مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

سد النهضة.. إثيوبيا تُعلق فشلها على شماعة مصر

نشر
الأمصار

أعلنت إثيوبيا الجمعة الماضية صد أكبر هجوم مسلح على سد النهضة منذ إنشائه عام 2011 وأعلن رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد أن العدو التاريخي لإثيوبيا يقف وراء الهجوم وهو من قام بدعم جبهة تحرير تيجراي لتنفيذه فلماذا اتهم آبى احمد مصر بضرب السد؟ وما مصير السد بعد فشل الملأ الثاني؟

 

صرح الجيش الإثيوبي إن 50 مسلحا قتلوا وأصيب 70 آخرون من عناصر الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي من قبل أديس أبابا، حيث شنت هجوم كبير على سد النهضة عقب التسلل عن طريق منطقة المحلة على الحدود السودانية.

 

وأوضح منسق العمليات العقيد سيفي إنجي بمنطقة متكل بإقليم بني شنقول، الإقليم المقام عليه السد، أن هذه العناصر تسللت بهدف تعطيل عملية بناء سد النهضة والقيام بعمليات تستهدف السد.

 

وأشار إلى أنها حاولت استخدام متفجرات صغيرة وثقيلة أثناء تسللها، إلا أنها لم تستطع مواجهة الجيش الإثيوبي الذي كان يراقب المنطقة ليل نهار.

كما أوضح إنجى أن باقي المسلحين هربوا أثناء المواجهة، فيما استولى الجيش على بعض الأسلحة التي كانت تستخدمها عناصر الجبهة.

 

السودان

صرح الطاهر أبو هاجة القائد في الجيش السوداني “تابعنا تصريحات منسوبة للجيش الإثيوبي تتحدث عن دعم القوات المسلحة السودانية لمجموعات مسلحة حاولت تخريب سد النهضة.. نحن نؤكد أن هذا الاتهام لا أساس له من الصحة”.

 

ودعا أبو هاجة السلطات الإثيوبية إلى “العمل على حل صراعاتهم بعيداً عن إقحام السودان فيها، لأن السودان وجيشه لا يتدخل في القضايا الداخلية للجارة إثيوبيا”.

 

وختم البيان بالقول إن “الحكومة الإثيوبية درجت على إقحام اسم السودان بصورة متكررة كلما تفاقمت حِدة أوضاعها الداخلية”، مطالبة الحكومة الإثيوبية بوقف تكرار الادعاءات التي لا يسندها واقع ولا منطق ضد السودان تحقيقا لمصالح وأغراض شخصيات ومجموعات محددة.

 

كان ان المستشار الإعلامي لرئيس مجلس السيادة السوداني، العميد الطاهر أبوهاجة، نفى الاتهامات الإثيوبية، في بيان صادر عن الإعلام العسكري، السبت، ردا على تصريحات الجيش الإثيوبي بهذا الشأن.

 

فشل إثيوبيا السياسي

يرجع العداء بين حكومة تيجراي والحكومة الاثيوبية الي عام 1974 حيث عانى سكان تيجراي من الحكم العسكري والحرب الأهلية إلى أعقبت خلع الإمبراطور الاثيوبي الاخير هيلا سيلاسي في انقلاب 1974.

 

بجانب تعرض إقليم تيغراي لمجاعة عام 1983 واستمرت عامين حتى راح ضحيتها أكثر من مليون شخص ومليوني نازح.

 

كانت جبهة تحرير شعب تيغراي شبه العسكرية جزءاً من التحالف الذي أطاح بالحكومة في عام 1991.

 

وظلت الجبهة قوة مؤثرة في السياسة الإثيوبية حتى عام 2019 عندما شكل رئيس الوزراء والحائز على جائزة نوبل للسلام، آبي أحمد، ائتلافاً جديداً رفضت جبهة تحرير شعب تيغراي أن تكون جزءا منه.

 

وظلت المجموعة في السلطة في تيغراي حتى سبتمبر من العام الماضي وتحدت حكومة آبي أحمد بإجراء انتخابات على الرغم من تأجيل الانتخابات على الصعيد الوطني بسبب جائحة فيروس كورونا.

 

وبعد شهرين من ذلك شنت قوات الجبهة هجوماً على قاعدة محلية للجيش الإثيوبي وردا على ذلك شنت الحكومة الفيدرالية هجوماً عسكرياً كبيراً على تيغراي.

 

وبعد مرور عقود من الاستقرار النسبي اندلع القتال في إقليم تيغراي في نوفمبر 2020.

وأعلنت الحكومة الإثيوبية يونيو الماضي وقفا لإطلاق النار من جانب واحد في إقليم تيجراي، بعد ثمانية أشهر من إرسال رئيس الوزراء آبي أحمد قوات لشن عملية عسكرية في الإقليم إلا أن الاشتباكات في إقليم تيجراي لم تتوقف حتى يومنا هذا.

