تنصيب آبي أحمد لولاية جديدة فى ظل خطر المجاعة وتفاقم الأزمات الإنسانية والاقتصادية فى أثيوبيا
أقيمت اليوم الاثنين مراسم تنصيب رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد لولاية جديدة مدّتها خمس سنوات، فى الوقت التى تعانى فيه إثيوبيا من سلسلة متواصلة من إراقة الدماء وخطر المجاعة بسبب نزاع إقليم تيغراي المتواصل منذ أشهر وانهيار الاقتصاد الإثيوبي.
وبعدما أعاد البرلمان انتخابه اليوم لولاية جديدة، أدى أبي أحمد اليمين الدستوري أمام كبير قضاة المحكمة العليا ميزا أشينافي. كما قام بذلك كل من رئيس مجلس النواب ونائب أبي أحمد
وقد تأجلت الانتخابات لشغل مقاعد بعض المناطق حتى نهاية سبتمبر الماضي، لكن ذلك لم يكن ليؤثر على نتائج جولة يونيو التي حسمت فوز حزب رئيس الوزراء
وقاطعت أحزاب المعارضة هذه الانتخابات ، بينما وصفها بعض مراقبي الانتخابات الأجانب بأنها أفضل من الانتخابات السابقة
كما حضر ثلاثة رؤساء دول إفريقية فقط هم نيجيريا والسنغال والصومال مراسم تنصيب أبي أحمد اليوم.
الأمم المتحدة
انتهت المهلة الممنوحة من الحكومة الإثيوبية لسبع مسؤولين أممين طالبت بطردهم الخميس الماضي ومنحتهم 72 ساعة لمغادرة البلاد، في خطوة تهدد بتفاقم الأزمة الإنسانية في تيجراي.
وأعلنت إثيوبيا الخميس الماضي طرد 7 مسؤولين في وكالات تابعة للأمم المتحدة بمزاعم “تدخلهم في شؤون البلاد الداخلية”، من بينهم مديران محليان لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسف”.
و استنكرت الأمم المتحدة الإعلان الإثيوبي واعتبرته “خطوة خطيرة” تهدد بتفاقم الأزمة في بلد يعاني فيه نحو 5.2 مليون شخص من المجاعة بسبب الحرب المستمرة منذ 11 شهرًا في إقليم تيجراي، والتي امتدت في أقاليم مجاورة ما يهدد بتزايد أعداد الأشخاص المعرضون لخطر المجاعة فضلاً عن موجات جديدة من اللاجئين والنازحين.
وخلال الحرب التي لم تتوقف بعد حذر مسؤولو الأمم المتحدة مرارًا وتكرارًا من الأزمة الإنسانية واتهموا الحكومة الإثيوبية بعرقلة المساعدات لتيجراي، وأعلنوا الأسبوع الماضي دخول 10% فقط من المساعدات المطلوبة للإقليم.
وفقًا للأمم المتحدة، يحتاج 5.2 مليون شخص في إقليم تيجراي ما يقرب من 90% من سكانه، إلى مساعدات إنسانية من أجل البقاء على قيد الحياة ، مما يستلزم تدفق حوالي 100 شاحنة محملة بالامدادات والمساعدات إلى المنطقة يوميًا
وكان وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن أدان القرار، وقال إنه يأتي بنتائج عكسية للجهود الدولية المبذولة لحفظ سلامة المدنيين وضمان استمرار المساعدات الإنسانية الأساسية لهم. كما أدان البيت الأبيض القرار، ولوح بعقوبات على إثيوبيا لعرقلة الجهود الإنسانية
واعتبر الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والأمنية في الاتحاد الأوروبي أن طرد 7 من طاقم عمل الأمم المتحدة من إثيوبيا في وقت يحتاج فيه الملايين للمساعدة أمر “غير مقبول”.
وصدر القرار الاثيوبى في نفس اليوم الذي صدر فيه تقريرًا عن مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، يشير إلى أن 79% من النساء الحوامل أو المرضعات في تيجراي يعانين من سوء التغذية وأن الوقود والدواء لم يصلوا إلى المنطقة منذ يوليو الماضي بسبب السلطات الإثيوبية.
ولن تكن هذه المرة الاولي لطرد السلطات الإثيوبية عمال إغاثة ومنظمات إنسانية لمعارضتهم الرواية الحكومية الرسمية بشأن الأوضاع في تيجراي، ومنهم منظمة “أطباء بلا بحدود”والمجلس النرويجي للاجئين، واتهمت إثيوبيا منظمات إغاثة بدعم المقاتلين في تيجراي ومدهم بالسلاح، الأمر الذي نفته المنظمات وطالبت بتقديم دليلاً عليه لبدء تحقيق مع موظفيها.
