رمال مصر السوداء.. كنز اقتصادي
تمتلك مصر كنوز هائلة من الثروات المعدنية، وتعتبر الرمال السوداء من أهم المصادر الأساسية لكثير من المعادن ذات الأهمية الاقتصادية، فبالرغم من طبيعة الأراضي المصرية الصحراوية التي تمثل 75% من مساحتها إلا أنها لم تستغل الاستغلال الأمثل.
وتعتبر الرمال السوداء من أهم المصادر الأساسية لكثير من المعادن ذات الأهمية بالاقتصادية، وكشفت هيئة المواد النووية المصرية من خلال مسح جوي أجرته عن امتلاك مصر لما يقرب من 11 موقعًا على السواحل الشمالية تنتشر بها الرمال السوداء بتركيزات مرتفعة، بدءًا من رشيد حتى العريش بطول ساحل 400 ك.م من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، تبدأ من إدكو شمال محافظة البحيرة، وتوزع علي 4 مناطق تشمل شمال سيناء بواقع 200 مليون متر مكعب، ودمياط بواقع 300 مليون متر مكعب، ورشيد بواقع 600 مليون متر مكعب، وبلطيم بواقع 200 مليون متر مكعب.
الرمال السوداء
تُعد الرمال السوداء هي رواسب شاطئية سوداء ثقيلة، تأتى من منابع النيل وتتراكم على بعض الشواطئ، وتسمى بهذا الاسم لأنه يغلب عليها اللون الداكن لاحتوائها على كثير من المعادن الثقيلة، وتتركز رواسب الرمال السوداء عند مصب النيل بالقرب من دمياط ورشيد وهى رواسب فتاتية من حبات معادن ثقيلة ملونة تتراكم على الشواطئ نتيجة مصبات الأنهار فيها يحملها النيل آلاف الكيلو مترات، ليلقى بها على شواطئ البحر المتوسط، وتتكون الرمال السوداء من مجموعة من الطبقات داخل التربة بالدلتا، مما يعنى اختلاف أحجامها ونسب تواجدها من منطقة لأخرى، بحسب انخفاض المنطقة أو ارتفاعها، بالإضافة إلى تأثير الميل والرياح
كنز اقتصادي
ترجع الأهمية الاقتصادية للرمال السوداء إلى احتوائها على نسب من المعادن التي ويستخدم في صناعة البويات، ومعدن الزركون ويستخدم في صناعة السيراميك والعوازل والخزف والأسنان التعويضية، كما يستخرج من معدن الزركون عنصر الزركونيوم الذى يستخدم في صناعة أغلفة الوقود النووي، وفى الكثير من الصناعات النووية والاستراتيجية الأخرى، ومادة الجرانيت ويستخدم في صناعة فلاتر المياه والصنفرة، والماجنتيت الذى يستخدم في صناعة الحديد الإسفنجي وتغليف أنابيب البترول، بالإضافة إلى معدن المونازيت المشع وهو مصدر إنتاج العناصر المستخدمة في الصناعات العالية التقنية التي تعتمد أغلبها على الإلكترونيات، كما إنه مصدر للحصول على اليورانيوم الذى يصلح كوقود نووي.
أنواع الرمال السوداء
وهناك نوعان من الرمال السوداء بحسب تركيز المعادن الثقيلة، نوعية داكنة اللون غنية بالمعادن الثقيلة (70- 90%)، ونوعية رمادية تحتوي نسبة أقل من المعادن الثقيلة (40%)، وقد أوضحت الدراسات أن أغلب المكونات المعدنية الاقتصادية في رواسب الرمال السوداء المصرية تتركز في الحجم الحبيبي 0.125 ملم ومعظمها بين 0.124 و0.076ملم، وهذا يعنى سهولة فصلها ميكانيكيا.
