محادثات إيران وأمريكا تتقدم نحو جولة مصيرية وسط آمال باتفاق نووي

في ظل أجواء مشحونة بالتوتر والحذر، تتقدم المحادثات بين «إيران والولايات المتحدة» بخطى مُتسارعة نحو جولة "مصيرية"، تحمل في طياتها آمالًا بإحياء اتفاق نووي جديد قد يُغير ملامح المشهد الإقليمي والدولي. وبينما تُبدي الأطراف رغبة مُعلنة في التوصل إلى تفاهم، تبقى العقبات الجوهرية والتفاصيل التقنية العالقة اختبارًا حقيقيًا لقدرة المفاوضين على تجاوز الانقسامات العميقة، وسط ترقب عالمي لأي اختراق مُحتمل في هذا الملف الحساس.
محادثات أمريكية إيرانية حذرة وسط تعقيدات الاتفاق النووي
وفي هذا الصدد، تُواصل «الولايات المتحدة وإيران» جهود التفاوض الحذرة حول "الاتفاق النووي"، حيث اجتمع ممثلو البلدين مُجددًا في العاصمة العُمانية «مسقط» لرسم إطار تفاهم جديد يُوازن بين المصالح المتباينة ويُجنب المنطقة والعالم احتمالات التصعيد. وبينما تتعثر المحادثات بين التفاصيل الفنية والشروط السياسية، تكشف الجولة "الثالثة" أن المسار لا يزال مُعقدًا وطويلًا، رغم بعض المؤشرات المحدودة على إحراز تقدم.
اختتام الجولة الثالثة
أنهت الولايات المتحدة وإيران، أمس السبت، الجولة الثالثة من محادثاتهما النووية، معلنتين اتفاقهما على عقد اجتماع جديد في الثالث من مايو المُقبل، بحسب ما أفاد به وزير الخارجية العماني «بدر البوسعيدي»، الوسيط الرئيسي بين الطرفين.
وتعد محادثات السبت الأكثر تعقيدًا وصعوبة، لأنها من المقرر أن تشمل مفاوضات حول تفاصيل البرنامج النووي الإيراني، وهي المنطقة التي لا تزال طهران وواشنطن منقسمتين حولها بشكل حاد، حسبما أفادت شبكة «سي إن إن» الأمريكية.
وتُبرز أهمية هذه الجولة كونها أول لقاء يغوص في تفاصيل الاتفاق النووي المُحتمل، مع التركيز على القضايا الفنية الدقيقة، فمن جهة، تسعى الولايات المتحدة إلى فرض قيود صارمة على البرنامج النووي الإيراني؛ ومن جهة أخرى، تُطالب طهران برفع العقوبات الاقتصادية الخانقة التي أثقلت كاهلها لسنوات.
ورغم أن الخلافات لم تُحل بعد، الاتفاق على اجتماع إضافي اعتُبر إشارة إيجابية على وجود تقدم ملموس وإرادة متبادلة للاستمرار في الحوار.
وفي هذا السياق، نقل موقع «أكسيوس»، عن مسؤول أمريكي، أنه تم الاتفاق مع الوفد الإيراني على إجراء جولة المفاوضات المُقبلة بأوروبا.
ونقل إعلام إيراني، عن مصدر، تأكيده أن موضوع نقل اليورانيوم لخارج إيران لم يُطرح في مفاوضات مسقط اليوم أو الجولات السابقة، مُشيرًا إلى أن "واشنطن لم تطرح موضوع إيقاف طهران تخصيب اليورانيوم بشكل كامل لأنه ليس محل خلاف".
التفاؤل والحذر
في مقابلة مع مجلة «تايم» نُشرت يوم الجمعة، أعرب الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» عن تفاؤله، قائلًا: "أعتقد أنه بإمكاننا التوصل إلى اتفاق دون الحاجة إلى الهجوم، آمل أن نتمكن من ذلك".