 

انهيار اقتصادي وخطر المجاعة

كشفت صحيفة “أديداس ستاندرد” الإثيوبية، عن انهيار المنظومة الاقتصادية في إثيوبيا في عهد النظام الإثيوبي الحالي، وقالت الصحيفة: لقد ارتفع التضخم لأعلى معدلاته وارتفعت أسعار كل المواد والمنتجات في البلاد.

 

وقد أصبح التضخم رمزا للاقتصاد الإثيوبي، وتابعت لقد ارتفعت أسعار المواد الغذائية على نحو غير مسبوق، اللحوم وزيوت الطعام وحفاضات الأطفال وألبان الأطفال المنتجة محليا والسكر والدقيق.

 

وتظهر الإحصاءات الرسمية أن معدل التضخم الشهري يبلغ 24.5٪. في حين أن التضخم الشهري للمواد الغذائية هو 28.7٪، فإن معدل المواد غير الغذائية يبلغ 19٪. لا يوجد جانب من جوانب الحياة لم يشهد زيادة في الأسعار، حيث تشهد الأساسيات مثل الإيجار والتعليم والصحة زيادة في معدل 50 إلى 100٪.

 

كما يمثل التضخم هو التحدي الأكبر في الاقتصاد، وأن النظام الإثيوبي الحالي يجهل كيفية الحل لهذه الأزمة.

 

ويرجع فشل إثيوبيا الحالي في ارتفاع التضخم، أن سياسة النظام الإثيوبي تقوم على إغراق المساهمين الجادين في البناء التضخمي الذي يسهم في دفع المساكن الحضرية، وربح الأجور، والفقراء في الريف، والمعاشات، وقطاعات أخرى كثيرة من السكان أسفل التل.

 

والعامل الأكبر هو انخفاض قيمة البر مقابل العملات الرئيسية، ولا يزال شراء النظام بالجملة لسياسات صندوق النقد الدولي والالتزام المكتوب بالتعويم التدريجي للعملة المحلية هو السبب الرئيسي الذي أدى إلى زيادة كبيرة في الأسعار.

 

فإثيوبيا بلد يعتمد على الاستيراد حيث تبلغ فاتورة الاستيراد ثمانية أضعاف عائدات الصادرات، وهو الأمر الأكثر إثارة للدهشة هو حقيقة أن الواردات تستمر في الزيادة بسرعة بينما ظلت الصادرات راكدة على مدى السنوات الـ 14 الماضية، ومن الواضح أنه في ظل مثل هذا الوضع الهيكلي، فإن انخفاض قيمة العملة سوف يترجم إلى زيادة في الأسعار حيث يؤدي انخفاض قيمة العملة إلى ارتفاع أسعار الواردات.

وتابعت الصحيفة المحلية أن هناك حالة من الترف على مستوى المسئولين الحكوميين في ظل النظام الحالين حيث يقود المسئولين سياراتهم الخاصة ويسافرون بتكلفة مالية كبيرة دون مراعاة للوضع الاقتصادي.

 

وما يزيد المشكلة هو نوع الاستثمارات التي تأخذها حكومة أبي كأولويات، لا تضيف المتنزهات والمرافق الترفيهية والمتاحف القدرة الإنتاجية إلى الاقتصاد الحقيقي. إذا كان هناك أي شيء، فإن ما يفعلونه هو التحريض على المزيد من الاستهلاك والإنفاق. نوع الوظائف التي تخلقها هذه الاستثمارات منخفضة الأجر وقليلة المهارات، مما يضيف القليل إلى القدرة التنافسية للاقتصاد.

 

والجدير بالذكر أن الصراع في تيجراي أثر على الاقتصاد الإثيوبي، حيث تُظهر الميزانية التكميلية البالغة 28 مليار ETB التي تمت الموافقة عليها في أبريل 2021 أن التقدم المباشر قد زاد بعد الصراع، وتشير توقعات صندوق النقد الدولي إلى أن الصراع دفع عجز الميزانية إلى 3.3٪ من الناتج المحلي الإجمالي، وهو أعلى من عتبة 3٪ طويلة الأمد.

 

وأصبح من المستحيل الحصول على الخدمات العامة دون دفع رشاوي، وقد أدى ذلك إلى أن يعيش الموظفون العموميون أسلوب حياة يفوق إمكانياتهم وسلسلة الوسطاء التي ربطت نفسها بالقطاع العام جعلت حياة الناس العاديين لا تطاق. في الوقت نفسه، تزيد هذه السلاسل من تكلفة ممارسة الأعمال التجارية وبالتالي تساهم في التراكم الكبير للأسعار في السوق.

 

ووصل الفساد في إثيوبيا إلى أعلى درجاته حتى أن المسئولين الفاسدين تقامر بحياة الناس ويقوم السماسرة والمتعاونون معهم بتهريب الأدوية من نظام الصحة العامة وبيعها في الأسواق السرية، إلى جانب تعطيل سلاسل الإنتاج والإمداد، فإن الصراعات في البلاد، سواء كانت الحرب الشاملة في تيجراي أو النزاعات المحلية في مناطق بني شنقول جوموز وأوروميا والصومال والأمهرة، تنطوي على إنفاق ضخم في التعبئة العسكرية.

