الدبلوماسية بدل التصعيد.. «ترامب» يُجمّد خطة إسرائيلية لضرب منشآت إيران النووية

بين التصعيد العسكري والخيار الدبلوماسي، اختار الرئيس الأمريكي، «دونالد ترامب»، المسار الأقل ضجيجًا والأكثر حساسية. ففي خطوة حاسمة خلف الكواليس، جمّد «ترامب» خطة إسرائيلية وُصفت بـ"الجريئة"، كانت تستهدف ضرب «منشآت إيران النووية»، مُفضّلًا تفادي اندلاع مواجهة إقليمية كبرى قد تُشعل الشرق الأوسط بأكمله. القرار، الذي لم يخلُ من الجدل، عكس توازنًا دقيقًا بين دعم الحليف الإسرائيلي، والرغبة في احتواء طموحات طهران النووية دون اللجوء إلى القوة.
ترامب في مواجهة الضغط الإسرائيلي: لا لضرب إيران.. نعم للدبلوماسية
وفي هذا الصدد، أفادت مصادر مطلعة لصحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية، بأن «ترامب» اتخذ موقفًا حاسمًا بمنع تنفيذ خطة إسرائيلية لضرب «المنشآت النووية الإيرانية»، كان من المزمع تنفيذها في مايو المُقبل، وقرر المُضي في طريق "الدبلوماسية" بدلاً من المواجهة للتوصل إلى اتفاق يُقيّد «البرنامج النووي الإيراني».
وبحسب المصادر، جاء هذا القرار بعد أشهر من النقاشات الداخلية المُكثفة داخل الإدارة الأمريكية حول "الاستراتيجية الأنسب للتعامل مع إيران"، في وقت تُواجه فيه «طهران» تحديات كبيرة على الصعيدين العسكري والاقتصادي.

انقسام في البيت الأبيض حول إيران
وكشفت المناقشات داخل «البيت الأبيض» عن خطوط صدع بين المسؤولين الأمريكيين حول كيفية التعامل مع إيران، حيث أدى تباين الآراء بين المتشددين والمشككين في جدوى الهجوم العسكري إلى توافق مبدئي ضد التصعيد العسكري، خاصة بعد أن أبدت إيران استعدادها للدخول في مفاوضات.
وفي اجتماعات عُقدت مُؤخرًا، عبرت «تولسي جابارد»، مديرة الاستخبارات الوطنية، عن مخاوفها من أن تراكم الأسلحة الأمريكية في المنطقة قد يُشعل صراعًا أوسع مع إيران.
وشاركها هذه المخاوف كلٌ من «سوزي وايلز»، رئيسة موظفي البيت الأبيض، ووزير الدفاع «بيت هيجسيث»، ونائب الرئيس جي دي فانس، الذين أبدوا جميعهم شكوكًا حول جدوى الهجوم.
حتى «مايكل والتز»، مستشار الأمن القومي المعروف بمواقفه المتشددة تجاه إيران، كان مُتشككًا في إمكانية نجاح الخطة الإسرائيلية دون مساعدة أمريكية كبيرة.
خطط إسرائيلية لضرب المواقع النووية الإيرانية
من جهتهم، طوَّر المسؤولون الإسرائيليون، خططًا مفُصلة لمهاجمة المواقع النووية الإيرانية بهدف تأخير قدرة طهران على تطوير سلاح نووي لمُدة عام أو أكثر، وكانت مُعظم هذه الخطط تتطلب مساعدة أمريكية ليس فقط للدفاع عن إسرائيل من رد إيراني مُحتمل، بل أيضًا لضمان نجاح الهجوم الإسرائيلي نفسه، بحسب الصحيفة الأمريكية.
