيةً»، مما يجعل تنفيذ خريطة الطريق التي سبق أن قدَّمتها الأمم المتحدة صعباً للغاية، ولكن الحل السياسي يظل الضمانة الوحيدة لحل مستدام يتضمَّن وقف الهجمات في البحر الأحمر.
في الشأن السوري، تواصل الإدارة الأميركية سياسة بايدن بالتعامل الحذر مع النظام الجديد، فاجتمعت مسؤولة أميركية مع وزير خارجية سوريا في بروكسل الشهر الماضي، وسلَّمته قائمةً بالمطالب الأميركية، تتعلق بتدمير الأسلحة الكيماوية، ومكافحة الإرهاب، وتمثيل مكونات المجتمع السوري كافة في الحكم الجديد. وتبدو هذه المطالب معقولةً، لا تختلف كثيراً عمّا يتوقعه شركاؤها في المنطقة من دمشق. ولكن لكي تكون لأميركا مصداقية في هذا الأمر، عليها التسريع في رفع العقوبات وإيقاف الهجمات الإسرائيلية المتواصلة على سوريا.
وترى إدارة ترمب أن الشراكة مع دول مجلس التعاون ضرورية ومفيدة للجانبين، فقال ستيف ويتكوف، مبعوث ترمب إلى المنطقة ومستشاره المقرب، إن منطقة الخليج لم تأخذ حقها من الاهتمام، وأنها يمكن أن تصبح أكثر أهميةً للولايات المتحدة من أوروبا.
من الواضح أن ترمب يُقدِّر دور السعودية المحوري في جهود إنهاء الصراع في أوكرانيا، ودور المملكة أكبر من ذلك عندما يتعلق الأمر بفلسطين واليمن وإيران وسوريا والسودان. ويستطيع ترمب التنسيق والتشاور بشأن غزة مع مضيفيه خلال زيارته المقبلة، أو من خلال اللجنة العربية التي شكَّلتها القمة. وكذلك بالنسبة للقضية الفلسطينية، لأن السعودية هي مَن أطلقت مبادرة التحالف الدولي لحل الدولتين؛ لإحياء المبادرة العربية. وينطبق ذلك على بقية قضايا المنطقة، حيث تتمتع السعودية بمصداقية واحترام الجميع.
نقلًا عن صحيفة «الشرق الأوسط».