مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

د.عبد الحفيظ محبوب يكتب :الدبلوماسية السعودية تواصل انتصاراتها في اليمن

نشر
د. عبد الحفيظ
د. عبد الحفيظ

 

خاب ظن إيران عندما اعتقدت أن انسحاب أمريكا من أفغانستان وتسليمه لطالبان، بأن يتكرر في اليمن ويتم تسليم اليمن للحوثيين، يبدو أنها فقدت بصيرتها من أن طالبان كانت تحكم أفغانستان من عام 1996 إلى عام 2001 عندما غزت أمريكا أفغانستان بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، ولم تأت أمريكا بطالبان إلى حكم أفغانستان كما أتت بالخميني ودعمت ثورته، ولكن في الحقيقة لم تدعم تصدير ثورته إلى المنطقة، بينما وكلاء إيران في اليمن الحوثيين مليشيات خاضت ستة حروب مع الجهورية اليمنية في عهد الرئيس علي عبد الله صالح، ولم تتمكن جماعة الحوثي الخروج من صعدة نهائيا، ولولا أن الرئيس علي عبد الله صالح الذي كان يبتز السعودية بمليشيات الحوثيين للحصول على مساعدات وهبات مالية لتمكن من القضاء عليهم تماما.

رغم خلع علي عبد الله صالح من الحكم عام 2012 في فبراير برعاية مجلس التعاون الخليجي، ودعم مجلس الأمن، أغلب عناصرها ومعه الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي، ومنح حصانة كاملة لعلي عبد الله صالح مقابل ترك المنصب.

لكنمكث صالح في اليمن،ودأب على إفساد الحلول السياسية على امتداد العملية الانتقالية المجهضة في اليمن، في سبتمبر 2014 استولت الجماعة المليشياوية المسلحة على صنعاء، انحاز صالح إلى الجماعة المتمردة في قتال الرئيس عبد رب هادي والتحالف بقيادة السعودية.

 أصبح الجيش اليمني تحت رهن الجماعة المتمردة، ارتكبت مليشيات الحوثي – صالح انتهاكات ترقى إلى جرائم حرب وثقت هيومنرايتسووتش زرع قوات الحوثي – صالح لألغام مضادة للأفراد في شتى أنحاء اليمن مع ممارسة القصف العشوائي لمناطق مزدحمة بالسكان مثل مدن تعز وعدن واعتقالات تعسفية وأعمال تعذيب وتجنيد أطفال وتهجير قسري، ومنعت وصول المساعدات إلى أن قتل علي عبد الله صالح على يد الحوثيين لأجل استفراد الحوثي بالسلطة،لأنهم لن يقبلوا أن يشاركهم الرئيس علي عبد الله صالح في الحكم، فتم التخلص منه في 4 ديسمبر 2017.

ما جعل الأمم المتحدة أن هناك حاجة أن تدعم لجنة خبراء الأمم المتحدة الجديدة للتحقيق في انتهاكات جميع الأطراف في حرب اليمن، ولكن دائما ما كانت قرارات اللجنة تصب في صالح الحوثيين مقابل الضغط على التحالف بقيادة السعودية، ونتيجة الضغط الدبلوماسي السعودي على الأمم المتحدة، رفض تمديد تفويض الخبراء الأمميين في اليمن.

يمثلهذا الجهد الدبلوماسي انتصار للسعودية في 7/10/2021، بينما كانت الدول الأوربية وكندا اقترحت تمديد تفويض الخبراء الدوليين والإقليميين لفترة أخرى سنتان، ورفض 21 بلدا النص وأيده 18 وامتنعت سبع دول عن التصويت.

بعدما تمكنت مليشيات الحوثيين الوصول إلى عدن في أوائل 2015 لم يكن أمام السعودية سوى تشكيل تحالفا عسكريا عربيا للتدخل وحشدت عسكريا مع دولة الإمارات، وأمنت دعما أميركيا وبريطانيا، لم يكن على مجلس الأمن سوى توفير غطاء سياسي وأخلاقي واستصدار القرار الأممي رقم 2216 الذي طالب الحوثيين بتسليم كل الأراضي التي استولوا عليها بما في ذلك صنعاء ونزع سلاحهم بالكامل، والسماح لحكومة عبد ربه باستئناف مسؤولياتها.

 استطاعت السعودية أن تحظى بدعم الدول الدائمة العضوية ومدها بالسلاح أمريكا وبريطانيا وفرنسا وحتى روسيا التي ما استخدمت حق النقض كوسيلة لموازنة هيمنة الولايات المتحدة في مجلس الأمن، بعدما تمكنت السعودية من إقامة مصالح جيوستراتيجية وحتى الصين التي أصبحت تصطف إلى جانب السعودية، وترفض أيمس بسيادة السعودية، كذلك السعودية تدعم الصين وترفض أي مسبسيادة الصين تحت بند حقوق الإنسان، واليوم هناك تحالف استراتيجي بين السعودية والصين بالتقاء الطريق والحزام ورؤية المملكة 2030.