وكانت الخطة الإسرائيلية الأولية ستجمع بين غارات جوية ومداهمات للقوات الخاصة، وهي خطة مُشابهة ولكن أكثر طموحًا من العملية التي نفذتها إسرائيل في سبتمبر الماضي في سوريا، إلا أن القادة العسكريين الإسرائيليين أشاروا إلى أن مثل هذه العملية ستستغرق شهورًا للتخطيط، ما دفع رئيس الوزراء الإسرائيلي، «بنيامين نتنياهو»، للتحول إلى خطة تعتمد على قصف مُكثف، كان من المقرر أن تبدأ في أوائل (مايو) وتستمر لأكثر من أسبوع.
لماذا تحتاج إسرائيل إلى المساندة الأمريكية؟
يرى مسؤولون أمريكيون، أن "إسرائيل بمفردها لا يُمكنها إلحاق أضرار كبيرة بمواقع إيران النووية من خلال حملة قصف فقط".
وطالما سعت إسرائيل للحصول على أكبر قنبلة تقليدية أمريكية، وهي قنبلة خارقة للتحصينات تزن (30) ألف رطل، وهي قادرة على إلحاق أضرار كبيرة بالمواقع النووية الإيرانية المحصنة تحت الجبال.
كما كانت الولايات المتحدة بدأت بالفعل في نقل معدات عسكرية إلى الشرق الأوسط، بما في ذلك حاملة طائرات ثانية في بحر العرب، وبطاريتي باتريوت، ونظام الدفاع الصاروخي المعروف باسم "ثاد"، بالإضافة إلى نحو نصف دستة من قاذفات (B-2) القادرة على حمل قنابل تزن (30) ألف رطل ضرورية لتدمير برنامج إيران النووي تحت الأرض.
ترامب يُفضّل الدبلوماسية
وفي وقت سابق من هذا الشهر، أبلغ «ترامب» إسرائيل بقراره بعدم دعم الهجوم، وناقش الأمر مع نتنياهو خلال زيارته واشنطن الأسبوع الماضي، حيث استخدم اجتماع المكتب البيضاوي للإعلان عن بدء محادثات مع إيران.
وفي تصريح ألقاه باللغة العبرية بعد الاجتماع، قال «نتنياهو»: إن الاتفاق مع إيران سينجح فقط إذا سمح للموقِّعين عليه "بالدخول وتفجير المنشآت وتفكيك جميع المعدات، تحت إشراف أمريكي وبتنفيذ أمريكي".
وبينما كان «نتنياهو» لا يزال في البيت الأبيض، أوضح «ترامب»، له أنه لن يُقدم دعمًا أمريكيًا لهجوم إسرائيلي في مايو أثناء سير المفاوضات.
ضغوط نتنياهو على ترامب
وفي ضغطه على «ترامب» للانضمام إلى هجوم، يُكرر «نتنياهو» نفس النقاش الذي أجراه مع الرؤساء الأمريكيين على مدار ما يقرب من عقدين، ومع استمرار رفض نظرائه الأمريكيين، لجأ «نتنياهو» إلى عمليات التخريب السرية ضد منشآت محددة واغتيال علماء نوويين إيرانيين.
وعلى الرغم من أن هذه الجهود ربما أبطأت البرنامج، إلا أنه الآن أقرب من أي وقت مضى من القدرة على إنتاج ستة أسلحة نووية أو أكثر في غضون فترة قصيرة.
تزايد حدة التوتر
وأشارت «نيويورك تايمز»، إلى أن المسؤولين الإيرانيين أبدوا انفتاحهم على إجراء محادثات غير مباشرة من خلال وسيط.
ففي مارس، بعث «ترامب» رسالة تعرض محادثات مباشرة مع إيران، وبدا أن المرشد الأعلى الإيراني «علي خامنئي» رفضها، لكن في (28) مارس، أرسل مسؤول إيراني كبير رسالة تُشير إلى الانفتاح على محادثات غير مباشرة.