ولدى سؤاله عن احتمالية لقائه مع قادة إيران، أجاب دون تردد: "بالتأكيد"، في إشارة إلى انفتاحه الشخصي على إمكانية لقاء القادة الإيرانيين، في خطوة قد تُمهد لتسريع عجلة التفاهم إن قُدِّر لها أن تتم.
تفاصيل المحادثات
عُقدت المحادثات بين فرق عمل من الجانبين، بحضور مبعوث البيت الأبيض «ستيف ويتكوف» ووزير الخارجية الإيراني «عباس عراقجي».
وبحسب وزير الخارجية العماني «بدر البوسعيدي»، أكدت المحادثات "تطلعًا مشتركًا للتوصل إلى اتفاق قائم على الاحترام المتبادل والالتزامات الدائمة"، حيث تناولت الجلسات جميع المبادئ والأهداف الأساسية إضافة إلى الجوانب الفنية المعقدة.
أما المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، «إسماعيل بقائي»، فقد وصف الأجواء بأنها كانت "جدية"، ما يعكس التزام الطرفين بمواصلة المسار التفاوضي رغم العقبات.
وعقب المحادثات، توجه المبعوث الأمريكي «ستيف ويتكوف» إلى أبوظبي لإجراء مباحثات مع المسؤولين الإماراتيين، تحضيرًا لزيارة مُرتقبة للرئيس ترامب إلى الإمارات منتصف مايو المُقبل.
الأسس التاريخية للنزاع النووي
وفي عام 2015، وقّعت إيران مع القوى العالمية، بما فيها الولايات المتحدة، الاتفاق النووي المعروف باسم "خطة العمل الشاملة المشتركة" (JCPOA)، الذي حدَّ من أنشطة إيران النووية مقابل تخفيف العقوبات الاقتصادية.
إدارة ترامب، التي انسحبت من الاتفاق في (2018) خلال الولاية الرئاسية الأولى له، اعتبرت إياه "غير كافٍ"، وردت طهران بتسريع برنامجها النووي، فرفعت نسبة تخصيب اليورانيوم إلى (60%)، وهو مستوى يقترب من الحد اللازم لصناعة أسلحة نووية (90%).
مع ذلك، تصر إيران على أن برنامجها النووي يظل للأغراض السلمية.
تبادل الرسائل بين الأطراف
ووفقًا لما كشفته شبكة «سي إن إن»، بعث «ترامب» برسالة شخصية إلى المرشد الأعلى الإيراني «علي خامنئي»، الشهر الماضي، يقترح فيها بدء مفاوضات حول اتفاق نووي جديد.
وحددت الرسالة مُهلة زمنية مُدتها شهران لطهران للموافقة على الاتفاق، في محاولة لإحياء المسار الدبلوماسي رغم التصعيد الكلامي المستمر بين الطرفين.
ويُؤكد «ترامب» رغبته في التوصل إلى "اتفاق أقوى" مع إيران مقارنةً بما تم توقيعه في عهد إدارة أوباما، إذ طالب فريق ترامب بتفكيك كامل للبرنامج النووي الإيراني، بما في ذلك مُكون الطاقة المدنية.
ومع تقدم المحادثات، خففت واشنطن من سقف مطالبها، واقترحت السماح لإيران ببرنامج طاقة مدني بشرط استيراد الوقود النووي من الخارج بدلًا من تخصيبه محليًا.
وصرّح وزير الخارجية الأمريكي، «ماركو روبيو»، أن الولايات المتحدة لا ترى مُبررًا لإصرار إيران على التخصيب المحلي، قائلًا: "هناك سبيلٌ لبرنامج نووي مدني وسلمي إن أرادوا ذلك، لكن تخصيب اليورانيوم محليًا يُثير إشكالية حقيقية".
