هل ستكون انتخابات ديسمبر القادمة الفرصة الأخيرة لحل الأزمة الليبية؟
بعد مضى نحو 10 سنوات على نشوب الأزمة الليبية، لا تزال الحلول السياسية بعيدة المنال والأوضاع الميدانية عصية على الحسم النهائي، ولكن هل تُغير الانتخابات المقرر عقدها في 24 من ديسمبر المقبل شكل الأوضاع الليبية ميدانيًا وسياسيًا في ضوء تعاظم حجم التدخل التركي؟
اجتماع دول الجوار
اتفق وزراء خارجية دول الجوار الليبي بالجزائر، على دعم مبادرة استقرار ليبيا، والتنسيق مع اللجنة العسكرية 5+5 بشأن ملف انسحاب المرتزقة والقوات الأجنبية من الأراضي الليبية.
جاء ذلك في ختام اجتماع وزراء خارجية ودول الجوار الليبي، الذي بدأ الاثنين الماضي، بالجزائر العاصمة، بمشاركة 7 دول من المنطقة، والذي عقد للتباحث حول مساندة ليبيا على إنهاء أزمتها وحل الخلافات بين الأطراف السياسية ودعمها لتذليل العقبات التي تحول دون إجراء الانتخابات العامة في موعدها المحدد، من أجل إنقاذ خارطة الطريق الأممية والعملية السياسية بالبلاد.
وأكد المشاركون في هذا الاجتماع على أهمية توحيد الجهود والمواقف بشأن الملف الليبي، وعلى ضرورة الإسراع في وضع إطار قانوني استعدادا للانتخابات العامة المقررة في البلاد في 24 ديسمبر المقبل، وإخراج المرتزقة والقوات الأجنبية من البلاد، إلى جانب توحيد المؤسسة العسكرية كأولويات لحل الأزمة الليبية.
وشدد البيان الختامي على الرفض القاطع لجميع أشكال التدخلات الأجنبية في الشؤون الداخلية الليبية، وذكر البيان أن المجتمعين أدانوا “استمرار توريد الأسلحة والمرتزقة إلى التشكيلات المسلحة والمحاولات المتعمدة لبث الفرقة وتقويض جهود حل الأزمة”.
وشدد البيان أيضا على ضرورة تنفيذ الأوليات الرئيسية لخارطة الطريق، ومن ضمنها إجراء الانتخابات في موعدها وانسحاب القوات الأجنبية وتوحيد المؤسسة العسكرية، والحاجة إلى إشراك دول الجوار بشكل كامل في المحادثات والمسارات بشأن انسحاب القوات الأجنبية والمرتزقة.
وشارك في الاجتماع، بالإضافة إلى الجزائر وليبيا، وزراء خارجية كل من تونس ومصر والسودان وتشاد ومالي، فضلا عن ممثلين عن الاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية والأمم المتحدة.
وتسعى دول الجوار الليبي إلى تشكيل ما يشبه “التحالف”، من أجل لعب دور دبلوماسي أكبر وأكثر حيوية في الملف الليبي وخلق الحلّ السياسي للأزمة الليبية من الجميع، خاصة بعد تراجع أدوارها في الفترة الأخيرة لصالح التدخلات التركية والروسية والأوروبية، نتيجة انشغالها بأوضاعها الداخلية.
كما أنه تم الاتفاق، خلال اجتماع دول الجوار الليبي، على خلق آلية مشتركة لتأمين الحدود الجنوبية مع السودان وتشاد والنيجر وذكرت المنقوش، خلال مؤتمر صحفي مشترك مع وزير خارجية الجزائر بعد اختتام أعمال الاجتماع في العاصمة الجزائرية، أن دول الجوار “تدعم الأجندة الليبية والتوجه الليبي للدفع بعجلة السلام “وأضافت: “رسالة الاجتماع كانت واضحة وهي دعم ليبيا وهذا ما لمسناه من الأطراف المشاركة، تحدثنا عن كيف نستطيع التعاون لوضع حلول إقليمية للدفع بعجلة الاستقرار في ليبيا”.