وقال «محمد باقري»، رئيس القوات المسلحة الإيرانية، في خطاب ألقاه في (6) أبريل، إن إيران لا تُريد الحرب وترغب في حل المأزق من خلال الدبلوماسية، لكنّه حذر من أن "ردنا على أي هجوم على سيادة الجمهورية الإسلامية سيكون قويًا وحاسمًا".
تعدد المسارات المُحتملة
ونوهت الصحيفة الأمريكية، إلى أنه لا يزال هناك نقاش كبير داخل «فريق ترامب» حول طبيعة الاتفاق المقبول مع إيران، وأرسلت الإدارة إشارات متضاربة حول شكل الاتفاق المطلوب والعواقب المُحتملة إذا فشلت طهران في الموافقة.
وبعد زيارة «نتنياهو»، كلف «ترامب»، مدير وكالة المخابرات المركزية «جون راتكليف»، بالسفر إلى إسرائيل للقاء نتنياهو ورئيس جهاز الموساد لمناقشة خيارات التعامل مع إيران.
وإلى جانب المفاوضات والضربات العسكرية، تمت مناقشة العمليات الإسرائيلية السرية بدعم أمريكي وتطبيق عقوبات أكثر صرامة.
وأكد «براين هيوز»، المتحدث باسم مجلس الأمن القومي، أن الإدارة ملتزمة بسياسة «ترامب» تجاه إيران وجهوده "لضمان السلام والاستقرار في الشرق الأوسط"، مُضيفًا: "كان الرئيس ترامب واضحًا: لا يُمكن لإيران امتلاك سلاح نووي، وجميع الخيارات مطروحة على الطاولة.. أذن الرئيس بإجراء مناقشات مع إيران لتوضيح هذه النقطة، لكنه أوضح أيضًا أن هذا لا يُمكن أن يستمر إلى أجل غير مسمى".
أمريكا تدعم إسرائيل بشحنة ضخمة من الأسلحة لتأمين العمليات في غزة ومواجهة إيران
في خطوة داعمة لإسرائيل، قامت «الولايات المتحدة» بتزويد جيش الاحتلال بـ(13) ألف قطعة ذخيرة جوية، في إطار تعزيز قدرتها على تأمين العمليات العسكرية في «غزة»، بينما تُواصل التحضير لاحتمالات تصعيد مع «إيران».
وفي هذا الصدد، أفادت صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية، اليوم الثلاثاء، بأن «الجيش الإسرائيلي» يستعد لاستلام شحنة ضخمة من الذخائر والأسلحة الجوية من «الولايات المتحدة»، في خطوة تهدف إلى تعزيز قدراته العسكرية في المنطقة.
تفاصيل الشحنة الأمريكية الجديدة لإسرائيل
وتشمل الشحنة أكثر من (3) آلاف قطعة ذخيرة لسلاح الجو، ضمن الاستعداد لعمليات عسكرية مُوسعة في قطاع غزة، واحتمال مواجهة عسكرية مع إيران.
وبحسب الصحيفة العبرية، فإن الشحنة التي تمت الموافقة عليها حديثًا من قِبل الحكومة الإسرائيلية، تأتي في سياق رفع مستوى الجاهزية القتالية لسلاح الجو، في ظل استمرار التصعيد في غزة، وتحضير القيادة الجنوبية لعملية واسعة النطاق.
كما أشار التقرير إلى أن إسرائيل ستحصل أيضًا على أكثر من (10) آلاف قطعة سلاح جوي إضافي تشمل صواريخ وذخائر مُوجهة، كانت مُجمّدة خلال إدارة الرئيس الأمريكي «جو بايدن»، قبل أن يتم رفع التجميد عنها عقب تولي «دونالد ترامب» الرئاسة مُجددًا.
وتأتي هذه الشحنات بعد قتال مُطول ومُتعدد الجبهات خلال العام والنصف الماضيين، حيث تسعى إسرائيل إلى تجديد مخزونها العسكري وتعزيز قدرتها الهجومية.