لكن عانت السعودية من أعضاء متناوبين في مجلس الأمن والذين لديهم الحد الأدنى من العلاقات مع السعودية، ويعتبرون حقوق الإنسان في صلب السياسة الخارجية لبلدانهم، فمثلا حاولت نيوزيلندا عام 2016 تعميم نقاط يمكن تضمينها في قرار يحل محل 2216، لكن تم نقد هذه المبادرة وتم رفضها بشدة، وحصل في أكتوبر 2019 عندما دعت البيرو وألمانيا وبلجيكا مجموعة الخبراء الدوليين والإقليميين البارزين الذين كلفتهم الأمم المتحدة بالتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان في اليمن، ولكن هناك دول منعت هذه الدول من تحقيق هدفها، وسبق دعوة قدمت من بولندا وهولندا والبيرو عام 2018 لوقف تقدم القوات المدعومة من السعودية والإمارات نحو ميناء الحديدة، وغيرها من دعوات مقدمة من الأعضاء غير الدائمين.

أميركا مستعدة للنظر في كل الخيارات إذا لم تعد إيران لاتفاق 2015، واليوم واشنطن والسعودية تبحثان سبل كبح إيران ووكلاءها في المنطقة، ويناقش وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان مع المبعوث الخاص بشؤون إيران روبرت مالي على أهمية تعزيز العمل المشترك لوقف الدعم الإيراني للمليشيات الإرهابية التي تهدد أمن واستقرار منطقة الشرق الأوسط والعالم، ونجد أن النيابة العامة الاتحادية في ألمانيا تكشف أنها أوقفت متهمان يعتزمان تشكيل وحدة شبه عسكرية قوامها بين 100 و 150 رجلا مكونة بشكل رئيسي من شرطيين وجنود سابقين لإرسالها لليمن، وسبق أن تواصلا مع السعودية لكنها أهملتهما من أجل تجنيد مرتزقة للتدخل في عدة نزاعات وهو أسلوب ترفضه السعودية، تستطيع ممارسة ما تمارسه إيران وتهدد حدودها وهناك نزاعات عددية تعاني منها إيران لكن تختلف السعودية عن إيران في أنها مركز روحي للمسلمين ولا يمكن أن تقتفي أثر تلك الممارسات في تجنيد مرتزقة على غرار إيران وتركيا لتوظيفها في نزاعات عديدة، وأيضا لا تود ألمانيا أن تكون منصة لشبكات واسعة خصوصا من اليمين المتطرف ففي عام 2010 أحدثت شركة أسفارد للخدمات الأمنية الخاصة ضجة في برلين عندما أبرمت عقدا مع معارضين للحكومة الصومالية.

وتنتقد السعودية الاتفاق النووي الموقع عام 2015 وتعتبر أنه مشوب بالخلل لأنه لا يتناول برنامج طهران الصاروخي وشبكة عملائها الإقليميين وهو ما يمثل مصدرا رئيسيا بالنسبة لبعض دول الخليج.

وفي دعم للقرار الأممي الذي صدر في 2216 دعا مجلس الأمن الدولي في بيان صدر بإجماع أعضائه في 20/10/2021 إلى وقف التصعيد في اليمن لمواجهة الخطر المتزايد بحدوث مجاعة واسعة النطاق في البلاد، بما في ذلك وقف فوري للحوثيين في مأرب، وأدان مجلس الأمن تجنيد الأطفال واستخدامهم والعنف الجنسي في النزاع، وهذا البيان أعدته بريطانيا.

 يمر اليمن بمرحلة جديدة مختلفة عن سابقاتها، ويجب عدم الاستخفاف بالحوثيين وان التعايش مع وجود إيران في اليمن صار حقيقة وهو ما لم تقبله دول المنطقة تماما ولا الشعب اليمني، لأنه عندما عرضت السعودية على الحوثيين مبادرة سلام في مارس 2021 رد حسن أورلو الحاكم العسكري من الحرس الثوري في صنعاء على المبادرة، وكان يفترض ليس من حقه الرد على المبادرة السعودية وليس مخولا للرد بينما المخولين هم الحوثيين، لكن كان رده في تغريدة من أن مبادرة السعودية في اليمن مشروع حرب دائم.