وأوضحت: “دول الجوار الليبي الجنوبية لطالما كانت محرومة من المشاركة في جهود استقرار ليبيا رغم أنها الأكثر تأثرا بما يقع، وبالتالي وصلنا إلى قرار لتفعيل الاتفاقية الرباعية بين ليبيا ودول الجوار لتأمين الحدود المشتركة”.
وأشارت إلى أن “هذه الاتفاقية من شأنها أن تؤمن الحدود وتعطي فعالية أكثر لتعاوننا على أرض الواقع”.
كما أكدت المنقوش أن الحكومة الليبية “تسعى بكل جهد لأن تجرى الانتخابات في وقتها ونحن ننتظر موقف البرلمان من القاعدة الدستورية
من جهتها أكدت وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش من الجزائر، أن تأخر البرلمان في التصديق على الإطار التشريعي «قد يعرقل» إجراء الانتخابات المقررة في 24 ديسمبر.
وتابعت “مازلنا ننتظر البرلمان لكي يجيز القاعدة التشريعية للانتخابات وهذا قد يعرقل أو يؤخر مسيرة الانتخابات”
ليبيا بعد سقوط القذافي
شهدت ليبيا منذ ثورة فبراير 2011 التي أطاحت بالقذافي بعد تدخل حلف شمال الأطلسي “الناتو” ودول أخرى، ولا سيما مع تزايد الصراعات الداخلية على السلطة وانتشار الميليشيات المسلحة والجماعات الإرهابية وتعددها على أراضيها؛ ففي الوقت الذي كان يجب فيه أن يتنفس الشعب الليبي الصعداء مع سقوط نظام القذافي وتدخّل المجتمع الدولي لفرض عملية انتقال سلمي للسلطة، أظهرت تطورات الأحداث حقيقة مرة مفادها أنّ بوفاة القذافي تهاوت الدولة بكل أجهزتها لأنها بُنيت على شخص القذافي.
وعقب قتل القذافي في أكتوبر 2011، تولي المجلس الوطني الانتقالي إدارة شؤون الدولة برئاسة الوزير السابق مصطفى عبد الجليل حتى تسليمه السلطة للمؤتمر الوطني العام المنتخب في أغسطس 2012، حينها رفضت القوى السياسية الموالية للإخوان الانتخابات التي أجريت، ونشب صراع بين حكومة طرابلس وحكومة طُبرق حتى ديسمبر 2015 تاريخ توقيع اتفاق الصخيرات بإشراف أممي أفرز “حكومة وفاق وطني” تدير المرحلة الانتقالية لمدة ثمانية عشر شهراً، مع الاعتراف بمجلس النواب المنتخب الذي اعتمد من معظم القوى الموافقة عليه في 6 أبريل 2016.
غير أن الانقسامات والصراعات الداخلية سرعان ما عادت لتعصف بوحدة الصف الليبي، ولا سيما بعد اتضاح اتجاه حكومة الوفاق الداعم لتمكين التيارات الإسلامية المتطرفة، الأمر الذي دفع بالمشير خليفة حفتر في ديسمبر 2017 إلى الإعلان أن الاتفاق السياسي الليبي الموقع في الصخيرات بالمغرب قد انتهت صلاحيته بعد انتهاء الفترة الزمنية المحددة له، ومعه ولاية “حكومة الوفاق الوطني”، وبدأ من ثم في التحرك عسكرياً لمطاردة الجماعات المتطرفة الموالية لهذه الحكومة، وهو الصراع الذي اتسع وأخذ أبعاد إقليمية ودولية.
مجموعة غرب ليبيا
مركزها طرابلس، وتمثلها حكومة الوفاق المنبثقة من اتفاق الصخيرات برئاسة فائز السراج. وتضم مجموعات مسلحة وميليشيات بعضها تابع مباشرة لتلك السلطة السياسية، وبعضها الآخر موالٍ لها، وإن لم يكن جزءاً من التشكيلات المسلحة الرسمية التابعة لها، وترتبط هذه المجموعة بشبكة تحالفات قوية تصل إلى حد الدعم المباشر من جانب بعض الدول الإقليمية، خصوصاً قطر وتركيا وعلى المستوى الدولي تحظى هذه الحكومة باعتراف الأمم المتحدة وتدعمها بعض القوى الدولية مثل إيطاليا.
