مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

القمة الروسية العربية 2025.. ملفات ساخنة على طاولة المباحثات

نشر
الأمصار

في تطور جديد يعكس حجم التحولات في السياسة الخارجية الروسية، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن استضافة بلاده قمة روسية عربية خلال عام 2025، في خطوة لافتة تأتي في خضم التوتر المتصاعد بين موسكو والغرب، على خلفية استمرار الحرب في أوكرانيا.

جاء إعلان بوتين خلال لقائه سلطان عمان، هيثم بن طارق آل سعيد، في الكرملين، وهو أول لقاء من نوعه بين الطرفين منذ تأسيس العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.

القمة الروسية العربية 2025

 القمة المرتقبة، بحسب تصريحات بوتين، تأتي بدعم من الدول العربية، وتهدف إلى توطيد العلاقات السياسية والاقتصادية بين روسيا والعالم العربي في ظل الظروف الجيوسياسية الراهنة.

بوتين يمد اليد للعرب

قال الرئيس الروسي خلال لقائه بالضيف العماني: "ننوي تنظيم قمة بين روسيا والدول العربية هذا العام، وهناك تأييد واضح من الأصدقاء في العالم العربي لهذه المبادرة". وأكد أن القمة المنتظرة ستكون الأولى من نوعها، وستُشكل منصة لتبادل الرؤى وتعزيز التعاون متعدد الأطراف.

ويبدو أن موسكو، التي تتجه بشكل متسارع نحو تعزيز علاقاتها مع دول آسيا وإفريقيا والعالم العربي، تسعى من خلال هذه الخطوة إلى بناء جدار دبلوماسي وتجاري بديل عن الشراكات الغربية التي تراجعت بشكل كبير منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا عام 2022.

الاقتصاد يتصدر جدول الأعمال

اللقاء بين الرئيس الروسي وسلطان عمان لم يكن سياسيًا فقط، بل حظي بجانب اقتصادي مهم، إذ أكد الطرفان وجود فرص واعدة لتعزيز التعاون في مجالات مثل الخدمات اللوجستية والنقل والطاقة والزراعة، وهي ملفات حيوية تسعى موسكو إلى دفعها قدمًا ضمن استراتيجيتها للانفتاح على العالم العربي.

بوتين شدد على رغبة الشركات الروسية في توسيع نشاطها في سلطنة عمان، فيما أعرب السلطان العماني عن اهتمام بلاده بتعزيز هذه العلاقات الاقتصادية، مؤكدًا أنه التقى في وقت سابق برجال أعمال روس وأبدى اهتمامه بتوسيع الاستثمارات الثنائية.

وقال السلطان: "هناك الكثير من المجالات التي يمكننا التعاون فيها، خاصة في قطاعات الطاقة والزراعة والتجارة"، مشيرًا إلى تطلع بلاده لبناء شراكات اقتصادية أكثر قوة مع موسكو.

العمانيون في موسكو.. توقيت استراتيجي

زيارة سلطان عمان جاءت في وقت حساس، بعد أيام قليلة من زيارة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني إلى روسيا، وهو ما يشير إلى اتساع رقعة الحوار الروسي الخليجي في الآونة الأخيرة، وإلى رغبة مشتركة بين الجانبين في تعزيز قنوات الاتصال وتوسيع مجالات التعاون.

من جهة أخرى، يرى مراقبون أن مساعي بوتين لعقد قمة روسية عربية تعكس استراتيجية واضحة لتعويض الفاقد في العلاقات مع أوروبا والولايات المتحدة، من خلال الانفتاح على دول عربية ذات ثقل اقتصادي وسياسي في المنطقة.

الحرب في أوكرانيا: ضغط يفتح أبوابًا جديدة

منذ اندلاع الحرب الأوكرانية، دخلت روسيا في مواجهة مباشرة مع القوى الغربية، تبعها فرض عقوبات اقتصادية غير مسبوقة، ما دفع موسكو إلى إعادة ترتيب أولوياتها الدبلوماسية والتجارية. وفي هذا السياق، اكتسبت العلاقات مع العالم العربي أهمية استراتيجية، لا سيما مع دول الخليج العربي التي تتمتع باقتصادات قوية ودور محوري في سوق الطاقة العالمي.

القمة المرتقبة، إن عُقدت كما هو مخطط لها، ستكون بمثابة خطوة رمزية وجوهرية تعزز مكانة روسيا كفاعل دولي يسعى لتشكيل تحالفات بديلة، قائمة على المصالح المشتركة والرؤية المتقاربة تجاه عدد من القضايا الإقليمية والدولية.

عُمان كجسر دبلوماسي

اختيار سلطنة عمان لتكون بوابة هذا التحول في العلاقات الروسية العربية ليس وليد الصدفة؛ فعمان عُرفت لعقود بدورها المتوازن والدبلوماسي في ملفات المنطقة، كما أنها تحتفظ بعلاقات جيدة مع أطراف متباينة، وهو ما يجعلها شريكًا موثوقًا في هذا السياق.

يرى محللون أن زيارة السلطان هيثم إلى موسكو تعكس رغبة متبادلة في الدفع بالعلاقات الثنائية نحو آفاق جديدة، وأنها تحمل رسالة ضمنية حول أهمية الحياد الإيجابي والدور الوسيط الذي يمكن لعمان أن تلعبه بين الشرق والغرب.

ماذا تعني القمة للعالم العربي؟

القمة الروسية العربية، إذا ما عُقدت، ستكون محطة مفصلية في علاقات موسكو بالعالم العربي. فهي تأتي في وقت تتصاعد فيه التحديات الإقليمية والدولية، وتبرز فيه الحاجة إلى تنويع الشراكات السياسية والاقتصادية.

كما أنها قد تُشكّل منصة لبناء تفاهمات جديدة حول قضايا الطاقة، وأمن الملاحة، والاستثمار في البنية التحتية، وملفات الأمن الغذائي والتكنولوجي، وهي ملفات باتت تشغل الدول العربية بشكل متزايد.

علاوة على ذلك، فإن انعقاد مثل هذه القمة يُعد مؤشرًا على تراجع الهيمنة الغربية على معادلات الشراكة في المنطقة، ويفتح الباب أمام تحالفات أوسع تشمل قوى مثل روسيا والصين والهند.

بوتين.. رسائل في كل الاتجاهات

من خلال الإعلان عن هذه القمة، يوجه الرئيس الروسي رسائل عديدة: إلى الغرب مفادها أن روسيا لم تُعزل دوليًا رغم العقوبات؛ وإلى الدول العربية بأنه يرى فيها شريكًا جادًا وجديرًا بالثقة في بناء نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب.

كما يبعث برسالة داخلية أيضًا، تؤكد على قدرة موسكو على التحرك بفعالية في السياسة الخارجية رغم الصراع المستمر في أوكرانيا، وهو ما يعزز من صورة القيادة الروسية أمام الرأي العام المحلي.