مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

د. حسن أبو طالب يكتب: «العقدة الكشميرية» في العلاقات الهندية الباكستانية

نشر
د. حسن أبو طالب
د. حسن أبو طالب

من الدروس التاريخية في التعامل مع أي صراع بين طرفين دوليين أن التسويات المرحلية أو المؤقتة التي لا تعالج جذور الصراع تظل تسويات قابلة للتراجع والانفجار، فالذين وقعوا تلك التسويات قد رحلوا، ومعهم ملامح البيئة الكلية التي نشأت معها تلك التسويات المرحلية، وجاء قادة آخرون وبيئة دولية وإقليمية مختلفة، قد يراها الطرفان أو أحدهما على الأقل جديرة بتغيير ما كان مؤقتاً ليصبح حالة دائمة، بغض النظر عن رد فعل أصحاب الإقليم المُقسم، أو الطرف الآخر الوصي عليه، ما يوفر فرصاً لتعزيز الصراع، وليس تسويته تاريخياً.

حالة كشمير كإقليم مُقسم بين بلدين منذ عام 1949، حين أصدرت لجنة أممية صيغة تسمح بفرض نوع من الوصاية لكل من باكستان والهند على جزء من القطاع، للأولى ثلث القطاع و20 في المائة من سكانه، وللثانية ما يقرب من أكثر من نصف الإقليم وباقي السكان وغالبيتهم من المسلمين، مع رسم خط افتراضي يُعرف بخط السيطرة، يفصل بين الجزأين. وجزء صغير شمال الإقليم خضع للصين بحكم الأمر الواقع منذ عام 1960، تطالب به الهند.

الصيغة الأممية الانتقالية تم ربطها بالتوصية بقيام حوار بين البلدين للتوصل إلى صيغة نهائية لمصير القطاع ككل، الأمر الذى طرح نظرياً ثلاثة سيناريوهات، إما استقلال الإقليم ومنحه صفة دولة، وإما ضم الإقليم كلياً لإحدى الدولتين، وثالثاً أن يتم ضم كل قسم رسمياً للدولة صاحبة الوصاية.

لم يكن استقلال الإقليم محل اتفاق، فالهند ترى أنها صاحبة الحق في ضم الإقليم كلياً، بينما تمسكت إسلام آباد بتوحيد الإقليم ومنحه الاستقلال الكامل، وإنهاء وصاية الهند على القسم الممنوح لها. في الوقت ذاته أداء دور المُساند لأهل الإقليم في سعيهم نحو الحرية. وهو ما يفسر رفض إسلام آباد طوال المباحثات مع نيودلهي، التي جرت في مراحل سابقة برعاية الأمم المتحدة، فكرة إعلان كل طرف ضم الجزء الممنوح لها كوصي مرحلي، مع الاعتراف بنوع من الحكم الذاتي لهذا الجزء، وتقديم الدعم التنموي وفقاً للإمكانات. الهند من جانبها رفضت التخلي عن الجزء الذي حددته الأمم المتحدة، كما رفضت وحدة الإقليم واستقلاله لاعتقادها الجازم بأن غالبيته المسلمة سوف تفضل الانضمام إلى الدولة الباكستانية، ما يغيّر حالة التوازن الإقليمي بين البلدين لغير صالح الهند. ومن ثم بقي التقسيم الجغرافي والحكم الذاتي والوصاية السياسية للدولتين أمراً عصياً على تسوية نهائية.

مع مرور الأيام وتبدل الاتجاهات السياسية، وعلو شأن آيديولوجية «الهندوتفا»، وشعارها الرئيس «الهند للهندوس» دون غيرهم، ووصول حزب «بهاراتيا جاناتا» للحكم منفرداً، أو بدعم من أحزاب أصغر تؤمن بالقومية الهندوسية كصاحبة حق أصيل للهند ككل، صار الاتجاه الرسمي أكثر ميلاً لضم كشمير وجامو للاتحاد الفيدرالي الهندي، وإنهاء صيغ الحكم الذاتي، وهو ما حدث فعلياً في 2019، مع تغيير قانون الجنسية والسماح بمنح الجنسية الهندية لمن يوصفون بالمضطهدين من الأقليات الدينية غير المسلمين، ما أدى إلى تغيير التوازن السكاني في كشمير وجامو، ورفع حالة الرفض الشعبي، وانتهاج بعض الجماعات في الإقليم العنف المباشر تجاه الإدارة الهندية، واعتباره عنفاً مبرراً ضد إنهاء حلم الاستقلال لديهم.

باكستان نالت حظها من التغيرات المجتمعية في العقود الثلاثة الماضية، إذ علا شأن الأحزاب ذات المرجعات الدينية الإسلامية، وتأييد مطلب الحرية لكشمير وجامو الهندية، ما زاد من حالة عدم الثقة لدى الهند تجاه جارتها المسلمة. في الوقت الذي نشأت فيه جماعات كثيرة في كشمير وجامو الهندية ترفض الوصاية الهندية، وترفع شعار التحرير والاستقلال لكشمير بكل أقسامها، وليس فقط للقسم الهندي، وتبرر لنفسها استخدام العنف ضد القوات الأمنية والعسكرية الهندية، ما يشكل تحدياً كبيراً للطرفيْن الوصييْن.

الهند لا ترى الجماعات الكشميرية المُعارضة لها جماعات تعمل بدوافع ذاتية، بل باعتبارها جماعات مدفوعة من إسلام آباد وأحزابها ذات المرجعية الإسلامية، سواء تشكل الحكومة أو معارضة في البرلمان الباكستاني، وأن أي عملية عنف ضد وجودها في كشمير وجامو أو في أي ولاية هندية بالضرورة مُخطط لها في باكستان، أو تحمل بصمة باكستانية بدرجة أو بأخرى. هذه القناعة لا تقف عن حد الحكومة الهندية الفيدرالية أو السياسيين الهنود أو الإعلام الهندي وحسب، بل تنتشر بكثافة في المجتمع الهندوسي، يصاحبها الميل الجارف إلى إدانة باكستان والمُطالبة بمعاقبتها، وتحميلها المسؤولية المباشرة لأي عمل عنيف تقوم به جماعات كشميرية معارضة، وهي بيئة مجتمعية تدفع الحكومة الهندية إلى اتخاذ إجراءات مُضادة عسكرية وسياسية واقتصادية ثقيلة الوطأة، تتماشى مع الرغبات الشعبوية السائدة، وبما يشكل للحكومة رصيداً سياسياً داخلياً، في الوقت الذي لا يتم فيه تقديم أي دليل مادي موثوق بأن باكستان الرسمية طرف مباشر في هذا العمل العنيف.

لا تجد تصريحات المسؤولين الباكستانيين التي تدين العنف ونفي أي صلة به قبولاً لدى الحكومة الهندية، ويظل الإصرار على تحميل المسؤولية لإسلام آباد موقفاً صلباً. والمفارقة في حالة الهجوم على السياح في كشمير جامو الهندية 24 أبريل (نيسان) الحالي أن السلطات الهندية قامت باعتقال عدد من الشباب المسلم في الإقليم الهندي، ودمرت منزلين لأسرتين تحت دعوى أن لكل منهما ابناً ينشط ضد الإدارة الهندية، وهو مُختفٍ منذ فترة. لكنه في العُرف الهندي مسؤول عن جماعة «المقاومة الكشميرية» التي أعلنت مسؤوليتها عن الحادث الأخير. ويظل السؤال من هو الطرف المباشر لحالة الممانعة في كشمير الهندية؟

نقلًا عن صحيفة «الشرق الأوسط».