وتؤكد الدراسات التي أَجريت على الرمال بمحافظة كفر الشيخ أنها تحتوي على ما يقرب من 250 مليون طن من الرمال السوداء، ووجود احتياطي آخر يعادل 200 مليار متر مكعب، وتقوم جامعة كفر الشيخ بتقديم الدراسات اللازمة الهندسية والأبحاث العلمية الخاصة بمصنع الرمال السوداء بالبرلس بالإضافة إلى تقديم الاستشارات العلمية الخاصة بفصل العناصر المشعة من الرمال لاستخدامها في الصناعات المختلفة وخصوصًا في مجال النانو تكنولوجي لتطوير الصناعات الإلكترونية لتكون نقطة تحول في مجال الصناعة في مصر.
هذا في حين تشير دراسات الجدوى المعدة بمعرفة الرابطة الجيولوجية المصرية إلى احتواء الرمال السوداء على ٦ معادن اقتصادية رئيسية، ويختلف حجم وقيمة متوسط مجموع المعادن الاقتصادية من مكان إلى آخر بامتداد الساحل الشمالي وقلما يتعدى متوسط القيمة ٥٪ في المتر العلوي من الرواسب الشاطئية، تنخفض كلما تم التدرج لأسفل.
وتأكد الدراسة بوجه عام احتواء المتر العلوي من الرواسب الشاطئية من ٤٠-٥٠٪ من محتوى إجمالي المعادن الاقتصادية بعمق الراسب، بينما تحتوي الـ٥ أمتار العلوية من ٧٠-٨٠٪ في حين تحتوى الـ١٠ أمتار العلوية من ٨٥-٩٥٪ منها
ويُعد الألمنيت هو المعدن الأكثر شيوعًا، إذ تمثل قيمته نحو ٥٠٪ من إجمالي محتوى المعادن الثقيلة، بينما أقلها وجودًا معدن المونازيت بنسبة ٠.٠١٪، وتلفت الرابطة الجيولوجية المصرية إلى احتواء الكثبان الرملية بامتداد «البرلس – بلطيم» من أعلى قمة وحتى مستوى سطح البحر على نسبة ٤.٥٪ من المعادن الثقيلة، يستحوذ الألمنيت بمفرده على نحو ٧٠٪ منها.
فضلًا عن وجود بعض المناطق المحددة التي تحوي طبقات سطحية عالية التركيز بالمعادن الاقتصادية، إذ يمكن أن يبلغ متوسط إجمالي هذه المعادن ٩٠٪، وهي مناطق مُركزة طبيعيًا بفعل التيارات والأمواج البحرية، خاصة في مناطق غرب وشرق الدلتا وشرق مصب رشيد وشرق بوغاز بحيرة البرلس.
مشروع الرمال السوداء
وضعت الدولة خطة للاستفادة من الرمال السوداء المصرية وذلك من خلال توقيع عقد شراكة مع إحدى الشركات المتخصصة في هذا المجال، والبدء في استغلال الرمال السوداء الواقعة بين الطريق الدولي الساحلي والبحر المتوسط بالبرلس، وجاري أعمال إنشاء مصنع فصل الرمال السوداء بالبرلس على مساحة 80 فدانا، باستثمارات مشتركة بين محافظة كفر الشيخ، وجهاز مشروعات الخدمة الوطنية بالقوات المسلحة، وهيئة المواد النووية، كما تم وضع استراتيجية تعتمد على إعطاء قيمة مضافة للخامات المعدنية المستخرجة من هذه الرمال خلال السنوات الـ5 القادمة تعتمد على بناء مجمعات صناعية متكاملة للقيمة المضافة تقوم عليها صناعات مختلفة.
وذلك لاستخراج المعادن الاقتصادية التي تصل إلى 41 عنصرًا معدنيًا. فالرمال السوداء غنية بالمعادن النادرة التي تساعد على الإسراع بالتنمية الصناعة، وفقًا للمعايير العالمية، ليتم استخلاص عناصر نادرة من الرمال السوداء، وإتاحة الآلاف من فرص العمل، ويعتبر الاستثمار في مجال الرمال السوداء من أفضل وأقوى الاستثمارات في العالم خصوصًا باستخدام علم النانو لتطوير الصناعات الإلكترونية لتكون نقطة تحول في مجال الصناعة في مصر.