أمريكا تُوافق على صفقات أسلحة لإسرائيل بقيمة 7.41 مليار دولار
وفي السياق ذاته، أعلنت «وكالة التعاون الأمني الدفاعي الأمريكية»، أن وزارة الخارجية الأمريكية وافقت على صفقات أسلحة لإسرائيل بقيمة (7.41) مليار دولار، تشمل بيع قنابل موجهة ومعدات عسكرية متطورة، في إطار دعم قدرات إسرائيل الدفاعية.
وتم إخطار الكونجرس بهذه الصفقات، والتي تتضمن شراء (3) آلاف صاروخ من طراز "هيلفاير" (AGM-114) بتكلفة تصل إلى (660) مليون دولار، إلى جانب (2166) قنبلة مُوجهة من الطراز نفسه.
ومن المتوقع أن تبدأ عمليات التسليم الفعلية في عام (2025)، بينما سيتم تسليم صواريخ "هيلفاير" تحديدًا بحلول عام (2028). وستأتي الأسلحة من المخزونات الأمريكية الحالية، ومن شركات دفاعية كبرى مثل "لوكهيد مارتن، وبوينغ، وL3Harris".
وأشار بيان البنتاجون إلى أن هذه الصفقة "لن تُغيّر موازين القوى في المنطقة، لكنها ستُعزز قدرة إسرائيل على الدفاع عن حدودها وسكانها والبنية التحتية الحيوية لديها."
كما شددت وزارة الخارجية الأمريكية على أن هذه الصفقات تتماشى مع السياسة الأمريكية في الحفاظ على تفوق إسرائيل العسكري النوعي، مُضيفة أن الأسلحة الجديدة ستدمج بسهولة ضمن منظومة الدفاع الإسرائيلية، دون أن تُؤثر على الجاهزية العسكرية للقوات الأمريكية.
صفقات أسلحة أمريكية لإسرائيل بقيمة 12 مليار دولار في عهد ترامب
يأتي هذا الإعلان في إطار تعزيز الدعم العسكري الأمريكي لإسرائيل، فمنذ تولي إدارة الرئيس «دونالد ترامب» وافقت الولايات المتحدة على صفقات أسلحة لإسرائيل بقيمة إجمالية بلغت (12) مليار دولار.
هذا وأعلنت وزارة الخارجية الأمريكية، مطلع مارس الماضي الموافقة على بيع معدات عسكرية متطورة لإسرائيل تشمل قنابل ومعدات هدم وجرافات وأسلحة أخرى بقيمة نحو ثلاثة مليارات دولار لإسرائيل، مُتجاوزة بذلك آلية الرقابة التقليدية للكونجرس عبر بند الطوارئ.
ومن المقرر أن تبدأ عمليات تسليم هذه الأسلحة في عام (2026)، بينما ستصل الجرافات في عام (2027).
وتأتي هذه الصفقة عقب موافقة سابقة على بيع ذخائر موجهة وقنابل لإسرائيل بقيمة (7.41) مليار دولار، ما يرفع إجمالي الصفقات العسكرية الأمريكية لإسرائيل إلى أكثر من (8) مليارات دولار منذ بداية العام.
إسرائيل تُخطط لهجمات واسعة على منشآت إيران النووية مُستغلّة وجود «ترامب» والتحولات الإقليمية
وسط تحولات إقليمية مُتسارعة، تتجه الأنظار إلى «إسرائيل»، التي تُخطط لتنفيذ هجمات واسعة على «المنشآت النووية الإيرانية»، في وقت تشهد فيه «طهران» ضعفًا غير مسبوق على المستوى الإقليمي، حيث كشفت «تقارير استخباراتية أمريكية»، عن مؤشرات قوية حول استعدادات عسكرية إسرائيلية، ما يُثير تساؤلات حول تداعيات هذه الخطوة على المنطقة بأسرها.