سمير عطا الله يكتب: مفكرة القرية.. القرد وعايدة

قساة، أهل القرى، أحياناً قساة، وبغير قصد، ومفرداتهم قليلة، والويل لمن وضعت عليه كنية جارحة، فإنها سوف تعيش معه مثل جرح مفتوح.
هو، كان اسمه فؤاد. كنيته، المسكين البائس، «السعدان»... أي القرد. نسي الجميع أنه كان له اسم، وصاروا يشيرون إليه بالسعدان. فؤاد السعدان. وكان اسم زوجته عايدة. وكانا من غير أولاد. ربما رأفة من خالق الخلق.
كان فؤاد، أسمر البشرة، أجعد الوجه، بائساً كان فؤاد، عيناه غائرتان، إذا تكلم سمعت صوته وصداه معاً، ولا يخلع طربوشه لكي لا يفقد شيئاً من وقاره، وكان يمشي متثاقلاً متفاخراً علّه يخفي شيئاً من هزيمة الشكل. لكن الشكل غلاّب، وأهل القرى قساة. وعندما يعبر السعدان المسكين مشواره اليومي من بيته إلى دكان الإسكافي، يشعر في داخله وكأن جميع الأودية تسير خلفه هاتفة «فؤاد السعدان».
عايدة، لا تخرج إلا قليلاً. وإذا خرجت، فإلى الحديقة الصغيرة المزروعة كلها بنعناع وبقدونس وسائر الكلوروفيلات. نسيت أن أذكر أن عايدة طويلة القامة، كئيبة الملامح، ولا تخلع منديلها الأسود. ولا تحضر الأعراس. وتتحاشى، ما استطاعت، أن تمشي إلى جانب زوجها لكي لا يبدو المنظر مضحكاً. دائماً بعيدة عنه نحو مترين، خلفه، أو أمامه. أما هو فكما لو أنه وضع أمامه مرآة يمشي خلفها. لا ينقص السعدان سوى أن يكون فوق الشجرة، بدل أن يكون تحتها.
يعطي فؤاد الانطباع بأنه جاف ومتعجرف، وهو بسيط ومسكين ومظلوم بشكله وكنيته. والمسافة بينه وبين عايدة طويلة. وصامتة. وممتلئة عزلة وضجراً وخواء، وأفكاراً مسدودة مثل الأنفاق الرطبة. بيته كئيب على طرف الضيعة، مملوء بالأسئلة: لماذا ولد على هذه الصورة؟ لماذا تزوج تلك القامة؟ لماذا لم يلق في حياته عملاً يعمله؟ لماذا ظلم هذه المرأة وأبقاها من دون عقب؟ أو لعل هي عاقر، لا تحمل.
تتشارك القرية كلها في طرح الأسئلة. ثم تلقي بعبارات الشفقة على الرجل، دائماً بالإشارة إليه بلقبه. أبداً باسمه.
نقلًا عن صحيفة «الشرق الأوسط».