الدكتور عبدالحسين شعبان يكتب: رسائل روسية إلى طالبان
بعد أن سيطرت طالبان على مدينة قندهار ثاني أكبر المدن الأفغانية توجّهت إلى كابول التي استولت عليها بسهولة كبيرة حيث غادرها الرئيس أشرف غني الذي انتخب لرئاسة البلاد مرّتين خلفًا لحامد كرزاي العام 2014، وقال أنّ مغادرته حقناً للدماء.
وكانت طالبان خلال الأشهر الأربعة الماضية وتزامنًا مع إعلان انسحاب القوات الأمريكية تزحف بسرعة كبيرة على مواقع الحكومة الأفغانية، وعشيّة دخولها إلى كابول كانت قد استولت على زرنج عاصمة ولاية نيمروز ومحافظة قندوز التي يربطها جسرٌ للصداقة بطاجيكستان المجاورة (على بعد 65 كلم).
وكان مجرّد تقدّم طالبان وتوغّلها في العمق الأفغاني حتى قبل الوصول إلى العاصمة كابول يقلق روسيا لاعتبارات كثيرة، فالتدخّل السوفياتي في أفغانستان والذي استمرّ نحو عقد كامل (1979 – 1989) قاد إلى فشل ذريع واضطرّت موسكو في عهد الزعيم غورباشوف أن تنسحب مهزومة مثلما هو الإحتلال الأمريكي الذي استمرّ عقدين من الزمن (2001 – 2021).
يضاف إلى ذلك أن نجاح طالبان قد ينعكس على إنعاش التيارات الإسلامية المتعصّبة والمتطرّفة لدى جيران روسيا، خصوصاً وتربطها حدوداً مشتركة مع طاجيكستان المتاخمة لها وهي من الجمهوريات السوفيتية السابقة والتي ما تزال على علاقة وطيدة مع موسكو.
لهذه الأسباب زار وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو طاجيكستان وأعقب زيارته مناورات مشتركة على مقربة من الحدود الأفغانية.
كما استقبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إمام علي رحمن رئيس طاجيكستان وقبله صدير جباروف رئيس قيرغيزستان الذي عبّر عن اهتمام قيرغيزيا بالتعاون مع روسيا لضمان الأمن الإقليمي، بما فيه في إطار منظمة معاهدة الأمن الجماعي ومنظومة كومنولث البلدان السوفيتية السابقة، ومنظمة شنغهاي للتعاون “وأبدت موسكو استعدادها لدعم قيرغيزستان لتجاوز العقبات الإنسانية للنزاع الحدودي بينها وبين طاجيكستان”.
وشملت الإتصالات الروسية أوزبكستان حيث زار رئيس أركان قواتها المسلّحة شهرت هالمحدوف موسكو وأجرى مباحثات مع فاليري غيراسيموف، وجرى الحديث عن خطط مشتركة مع أوزبكستان وطاجيكستان بهدف الردّ على تزايد حدّة التوتر في المنطقة والتحذير من تردّي الأوضاع الأمنية في أفغانستان لضمان أمن دول آسيا الوسطى.
وتأتي هذه التحرّكات عشية وبُعيد الإعلان عن انسحاب قوات الناتو والولايات المتحدة من أفغانستان وتمدّد نفوذ طالبان الذي شمل نصف الأراضي الأفغانية.
ومن المحتمل إجراء مناورات مشتركة في الخريف المقبل بمشاركة مجموعة شنغهاي التي تضمّ الصين إلى جانب روسيا وبلدان آسيا الوسطى حيث يتعاظم القلق بشأن التأثيرات المباشرة وغير المباشرة من تطوّر الأوضاع الأفغانية على دول حلفاء روسيا الآسيويين.
وأعلنت روسيا صراحة في صحافتها أن هدفها هو “حماية الحلفاء من التهديدات العسكرية من جهة الجنوب” (أفغانستان) وهزيمة التجمّعات المسلّحة غير الشرعية”.
وكانت طالبان قد تقدّمت باتجاه حدود طاجيكستان وتركمانستان وأوزبكستان خلال شهر يونيو/ حزيران المنصرم حيث اضطرّت القوات الرسمية الأفغانية إلى الفرار بحثاً عن الأمان فيما وراء حدود هذه الجمهوريات، واضطرّت هذه الجمهوريات إلى إغلاق حدودها مع أفغانستان.
وكانت روسيا قد أكّدت أنها ستردّ على محاولة غزو أراضي طاجيكستان بالتعاون مع قواتها في قاعدتها العسكرية رقم 201 الموجودة في المنطقة منذ الحقبة السوفياتية والمستمرّة إلى الآن، (تموز/ يوليو المنصرم).
وكان الرئيس الروسي خلال مقابلته لإمام علي رحمن (مايو/ أيار المنصرم) قد أكّد على مساعدة حكومات الجمهوريات الوسطى في حماية أمنها من التهديدات الخارجية والداخلية.
والتعبير الأخير تحذيرًا ممّا سمّي بالثورات الملوّنة التي استهدفت عدداً من البلدان ومنها قيرغيزستان التي عاشت إرهاصات ما سمي “ثورة السوسن” العام 2005، علماً بأن موسكو تملك قاعدتين عسكريتين في طاجيكستان وقيرغيزستان، ويمكن استخدامهما ضدّ أي عدوان محتمل من جانب طالبان، والأمر لا يتعلّق بالحلفاء فقط، بل يشمل أمن ومصالح روسيا، وخشيتها من امتدادات إسلامية وسط مسلميها الذين يزيد عددهم على 20 مليون مسلم ولهم ارتباطات وطيدة مع مسلمي آسيا الوسطى والجمهوريات السوفياتية السابقة وعموم المسلمين.
وترسل روسيا إلى المناورات في طاجيكستان أربع قاذفات بعيدة المدى فوق الصوتية إلى حدود أفغانستان، وهدفها كما تقول التدريب على شن غارات على معسكرات خفية ومستودعات ذخيرة لمقاتلين مفترضين.
ولعلّ مثل هذا الإعلان هو رسالة روسية صريحة وواضحة إلى طالبان، وذلك بإعلانها عن إسناد قاذفاتها من مقاتلين لطائرات ميغ روسية طراز -29 تابعين لسلاح الجو الأزبكي.
الجدير بالذكر أنه تمّ تشكيل قوات الإنتشار السريع الجماعية التابعة لمنظمة معاهدة الأمن الجماعي بتعداد 18 ألف جندي، وكل ذلك يجري في إطار قلق الكرملين إزاء التطورات الأخيرة في أفغانستان، حيث تراقب روسيا عن كثب كل ما يجري.
كما تواصل اتصالاتها النشطة مع زعماء دول آسيا الوسطى، إضافة إلى بكين التي يشغلها هي الأخرى هيمنة طالبان على أفغانستان ومحاولات تمدّدها بعد الإنسحاب الأمريكي وتصاعد نفوذ القوى الإسلامية المتعصّبة والمتطرّفة، فهي تخشى مثل روسيا امتداد ذلك إليها، خصوصاً وأن ثمّة إنتقادات توجّه إليها بخصوص تعاملها مع المسلمين الصينيين.