مواقف متأرجحة
تصريحات المبعوث الأمريكي «ستيف ويتكوف» كشفت عن التذبذب في موقف واشنطن، ففي البداية، أشار إلى أن الولايات المتحدة لا تُطالب بوقف التخصيب بشكل كامل، لكن بعد يوم واحد فقط، غرّد على منصة «إكس» قائلًا: إن "أي اتفاق نهائي يجب أن يتضمن وقف وإزالة برنامج تخصيب الأسلحة النووية الإيراني".
من جهته، دعا وزير الدفاع الأمريكي، «بيت هيجسيث»، إلى تفكيك البرنامج النووي الإيراني بالكامل، مما عكس تباينًا واضحًا في الرسائل الصادرة عن إدارة ترامب.
من جهتها، شددت طهران على تمسكها بحقها السيادي في تخصيب «اليورانيوم»، ونقلت قناة «برس تي في» الإيرانية عن «عباس عراقجي» قوله: "برنامج التخصيب الإيراني هو مسألة حقيقية وصادقة ونحن مُستعدون لبناء الثقة بشأن المخاوف المُحتملة، ولكن قضية التخصيب غير قابلة للتفاوض".
هل يترتب على التخصيب امتلاك السلاح النووي؟
يُشار إلى أن تخصيب اليورانيوم لا يعني بالضرورة تطوير أسلحة نووية، فعلى سبيل المثال، تُخصب دول مثل البرازيل والاتحاد الأوروبي (عبر منشآت يورينكو في ألمانيا وهولندا) بعض كميات اليورانيوم لأغراض مدنية، مع بقائها ملتزمة بمعاهدة منع انتشار الأسلحة النووية. بالتالي، تستند إيران إلى هذه السوابق لتبرير موقفها والمطالبة بحقها الطبيعي وفق القوانين الدولية.
ورغم استمرار الجهود، تظل المفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران غارقة في أجواء من الشكوك والتناقضات. وبينما تُبدي الأطراف استعدادًا لتقديم تنازلات محدودة، يبقى التوصل إلى اتفاق شامل ودائم رهينًا بتجاوز تحديات فنية وسياسية مُعقدة.
صحيفة أمريكية: «ملف تخصيب اليورانيوم يقف عائقًا أمام مفاوضات واشنطن وطهران»
يقف ملف "تخصيب اليورانيوم" عائقًا رئيسيًا في طريق مفاوضات الولايات المتحدة مع إيران حول برنامجها النووي، حسبما أفادت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية، اليوم الأحد.
وقالت الصحيفة أمريكية: إن "نقطة أخرى مُثيرة للخلافات بين واشنطن وطهران تتمثل في رغبة الإدارة الأمريكية في ربط صفقة جديدة مع إيران ببرنامجها الصاروخي".
وبحسب «وول ستريت جورنال»، فإن الجولة الثالثة من المفاوضات غير المباشرة بين الولايات المتحدة وإيران انتهت "بخلافات جدية والتعهدات بعقد اجتماع آخر".
يُذكر أن الجولة الثالثة من المفاوضات الأمريكية الإيرانية اختتمت في عاصمة عمان مدينة «مسقط»، يوم السبت، وذلك بموازاة المشاورات على مستوى الخبراء حول تفاصيل الاتفاق المحتمل حول برنامج إيران النووي.
ووصف مسؤول في البيت الأبيض الجولة الجديدة من المفاوضات بأنها كانت "إيجابية ومُثمرة".
ومن المتوقع أن تُجري جولة جديدة من المفاوضات يوم (3) مايو المُقبل.
ترامب يتحدث عن إيران: «الأمور تحت السيطرة.. وخيار صعب بانتظارهم»
من جهة أخرى، وفي وقت سابق، أكّد الرئيس الأمريكي، «دونالد ترامب»، أن المحادثات مع «إيران» تمضي في الاتجاه الصحيح، لكنه أشار إلى أن الخيارات المتاحة أمام طهران "محدودة وتقتصر على خيارين فقط".