وفي أحدث تصريحات لمنسق الشؤون الإنسانية مارتن جريفيث، أكد أن أزمة المجاعة في تيجراي “تخرج عن السيطرة” مع فرض حكومة آبي “حصارًا فعليًا” على الإقليم.
إقليم تيغراي
كان إقليم تيغراي مقر مملكة اكسوم والتي كانت واحدة من أعظم حضارات العالم القديم، وكانت ذات يوم أقوى دولة بين الامبراطورتين الرومانية والفارسية.
وتعد أنقاض مدينة أكسوم أحد مواقع التراث العالمي للأمم المتحدة، ويعود تاريخ الموقع إلى ما بين القرنين الأول والثالث عشر الميلادي ويضم مسلات وقلاعا ومقابر ملكية وكنيسة يعتقد البعض أنها تضم تابوت العهد.
وينتمي معظم سكان تيغراي، إلى الديانة المسيحية الأرثوذكسية، وتمتد جذور المسيحية فيها إلى ما قبل 1600عام.
تعد اللغة التيغرانية لهجة سامية يتحدث بها حوالي 7 ملايين شخص حول العالم.
وتنقسم إثيوبيا إلى 10 ولايات إقليمية على أسس عرقية وتتمتع بحكم ذاتي إلى حد كبير، ولكن تشاركها في الحكم مؤسسات مركزية.
ويُعد أبناء إقليم تيغراي هم ثالث أكبر مجموعة عرقية فى البلاد بعد الاورومو والامهرة حيث يوجد 80 جماعة عرقية فى إثيوبية بنسبة 7 ملايين مواطن من أصل 122 مليون إثيوبي.
أصل النزاع
يرجع العداء بين حكومة تيغراي والحكومة الاثيوبية الي عام 1974 حيث عانى سكان تيغراي من الحكم العسكري والحرب الأهلية إلى أعقبت خلع الإمبراطور الاثيوبي الاخير هيلا سيلاسي فى انقلاب 1974.
بجانب تعرض إقليم تيغراي لمجاعة عام 1983 واستمرت عامين حتى راح ضحيتها أكثر من مليون شخص ومليونى نازح .
كانت جبهة تحرير شعب تيغراي شبه العسكرية جزءاً من التحالف الذي أطاح بالحكومة في عام 1991.
وظلت الجبهة قوة مؤثرة في السياسة الإثيوبية حتى عام 2019 عندما شكل رئيس الوزراء والحائز على جائزة نوبل للسلام، آبي أحمد، ائتلافاً جديداً رفضت جبهة تحرير شعب تيغراي أن تكون جزءا منه.
وظلت المجموعة في السلطة في تيغراي حتى سبتمبر من العام الماضي وتحدت حكومة آبي أحمد بإجراء انتخابات على الرغم من تأجيل الانتخابات على الصعيد الوطني بسبب جائحة فيروس كورونا.
وبعد شهرين من ذلك شنت قوات الجبهة هجوماً على قاعدة محلية للجيش الإثيوبي وردا على ذلك شنت الحكومة الفيدرالية هجوماً عسكرياً كبيراً على تيغراي.
وبعد مرور عقود من الاستقرار النسبي اندلع القتال فى إقليم تيغراي فى نوفمبر 2020.
وأعلنت الحكومة الإثيوبية يونيو الماضي وقفا لإطلاق النار من جانب واحد في إقليم تيغراي، بعد ثمانية أشهر من إرسال رئيس الوزراء آبي أحمد قوات لشن عملية عسكرية في الإقليم إلا أن الاشتباكات فى إقليم تيغراي لم تتوقف حتى يومنا هذا .
خطر المجاعة
ووصفت الأمم المتحدة في يونيو الماضي الموقف شمالي إثيوبيا بالمجاعة.
وكشفت دراسة، أجريت بدعم من الأمم المتحدة أن 350000 شخص يعانون “أزمة طاحنة” في الإقليم الذي تدمره الحرب.
ووفقا لتلك التقديرات الأممية، وصل الموقف من حيث توافر إمدادات الغذاء إلى حدٍ يمكن معه وصفه “بالكارثي”، وهو الوصف الذي تستخدمه المنظمة الدولية في وصف المجاعة والموت الذي يؤثر على مجموعات صغيرة من الناس في مناطق كبيرة.
وطالب برنامج الأغذية العالمي ومنظمتا الغذاء والزراعة، والأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) بتحرك عاجل للتعامل مع هذه الأزمة.
لكن الحكومة الإثيوبية لم تؤيد هذا التحليل الذي استندت إليه الدراسات والتقديرات الأممية. ونفت أن تكون هناك مجاعة في البلاد.