مجموعة شرق ليبيا
يشكل “الجيش الوطني الليبي” الكيان الداخلي الأبرز في هذه المنطقة، ويقوده المشير خليفة حفتر. تأسس هذا الكيان عام 2014 تحت مظلة البرلمان الليبي، ويسيطر فعلياً على معظم مناطق الشرق الليبي. كما استطاع في الأشهر الأولى من عام 2019 مد نفوذه إلى بعض مناطق الجنوب والغرب، بتفاهمات وتوافقات قبلية أحياناً وبمواجهات مسلحة أحياناً أخرى. وتحظى هذه المجموعة التي ترفع شعار مكافحة الإرهاب بدعم قوى إقليمية منها مصر والإمارات، وقوى دولية منها فرنسا وروسيا.
التدخل العسكري التركي في ليبيا
غلبت الخيارات العسكرية التركية على المشهد السياسي في ليبيا، ومع تعدد المواجهات بين قوات “الجيش الوطني الليبي” بقيادة حفتر، والقوات التابعة لـ”حكومة الوفاق الوطني” مدعومة بفصائل إسلامية مسلحة ومجموعات قبلية، وسعي كل منها إلى حسم الصراع عسكرياً.
بدأت وتيرة العمليات العسكرية تتسارع منذ 3 من أبريل 2019 حين أعلن حفتر إطلاق عملية “تحرير طرابلس”، وزحف “الجيش الوطني الليبي” لإنهاء سيطرة “حكومة الوفاق الوطني” على العاصمة؛ وقد حقق حفتر حتى نهايات عام 2019 مكاسب متتالية واقترب كثيراً من طرابلس، بعدما سيطر على معظم المناطق المهمة استراتيجياً غرب ليبيا، غير أن هدفه الأساسي لم يتأتى بعد لجوء “حكومة الوفاق الوطني” بقيادة السراج إلى تركيا التي أبرم معها مذكرتي تفاهم حول ترسيم الحدود البحرية بينهما في مياه المتوسط والتعاون العسكري والدفاعي.
وقامت تركيا بموجب هاتين المذكرتين بتقديم مساعدات عسكرية عاجلة إلى طرابلس، شملت أنماطاً وأشكالاً متنوعة من الدعم بما فيها الخبراء، والتسليح، والمعلومات الاستخبارية، والمشاركة الفعلية في مجريات المواجهات الدائرة، خصوصاً باستخدام الطائرات المسيرة، وبعض القطع البحرية التركية في مياه المتوسط وقد كان لهذا التدخل العسكري التركي المباشر دوراً كبيراً في الحيلولة دون خضوع طرابلس لسيطرة “الجيش الوطني الليبي”.
لقد شكل هذا الدور العسكري الذي اضطلعت به تركيا نقطة مفصلية في تغيير الأوضاع على الأرض، حيث تمكنت “حكومة الوفاق الوطني” في أسابيع قليلة من استعادة السيطرة على الشريط الساحلي بين طرابلس والحدود التونسية، ثم الاستيلاء على “قاعدة الوطية العسكرية”، وبعدها مدينة “ترهونة” ذات الأهمية الجيواستراتيجية.
مصر
بدأت مصر تنظر إلى هذه التطورات الميدانية بمنظور أمني دفاعي، لما تمثله من تأثير مباشر على أمنها بحكم الجوار الجغرافي بين البلدين.
وجاء، في هذا السياق، خطاب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يوم 20 يونيو 2020 الذي أعلن فيه أن سرت والجفرة خط أحمر لأمن مصر القومي، وهدد بـ “تدخل مباشر” للقوات المصرية إذا لم تلتزم حكومة الوفاق وميليشياتها بالخطوط الحمراء المصرية، معتبراً أن أي تدخل مباشر من الدولة المصرية ينحها الشرعية الدولية سواء في إطار ميثاق الأمم المتحدة لجهة حق الدفاع عن النفس أو بناء على السلطة الشرعية الوحيدة المنتخبة من الشعب الليبي، مجلس النواب.
