عبدالرحمن جعفر الكناني يكتب : لبنان خطوة باتجاه استعادة السيادة
حسمت أزمة تشكيل الحكومة في لبنان بتنصيب نجيب ميقاتي رجل التوازن والاعتدال، بعد عام من حياة معطلة، تتجاذبها أطراف الصراع الذي تحركه جهات خارجية لها أذرعها المتنفذة في مفاصل دولة فقدت سيادتها.
متغير في مجرى الحياة السياسية كان منتظرا في لبنان الواقع تحت خط الفقر في زمنه الراهن، بعد إعلان إفلاسه المحتوم في وقت سابق، متغير لا يعود إلى تفاصيل مرحلة سبقته، تتحكم به فئة وهبتها القوى الإقليمية وكالة تنفيذ مخططاتها في بلد مزقته الحروب الأهلية.
نجيب ميقاتي، رجل دولة يعرفه الوطن العربي والعالم، عرفه لبنان رجل اقتصاد قبل أن يكون رجل سياسية، بدأ دخولها في حياة برلمانية، تدرج بعدها في شغل أرفع المناصب السياسية في أهم المراحل وأكثرها تعقيدا.
كان ميقاتي صمام الأمان، وقائد عجلة الانتقال إلى مرحلة ما بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري عام 2005، في زمن قياسي منع فيه الدخول إلى مرحلة الانفلات الأمني، وإثارة التناحر بين القوى الفاعلة في الخارطة السياسية.
مهمة هي الأكبر على الإطلاق يتولاها الرئيس نجيب ميقاتي، تتجسد أول ما تتجسد في استعادة سيادة لبنان باستعادة هويته العربية أولا، والتحرر كليا من الحاضنة الإيرانية، والعودة إلى المحيط العربي، والخضوع لمبادئ الشرعية الدولية كدولة مستقلة لها الحق في ضمان وجودها والنأي بالنفس عن دائرة الصراعات التي لا تجني من وراءها غير النكبات تلو النكبات.
حكومة الاقتصادي نجيب ميقاتي، امتلكت مستلزمات تنفيذ مخطط إنقاذ لبنان، بتركيبة امتلكت ثقل الثلثين التي لا يعطلها الثلث المتضائل بإرادة شعبية، وقع مرسومها مع الرئيس ميشال عون، وفرضت وجودها على جميع القوى السياسية في خارطة وطنية، بانتظار تأييد دولي وعربي يدعم تنفيذ مهامها المعلنة في الانتقال إلى استقرار سياسي واقتصادي وأمني فقده الشعب اللبناني.
وقف انهيار لبنان وإعادة الرخاء إليه، أول دعوة أطلقها نجيب ميقاتي مقرا بصعوبات ستعترضه، دعوة ليس من السهل تجسيدها على الواقع دون مواجهة تحديات جهات خارجية لها أذرعها التي صادرت مفاصل الدولة وتحكمت بها حتى أفقدتها وجودها التقليدي.
لا تمتلك حكومة نجيب ميقاتي، العصا السحرية في نقل لبنان بين ليلة وضحاها إلى وطن مستقر في جوانب الحياة كافة، فهي ستدير شؤون بلد أعلن إفلاسه، ودمرت بناه الاقتصادية والمالية، وتعاني شرائحه الكبرى من فقدان أبسط شروط الحياة “78 بالمائة تحت خط الفقر”، وما زال ذراع حزب الله متحكما بأهم المفاصل المؤثر اقتصاديا وسياسيا وامنيا، ولن يسلم بها بهذه البساطة من اجل إنجاح عمل الحكومة الجديدة في إنقاذ لبنان من الوقوع في قاع العدم.
الحكومة الجديدة وفرت مبدئيا شروطا طالما طالب بها المجتمع الدولي مقابل تقديم أي دعم مالي واقتصادي للبنان، فهي حكومة “تكنوقراط” مهمتها الرئيسية إجراء إصلاحات جذرية في القطاعات كافة، بعيدا عن شروط الهيمنة الإيرانية عبر ذراع حزب الله.
سياسة جديدة لا يحكمها حزب الله، أعلن عنها بالحرف الواحد نجيب ميقاتي بعد التوقيع على مرسوم تشكيل حكومته : ” نحن بحاجة للعالم العربي، نحن ننتمي للعالم العربي، ونحن بحاجة له، وسنطرق باب كل دولة عربية طلبا للمساعدة ” .