تود إيران توسيع نفوذها البحري بسبب أن هناك قوى في الشمال في بحر قزوين مثل روسيا وتحالف تركي أذربيجاني، فهي تبحث عن منافذ أخرى لها على البحر العربي والبحر الأحمر، فاستيلاء الحوثيين على شبوة يضمن لإيران منفذا على بحر العرب، واستيلاء الحوثيين على الحديدة بعدما منع العالم من تحرير التحالف العربي الحديدة أواخر 2018 وتم استبداله باستوكهولم برعاية الأمم المتحدة، والذي رعاه مارتن غريفيت في وقف هجوم قوات التحالف بقيادة طارق محمد عبد الله صالح، واتفاق استكهولم مثله مثلما استخدم الحوثيين اتفاق السلم والشراكة من أجل تمكينهم فقط وكغطاء شرعي لوضع اليد على صنعاء بعد 21 سبتمبر 2014 كي يخلقوا أمرا واقعا، كذلك اتفاق استكهولم يعتقدون أنه يمكنهم من فرض أمر واقع في مأرب الغنية بالنفط.

وإيران تعرف قوانين اللعبة الدولية، والحوثيين ينفذون المشروع الفارسي ما داموا هم أيضا يضمنون السيطرة على اليمن وحكمه بقوة السلاح، وبذلك تكون إيران قد ضمنت لها منفذا على البحر الأحمر، وهو ما ترفضه السعودية ومصر اللتان مسؤولان عن حماية البحر الأحمر،خصوصا بعدما نجح التحالف في تحرير ميناء المخا الاستراتيجي، لذلك لا تكتف إيران بالحوثيين في اليمن، بل تلاعب جماعة الإخوان الذين هم جزء أساسي من التحالف، وهم أساس ثورة فبراير 2011 على علي عبد الله صالح وكان مخططهم الاستحواذ على الحكم كما في مصر وتونس وفي ليبيا، لكن فجأة وجدوا أنفسهم أداة في يد الحوثيين.

وفي نفس الوقت وجدوا يدا أخرى في التحالف، ففضلوا البقاء فيه لأنهم لا يثقون في الحوثي ولا في إيران، لذلك تدرك إيران أنها يمكن استمالة بعض قيادات الإخوان المنضوين تحتالشرعية، واستطاعت إيران استثمار بعض قيادات الإخوان لصالح الحوثيين ممن لديهم مطامع خاصة لضرب الشرعية اليمنية وتفكيكها.

 ويروج البعض أن هناك صفقات تجري بين الحوثيين والإخوان، لكن ليس هذا مؤكدا، لكن البعض يدلل على أن الإخوان هم السبب في ترك الحوثيين يستولون على صنعاء بعدما خرجوا من صعدة مرورا بعمران التي تعتبر بوابة صنعاء، ولم يجدوا مقاومة شرسة بسبب أن الجميع لم يحسب لهم حساب،أو أنها كانت بين جميع الأطراف تصفية حسابات لضرب بعضهم بالحوثي، أو أن البعض الآخر اعتبرهم جماعة صغيرة جدا غير قادرة على التوسع، وهذا ليس وقته لضرب الشرعية بعدما فشلوا في ضرب التحالف خصوصا بين السعودية ودولة الإمارات الذي ظل متماسكا رغم التسريبات.

عموما إيران تتقن التسلل في المباريات الجيوسياسية، لكن يغيظها أن السعودية جاهزة بالمرصاد لتلك المباريات الجيوساسية، وهي قوة غير قابلة للكسر، وتمتلك تحالفات، وقادرة على إنشاء تحالفات بشكل سريع، ولديها علاقات دولية واسعة.

كما تدرك إيران أن السعودية رغم الحوار بينهما، لكن إيران تدرك أن السعودية لن ترضخ لسياسة النيات الطيبة، وتعتمد السعودية على قدراتها الذاتية وليس كما يروج له من قبل أمريكا والآخرين، وتعرف السعودية كذلك أنه لا يوجد حكم عادل، لكنها قادرة على تحوير هذاالحكم في جانبها، لأنها تعرف أن كل الصافرات تنطلق من مصالح سياسية واقتصادية لا علاقة لها بمفهوم القيم والأخلاق والحق والعدل.

 بجانب أن السعودية تمتلك قوة الردع لوقف أي تسلل سياسي إيراني اومن وكلائها في المنطقة،  وفشلت إيران في الحوارات التي جرت في بغداد في استمالة السعودية في أن تساعد السعودية إيران في النووي مع المجتمع الدولي مقابل أن تساعد إيران السعودية في وقف الحوثيين في استهدافها.

 وإيران تدرك وجميع الدول أن السعودية ترفض سياسة الأمر الواقع، بل تتمسك السعودية بالمرجعيات الثلاث، واليوم أضيف إليها مرجعية رابعة جديدة صادرة من مجلس الأمن في ادانة الحوثيين، وقبلها وقف تمديد لجنة الخبراء الحقوقيين التابعين للأمم المتحدة، فجهود السعودية الدبلوماسية تحقق انتصارات متوالية.

 

د.عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

[email protected]