وبرغم امتلاك مصر لأكبر احتياطي من الرمال السوداء في العالم لا أنها لم تُستغل الاستغلال الاقتصادي الأمثل، مثل الكثير من الدول التي تمتلك هذه الكنوز ومن أهمها استراليا والهند والبرازيل والولايات المتحدة، فقد شهدت فترة الخمسينيات الاهتمام الحقيقي بملف الرمال السوداء من قبل الدولة، إذ أنشأت شركة لاستغلال الرمال السوداء في عام 1956 لكنها توقفت لعدم التعامل مع هذا الملف بالجدية المطلوبة.
علاوة على تعرض هذه الثروة المعدنية لخطر الزحف العمراني الذي يزيد عامًا تلو الآخر، وفى عام 1961 تم تأميم الشركة تحت اسم الشركة المصرية لمنتجات الرمال السوداء، ومنذ ذلك التاريخ أخذت الشركة في التعثر وتوقف الإنتاج وتمت تصفيتها عام 1969 تحت اسم مشروع تنمية واستغلال الرمال السوداء، وكانت إحدى محاولات احياء هذا المشروع في عام 1995، حينما تبنت وزارة الكهرباء والطاقة مسألة إنشاء مصنع لاستغلال تلك الرمال في محافظة كفر الشيخ، وهي المحافظة التي تمتلك أكبر كمية من هذه الرمال.
وتم وضع حجر الأساس لهذا المصنع علي ساحل البحر الغربي بالمحافظة، إذ تزامن ذلك مع صدور قرار وزير الصناعة والثروة المعدنية في ذلك التوقيت بعمل تخطيط شامل للساحل الشمالي وتحديد مناطق تمركز الرمال السوداء بطول الساحل، وقد تكلف إنشاء هذا المصنع آن ذاك أكثر من 20 مليون جنيه على أن يتم الانتهاء منه بحلول 1997 إلا أن هذه الخطوة حكم عليها بالفشل مرة أخرى لعدم وجود إرادة سياسية حقيقية لاستغلال تلك الرمال.
وأخيرًا صدر قرار ئيس مجلس الوزراء فى المؤتمر الخاص ببحث إستغلال الرمال السوداء فى 9 / 9 / 2014 بأنشاء الشركة المصرية للرمال السوداء كشركة مساهمة مصرية طبقًا لأحكام القانون، وبالفعل تأسست الشركة المصرية للرمال السوداء بموجب شهادة رقم (769) بتاريخ 15/2/2016 الصادرة من الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة كشركة مساهمة وكللت جهود مصر المبذولة على مدي 30عامًا إلى واقع ملموس في شهر سبتمبر 2016
بالبدء في أول أعمال إنشاء مصنع لفصل الرمال السوداء بمنطقة البرلس بشمال محافظة كفر الشيخ، وذلك في إطار توجه الدولة نحو الاستثمار ودفع عجلة التنمية بعد أن تم تأسيس الشركة المصرية للرمال السوداء كشركة مساهمة مصرية ومحافظة كفرالشيخ عضو مساهم بهذه الشركة مع جهاز مشروعات الخدمة الوطنية، وهيئة المواد النووية، وبنك الاستثمار القومي، والشركة المصرية للثروات التعدينية، باستثمارات تتخطى مليار جنيه.
وفى عام 2019 وقعتا هيئة المواد النووية المصرية والشركة المصرية للرمال السوداء اتفاقا للاستفادة من معادن الرمال السوداء وإقامة الصناعات التكميلية والمتطورة القائمة على معالجة هذه المعادن.
وأكد آنذاك وزير الكهرباء المصري محمد شاكر أن هذه الاتفاقية ضرورية لاستغلال المقدرات والثروات الطبيعية، وتعظيم القيمة المضافة لهذه الثروات التعدينية.