هدنة مؤقتة لعيد الفصح.. فهل يتغير مسار الحرب الروسية الأوكرانية؟

شهدت الحرب الروسية الأوكرانية، التي بدأت في 24 فبراير 2022، تصعيدًا كبيرًا في الأشهر الأخيرة، حيث استمرت المعارك العنيفة على عدة جبهات رغم التحركات الدبلوماسية والدعوات الدولية لوقف إطلاق النار. 

 هدنة قصيرة الأمد بمناسبة عيد الفصح

ومع إعلان روسيا عن هدنة قصيرة الأمد بمناسبة عيد الفصح الأرثوذكسي في أبريل 2025، برزت تساؤلات حول ما إذا كانت هذه الهدنة قد تكون بداية لتهدئة طويلة الأمد أو مجرد توقف مؤقت قبل تصعيد جديد. يتناول هذا التقرير تحليلًا دقيقًا للوضع الحالي ومستقبل الحرب بعد انتهاء الهدنة.

 خلفية الهدنة ودوافعها

أعلنت موسكو عن هدنة قصيرة لمدة 36 ساعة بمناسبة عيد الفصح الأرثوذكسي، وهو أحد أهم الأعياد الدينية لدى الطائفة الأرثوذكسية التي تشكل الغالبية السكانية في كل من روسيا وأوكرانيا. جاءت هذه الخطوة بعد ضغوط دولية ومطالبات من الكنيسة الأرثوذكسية الروسية، التي دعت إلى وقف القتال خلال الأيام المقدسة.

على الجانب الأوكراني، رفضت كييف بشكل رسمي الالتزام بهذه الهدنة، متهمة روسيا باستخدامها كذريعة لتحقيق مكاسب تكتيكية على الأرض وإعادة تنظيم القوات. وأشار الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى أن أي هدنة حقيقية يجب أن تكون شاملة ومبنية على انسحاب القوات الروسية من الأراضي الأوكرانية.

زيلينسكي: نيران المدفعية الروسية لم تتوقف رغم هدنة عيد الفصح

أكد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أن نيران المدفعية الروسية لم تتوقف رغم إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وقف إطلاق النار في أوكرانيا خلال عيد الفصح.

وكتب زيلينسكي على منصة "إكس" للتواصل الاجتماعي، نقلا عن تقرير من القائد الأعلى للقوات المسلحة الأوكرانية: "لا يزال بالإمكان سماع صوت المدفعية الروسية في اتجاهات معينة من الجبهة، بغض النظر عن وعد الرئيس الروسي بالهدوء".

وتابع: "إن تصريحات بوتين لم تمتد إلى منطقتي كورسك وبيلجورود في عيد الفصح. فالأعمال العدائية مستمرة، والضربات الروسية مستمرة".

 الوضع العسكري قبل وبعد الهدنة

 التقدم الروسي

منذ بداية العام 2023، شنت روسيا هجمات كبيرة في المناطق الشرقية، خاصة في منطقة دونباس (لوغانسك ودونيتسك)، حيث تمكنت من تحقيق تقدم طفيف لكنه مكلف.
 القوات الروسية تعتمد بشكل كبير على الحرب الاستنزافية، مع التركيز على السيطرة على خطوط الإمداد الأوكرانية وتدمير البنية التحتية الحيوية.
الهدنة أعطت روسيا فرصة لإعادة تجميع قواتها وتوفير الراحة للجنود الذين يعانون من الإجهاد بسبب الحرب المستمرة.

 التقدم الأوكراني

- أوكرانيا واصلت تلقي الدعم العسكري الغربي، بما في ذلك الدبابات الثقيلة مثل "ليوبارد 2" الألمانية و"تشالنجر 2" البريطانية، بالإضافة إلى الأنظمة الدفاعية المتقدمة.
- الجيش الأوكراني يستعد لهجوم مضاد كبير في الربيع والصيف، مع التركيز على استعادة الأراضي المحتلة في الجنوب والشرق.
- الهدنة لم تمنع أوكرانيا من الاستمرار في تطوير خططها الهجومية، حيث استغلت فترة التوقف لتعزيز قدراتها اللوجستية.

الآثار السياسية والإنسانية للهدنة

رغم قصر مدة الهدنة، أظهرت انقسامات داخل المعسكر الروسي، حيث تساءل البعض عن جدوى استمرار الحرب وما إذا كان من الأفضل البحث عن حلول دبلوماسية.
من جهة أخرى، استمرت الدول الغربية في تقديم الدعم لأوكرانيا، مما يعكس استمرار الانقسام الدولي بشأن القضية.
وتحاول  الصين، التي تلعب دور الوسيط بين الطرفين، قد تستغل الهدنة لتعزيز جهودها الدبلوماسية، خاصة بعد إصدارها خطة سلام من 12 نقطة.

 الآثار الإنسانية
الهدنة، وإن كانت قصيرة، ساهمت في تخفيف معاناة المدنيين في المناطق المتضررة، حيث تمكنت بعض العائلات من مغادرة مناطق النزاع والحصول على المساعدات الإنسانية.
 ومع ذلك، فإن الهدنة لم تكن كافية لإصلاح الأضرار الكبيرة التي لحقت بالبنية التحتية، مثل محطات المياه والكهرباء، والتي لا تزال تعاني من نقص الخدمات.

 السيناريوهات المستقبلية للحرب
بناءً على التطورات الأخيرة، يمكن رسم ثلاثة سيناريوهات محتملة لمستقبل الحرب:

 السيناريو الأول: استمرار الحرب والاستنزاف
- هذا هو السيناريو الأكثر ترجيحًا، حيث يبدو أن الطرفين غير مستعدين للتفاوض على تسويات سياسية في الوقت الحالي.
- روسيا ستواصل الضغط عسكريًا في الشرق، بينما ستستعد أوكرانيا لهجوم مضاد قد يكون حاسمًا في تحديد مسار الحرب.
- مع استمرار الدعم الغربي لأوكرانيا، قد تستمر الحرب لأشهر أو حتى سنوات، مما يؤدي إلى استنزاف أكبر للطرفين.

السيناريو الثاني: تسوية دبلوماسية
 قد تؤدي الضغوط الدولية والإقليمية إلى إعادة إطلاق المفاوضات بين الطرفين، خاصة إذا تعرضت روسيا لخسائر كبيرة في الهجوم الأوكراني المرتقب.
ومع ذلك، فإن التوصل إلى تسوية دائمة يبدو صعبًا في ظل المواقف المتشددة من الجانبين، حيث تصر روسيا على الاحتفاظ بالأراضي التي ضمتها، بينما تطالب أوكرانيا باستعادة جميع أراضيها.

 السيناريو الثالث: التصعيد النووي أو الدولي
في حال فقدت روسيا السيطرة على الجبهات الرئيسية، قد تلجأ إلى استخدام أسلحة أكثر تدميرًا أو حتى التهديد باستخدام الأسلحة النووية التكتيكية.
 هذا السيناريو قد يؤدي إلى تصعيد دولي، حيث قد تتدخل قوى غربية مباشرة في النزاع، مما يزيد من خطر اندلاع حرب عالمية.

الهدنة المؤقتة بمناسبة عيد الفصح لم تغير بشكل جوهري مسار الحرب الروسية الأوكرانية، حيث استمرت التوترات والتحضيرات العسكرية على الجانبين. ومع ذلك، فإن الفترة المقبلة ستكون حاسمة في تحديد مصير النزاع، خاصة مع الهجوم الأوكراني المرتقب واستمرار الدعم الغربي.