وتعرب الأمم المتحدة عن قلقها من نقص الغذاء في تيغراي منذ اندلاع الحرب، وتقول إن أكثر من خمسة ملايين شخص بحاجة ماسة إلى الغذاء والمساعدات في المنطقة، ونحو 350 ألف شخص على الأقل على حافة المجاعة، وهو ما تنفيه الحكومة الإثيوبية.
إريتريا
في ظل التحالف الجديد بين أديس أبابا وأسمرا العاصمة الإرتيرية بعد توقيع اتفاقية السلام بين البلدين في يونيو 2018 وما تبعها من زيارات متبادلة بين قيادات البلدين كان آخرها زيارة أفورقي إلى سد النهضة في أكتوبر 2020 وهي أول زيارة لرئيس أجنبي للسد الأثيوبي قدمت إريتريا الدعم لإثيوبيا فى الحرب ضد إقليم تيغراي .
يعود أساس هذا النزاع في تيغراي والتدخل المرجح لإريتريا فيه إلى انهيار تحالف السنوات السبع عشرة خلال القرن الماضي بين جبهة تحرير تيغراي والجبهة الشعبية لتحرير إريتريا اللتين خاضتا حرباً ضروساً للإطاحة بنظام الرئيس الراحل “منغيستو هيلا مريام” عام 1991.
لقد كلف ذلك النزاع الإقليم وحده ما يزيد على 60 ألف قتيل، وعشرات الآلاف ممن أصيبوا بإعاقات دائمة ومئات الآلاف من المشردين والنازحين.
التبعيات الاقتصادية للحرب
أسفرت الحرب في إثيوبيا، التي استمرت 10 أشهر، عن حدوث خسائر بشرية هائلة وسقوط الآف القتلى فضلا عن تشريد ملايين آخرين، من بينهم العديد ممن هم في أمس الحاجة إلى مساعدة.
بيد أن ذلك لم يكن الضرر الوحيد الذي منيت به ثاني أكبر دولة في أفريقيا من حيث تعداد السكان، بل كبدت الحرب البلاد تكلفة اقتصادية ضخمة، قد تستغرق سنوات لإصلاحها.
وتظهر الإحصاءات الرسمية أن تكلفة السلع الاستهلاكية الأساسية ارتفعت بالفعل في إثيوبيا، فقد سجلت زيادة في المتوسط أعلى بنحو الربع في يوليو مقارنة بعام سابق.
كان الاقتصاد الإثيوبي، قبل جائحة فيروس كورونا والحرب، واحدا من أسرع الاقتصادات نموا في المنطقة، إذ سجل نموا بمعدل 10 في المئة سنويا في العقد حتى عام 2019، وفقا للبنك الدولي.
ويضيف أن أصحاب الأعمال التجارية في البلاد قلقون من تدهور الوضع الأمني في ظل انتشار الحرب خارج تيغراي وإلى منطقتي عفار وأمهرة المجاورتين.
وتعاني تيغراي من عدم توافر خدمات أساسية، بما في ذلك الاتصالات السلكية واللاسلكية والبنوك، منذ أن فرضت الحكومة حصارا عليها في يونيو، بعد أن استعاد المتمردون العاصمة الإقليمية ميكيلي.
ويعيش أكثر من 400 ألف شخص في تيغراي بالفعل في ظروف أشبه بالمجاعة، في ظل تقويض عمليات توزيع المساعدات ونقص إمدادات الكهرباء والوقود، مما أدى إلى ارتفاع الأسعار.
وتستورد البلاد نحو 14 مليار دولار من البضائع سنويا، بينما تصدر 3.4 مليار دولار فقط.
كما يثير الدين الوطني الإثيوبي قلق المراقبين الاقتصاديين، إذ يتوقع البعض أن يصل إلى 60 مليار دولار خلال العام الجاري، أو ما يقرب من 70 في المئة من إجمالي الناتج المحلي.
وفي ظل غياب تسوية سياسية للصراع بين الحكومة الفدرالية وسلطات إقليم تيغراي، قد تتصاعد الأزمة، التي باتت تنطوي على مخاطر كبيرة تهدد وحدة البلاد والاستقرار الإقليمي، خاصة مع تنامي صعوبة الفصل بين التوترات الداخلية والصراعات الإقليمية التي تشهدها المنطقة.
وخلال الأسابيع الأخيرة امتد الصراع إلى منطقتين مجاورتين هما عفر وأمهرة، ما تسبب في نزوح 250 ألفا آخرين تقريبا.
وأثار هذا الصراع مخاوف دولية من زعزعة الاستقرار على نطاق أوسع في ثاني أكبر دولة في أفريقيا من حيث عدد السكان.