وليد خدوري يكتب: «تساؤلات حول حرب ترمب الجمركية»

انهمك العالم خلال الأيام الأخيرة بحرب ترمب الجمركية. فقد أدت التصريحات المتعددة والمتفرقة حول نسب التعريفات بين يوم وآخر إلى نوع من الفوضى في الأسواق. الأمر الذي يستدعي عدة أسئلة:
ما الدوافع الحقيقية وراء التعريفات الجديدة؟ هل هي فقط لتحقيق تصحيح وتوازن في ميزان المدفوعات الأميركي، بعد «اختلاله» لعقود عدة لصالح الدول المصدرة للولايات المتحدة؟ أم هي جزء من أجندة مجموعة اليمين في «الحزب الجمهوري» تشمل تغييرات جوهرية في مفهوم الأمن القومي الأميركي، المتمثل بشعار «أميركا أولاً»، والذي يشمل أيضاً «ضم» كندا، وغرينلاند، والمكسيك، وبنما... بالإضافة إلى التغييرات الجوهرية مع الأصدقاء (أوروبا وحلف الناتو) والخصوم (روسيا)، وردع الصين عن التفوق على الموقع الأول للولايات المتحدة عالمياً؟
السؤال: هل «أميركا أولاً» شعار اليمين «الحزب الجمهوري» فقط؟ وأين منه «الحزب الديمقراطي»؟ في الحقيقة إن الديمقراطيين في غيبوبة بعد الانتخابات الأخيرة. لكن، من الواضح أنهم منقسمون على أنفسهم، وبالذات حول سياسة التعريفة الجمركية. إذ إن نقابات العمال تؤيد هذه السياسة لمصلحتهم في مجالات العمل التي توفرها لهم. بينما النخبة والقيادات السياسية لـ«الحزب الديمقراطي» تعارض مجمل سياسات «أميركا أولاً».
وما سياسات التعريفة الجمركية؟ هل هي لردع الصين فقط، أم مجمل علاقات الولايات المتحدة الجمركية مع دول العالم؟ فإذا كانت لردع الصين، بإيقاف جميع صادراتها للولايات المتحدة، نتيجة زيادة نحو 152 في المائة، التي تعني فعلياً إيقاف صادرات الصين إلى الولايات المتحدة، نظراً لهذه التعريفة العالية، ناهيك من توقع الصين فرض تعريفة مماثلة على السلع الأميركية، مما سيوقف بدوره الصادرات الأميركية إلى الصين... فإن هذه التعريفات في حال إقرارها وتنفيذها ستعني توقف تجارة بين البلدين قيمتها نحو عشرات المليارات من الدولارات سنوياً. والأهم من ذلك، سيؤدي التوقف التجاري لأكبر وأهم دولتين اقتصاديتين في العالم إلى انعكاسات سلبية باهظة الثمن على دول عديدة أخرى، ناهيك من تضعضع سلسلة الإمدادات العالمية.
فإذا افترضنا أن الصين هي المقصودة بحرب التعريفة الجمركية، وهذا واضح من الزيادة الجمركية العالية التي فرضها عليها الرئيس ترمب دون غيرها من الدول، فالسؤال: ما الذي ارتكبته الصين من مخالفات للقوانين لكي تفرض عليها هذه التعريفات العالية؟ والسؤال: ما الاتفاقات والتفاهمات التي توصل إليها هنري كيسنجر في عهد الرئيس ريتشارد نيكسون الجمهوري لإحياء العلاقات بين واشنطن وبكين؟ أليس أحدها فتح أسواق الصين الضخمة للاستثمارات والصناعات الأجنبية لقاء تطبيع علاقاتها مع الولايات المتحدة و«العالم الحر»؟ فهل تعاقب الصين الآن لأنها حققت نجاحات هائلة في العلوم والصناعة والاقتصاد؟
وبحسب الرئيس ترمب، تعمل الصين على إغراق الأسواق الأميركية بالبضاعة رخيصة الثمن، وأنها تستطيع الاستمرار في هذا التنافس التجاري نظراً لانخفاض الأجور، ومستوى معيشة عمالها، مقارنة بأجور العامل الأميركي. وهذا أمر معروف. لكن يتوجب النظر أيضاً في السبب الذي تتوجه فيه الاستثمارات الأميركية والدولية الأخرى للصين، وبقية دول شرق آسيا. فالسبب الرئيس لهذه الاستثمارات هو انخفاض أجور العمال، وتوفر كوادر ضخمة من الفنيين، والخبراء المحليين في مصانع الشركات الأجنبية. من ثم، فإن ارتفاع حجم التجارة الخارجية للدول النامية، مثل الصين، وزيادة الاستثمارات الأجنبية في هذه الدول النامية سيرفعان من مستوى المعيشة، وأجور العمال، نظراً للتنافس على الأيدي العاملة من الاستثمارات الأجنبية، والتجارة الخارجية.
ركز الرئيس ترمب في انتقاداته على «الغبن» الحاصل لصناعة السيارات الأميركية، وبالذات إغراق السوق الأميركية بالسيارات الصينية منخفضة الثمن. لقد تغاضى ترمب عن تاريخ صناعة السيارات الأميركية. فقد هيمنت ديترويت على صناعة السيارات أميركياً، وعالمياً. لكن ابتداء من أوائل عقد الستينات، بدأت «تويوتا» اليابانية تنافس السيارات الأميركية في عقر دارها. وغزت «تويوتا» السوق الأميركية بسيارات أصغر حجماً من الأميركية، وأقل سعراً، ووفرت منذ اليوم الأول لها في الولايات المتحدة مراكز الخدمات لأسطول سياراتها. نافست «تويوتا» السيارات «الفارهة» لديترويت التي تحرق كميات أكثر من البنزين، وكان لهذا أثر كبير على مبيعات السيارات مع تغير أسعار النفط منذ أوائل عقد السبعينات. كما نجحت «فولكس فاغن» الألمانية صغيرة الحجم أيضاً في استقطاب الجيل الأصغر عمراً لهذه السيارات. وبعد سنوات، أعلنت مدينة ديترويت إفلاسها لإغلاق العديد من مصانعها. ورجعت أيضاً السيارات ذات الدفع الرباعي. فلا الأجور في اليابان أو ألمانيا أقل من الولايات المتحدة، ولا سياسة إغراق الأسواق ناجحة لفترة طويلة. فهذه صناعة تنافسية في أسواق يقررها المستهلك حسب الأسعار، ونوعية السيارة، والخدمات التي تقدمها الشركة.
لقد تنافست السيارات فيما بينها حسب طلب المستهلكين بين فترة وأخرى، ومن بلد إلى آخر. وتتنافس السيارات، كأي بضاعة أخرى، في تقليص تكاليف إنتاجها. إذ نجد الآن أن معظم الأدوات الاحتياطية في السيارات الأميركية يتم استيرادها من المصانع الأميركية في كندا، والمكسيك.
أثار تقلب الأسعار اليومي، بعد كل قرار، تساؤلات عدة حول إمكانية تسرب «معلومات داخلية». وقد طالب عدد من أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيين بأن تبادر الهيئات المالية المسؤولة التحقيق في هذه الإشاعات. وتملك الهيئات المالية هذه، حسب الصلاحيات الممنوحة لها، التحقيق أو عدمه.
نقلًا عن صحيفة «الشرق الأوسط».