 

ولا شك أن هذا سيضغط على الميزانية، مما يدفعها إلى استخدام أدوات أخرى مثل الاقتراض المباشرة للبنك المركزي، وغالبًا ما يؤثر تراكم الأسعار على الأشخاص ذوي الدخل الثابت والذين لا يستطيعون التحوط من المخاطر من خلال وسائل أخرى. في ظل الواقع الحالي لإثيوبيا، فإن هذا يستلزم وجود 27 مليون شخص يعيشون في فقر شديد، و1.4 مليون موظف عام، و350.000 متقاعد، و 17٪ من العاملين في القطاع غير الرسمي، و20 مليون عاطل عن العمل من السكان في سن العمل.

 

ووصفت الأمم المتحدة في يونيو الماضي الموقف شمالي إثيوبيا بالمجاعة.

 

وكشفت دراسة، أجريت بدعم من الأمم المتحدة أن 350000 شخص يعانون “أزمة طاحنة” في الإقليم الذي تدمره الحرب.

 

ووفقا لتلك التقديرات الأممية، وصل الموقف من حيث توافر إمدادات الغذاء إلى حدٍ يمكن معه وصفه “بالكارثي”، وهو الوصف الذي تستخدمه المنظمة الدولية في وصف المجاعة والموت الذي يؤثر على مجموعات صغيرة من الناس في مناطق كبيرة.

 

وطالب برنامج الأغذية العالمي ومنظمتا الغذاء والزراعة، والأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) بتحرك عاجل للتعامل مع هذه الأزمة.

 

لكن الحكومة الإثيوبية لم تؤيد هذا التحليل الذي استندت إليه الدراسات والتقديرات الأممية. ونفت أن تكون هناك مجاعة في البلاد.

 

وتعرب الأمم المتحدة عن قلقها من نقص الغذاء في تيغراي منذ اندلاع الحرب، وتقول إن أكثر من خمسة ملايين شخص بحاجة ماسة إلى الغذاء والمساعدات في المنطقة، ونحو 350 ألف شخص على الأقل على حافة المجاعة، وهو ما تنفيه الحكومة الإثيوبية.

 

مصر والملأ الثالث

في سياق آخر، قال موقع “أفريكا إنتليجنس” الفرنسي المقرب من عدة دوائر مخابرات غربية، إن مصر تخطط لعقد مؤتمر كبير حول ملف المياه، في أكتوبر المقبل، بحضور عدد كبير من رؤساء الدول الأفريقية، والذي يهدف لخلق أسواق جديدة للشركات المصرية في هذا الشأن، وحشد الدعم لتنظيم عملية الملء الثالث لسد النهضة الإثيوبي.

 

وذكر الموقع الاستخباراتي في تقريره أن وزارة الري المصرية شكلت لجنة للإشراف على دبلوماسية المياه، والتأكد من عدم إتمام إثيوبيا المرحلة الثالثة من ملء سد النهضة المقرر له العام المقبل، دون التوصل لاتفاق ملزم.

 

وتنظم مصر مؤتمرا حول قضايا المياه في الفترة من 24 إلى 28 أكتوبر، وذلك لتعزيز دور القاهرة في الإدارة المستدامة للمياه، على عكس السلطات في إثيوبيا التي تقوم بتبذير موارد المياه من خلال سد النهضة الضخم.

 

وأشار التقرير إلى أن جزء من المؤتمر مخصص لتشجيع إعادة استخدام مياه الصرف الصحي لأغراض الري، وكذلك تحلية مياه البحر.

 

وتعمل شركات مصرية عدة في سوق تحلية المياه من خلال عقد شراكات مع مجموعات أجنبية، كما تنفذ هذه الشركات مشاريع أخرى خارج مصر، مثل دولة الكونغو، حيث تعمل على تحسين إمكانات الطاقة الكهرومائية في هذا البلد.

 

وفي وقت سابق، حذر رئيس الوزراء السوداني، عبدالله حمدوك، الجمعة الماضية، من أن أي خطأ في سد النهضة سيضر بالسودان أكثر من مصر وإثيوبيا نفسها.

 

وقال حمدوك في مقابلة مع قناة “الشرق” السعودية إن “أي خطأ في سد النهضة سينال السودان الضرر الأكبر منه”.

 

وأضاف “تربطنا مع إثيوبيا علاقات تاريخية وثقافية مشتركة وأي مشاكل معها ستٌحل عبر الحوار والتفاوض في إطار القانون الدولي”.

 

وأعرب رئيس وزراء السودان عن أمله في التوصل لاتفاق قانوني بشأن أزمة سد النهضة وفقا للقانون الدولي.

 

فهل سيتغير موقف إثيوبيا بعد تفاقم نزاعاتها الداخلية وإخفاق اقتصادها عن تحمل عبء تكاليف السد؟