إعلان القاهرة الذي جاء في أعقاب التحول الذي طرأ على موازين القوى على الأرض واستعادة قوات “الوفاق الوطني” السيطرة على مناطق غرب ليبيا، جعل مصر تبادر إلى استضافة لقاء جمع المشير خليفة حفتر والمستشار عقيلة صالح رئيس البرلمان الليبي. وقد مثل اللقاء محطة مهمة في التنسيق والتفاهم بين الطرفين الأساسيين في شرق ليبيا (البرلمان والجيش الوطني).
وأسفر هذا اللقاء عن إصدار بيان تحت عنوان “إعلان القاهرة” يدعو إلى وقف القتال، ويرسم خارطة طريق لحل سياسي شامل لكل القوى والمكونات الليبية؛ ورغم أن مبادرة مصر تضمنت تفاصيل كاملة وإجرائية للحل السياسي، ولقيت تأييد عربي واسع وترحيب بعض القوى الخارجية خصوصاً روسيا وفرنسا، إلا أن دولاً أخرى، منها الولايات المتحدة مالت إلى إحياء مسار برلين كأساس لاستئناف التفاوض.
إيطاليا
مؤتمر باليرمو الذي عقد يومي 12 و13 نوفمبر 2018 في إيطاليا بحضور أطراف الأزمة الليبية وعددٍ من القوى الإقليمية والدولية ودول الجوار الليبي، والذي أكد أيضًا أهمية احترام نتائج الانتخابات، ومحاسبة أولئك الذين يُعرقلون إجراءها. وشدد المؤتمر على رفض الحل العسكري في ليبيا، واعتماد الاتفاق السياسي الليبي المتفق عليه (اتفاق الصخيرات)، كإطار وحيد قابل للتطبيق من أجل مسار دائم نحو الاستقرار في ليبيا.
ألمانيا
مؤتمر برلين الذي انعقد في 19 يناير 2020 بمشاركة 11 دولة معنية بالأزمة الليبية، بعد إخفاق محاولة موسكو وأنقرة تثبيت اتفاق لوقف القتال؛ ورغم أن المؤتمر انعقد على خلفية التصعيد العسكري التركي، وتصريحات أنقرة بإرسال قوات تركية إلى ليبيا، إلا أن مخرجاته مثلت نقلة في اتجاه التسوية على خلاف ما سبقه من لقاءات واجتماعات سواء دولية أو إقليمية. كما تبنى المؤتمر منظوراً يتسم بدرجة عالية من الشمولية في الاقتراب إلى التسوية السياسية إذ راعى ضرورة معالجة كل الملفات العالقة وليس الاقتصار على اتفاق سياسي بمعزل عن الواقع الميداني وتعقيداته.
وبموجب مقررات مؤتمر برلين، تم تشكيل لجان منفصلة للتفاوض في كل ملف أهمها اللجنة الأمنية والعسكرية التي عقدت بالفعل اجتماعين في شهر فبراير 2020، ثم تعطلت الاجتماعات بسبب عدم توقف القتال واستمرار العمليات العسكرية. كما اتفق المشاركين في المؤتمر أن “لا حل عسكريا للنزاع”، وتعهدوا باحترام حظر الأسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة عام 2011 على ليبيا.
روسيا
لم يكن التدخل العسكري التركي هو المتغير الوحيد المهم في المشهد الليبي، حيث شهد الدور الروسي أيضاً بروزاً واضحاً في هذا المشهد بتواتر تقارير عدة تشير إلى دخول موسكو على خط الأزمة بشكل غير مباشر من خلال عناصر تابعة لشركة “فاغنر” الأمنية التي تقدم خدماتها لقوات “الجيش الوطني الليبي”. ووجهت الولايات المتحدة اتهامات مباشرة إلى روسيا بإرسال طائرات مقاتلة لليبيا للغرض نفسه.
فهل ستخلو ليبيا من المرتزقة والصراعات الدولية وسيقر البرلمان شرعية الانتخابات قبل مجيء ديسمبر المقبل؟