كيف رسخت السينما المغربية القضية الفلسطينية في مجتمعها ؟
تعتمد حركة السينما المغربية، على الإرتباط الثقافي، وتدعم بشكل كبير عبر فنونها القضية الفلسطينية، حيث كانت تقام في المغرب، “أسابيع السينما الفلسطينية” ، وهي من الأنشطة الأولى التي دأبت “الجامعة الوطنية للأندية السينمائية” على تنظيمها في 30 مارس/ آذار ، “يوم الأرض الفلسطيني” كلّ عام، في معظم المدن في المغرب، بعد تأسيسها عام 1973، بمبادرة من نور الدين الصايل.
كانت هذه الأسابيع مناسبة لتجديد عقد الالتزام بدعم النضال الفلسطيني، للتحرّر من قيود الاحتلال الإسرائيلي، والسعي وراء النيل من حقوقه بشكل كامل، وذلك دون التناسي في مُساهمة المغرب مركزاً سينمائياً في إنتاج الكثير من الأعمال المهمّة، التي تناولت الشأن الفلسطيني، كرائعة الفلسطيني إيليا سليمان “يد إلهية” (2001)، وفيلم “باب الشمس” (2004) للمصري يسري نصر الله، المُقتبس عن رواية بالعنوان نفسه للروائي اللبناني إلياس خوري، وجوهرة الفلسطيني رشيد مشهراوي “عيد ميلاد ليلى” (2008).
رغم أنّ الأعمال التي تناولتها كتيمة أساسية قليلة العدد في الفيلموغرافيا المغاربية، حضرت القضية الفلسطينية في أفلام عدّة، باعتبارها مُكوّناً أساسياً للهوية الثقافية، والمنظومة القيمية للشعوب المغاربية.
كما توجد أفلامٌ وثائقية، تحضر فيها رؤية مثيرة للاهتمام لدى المخرج للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، كما في “أرضي” (2011) لنبيل عيوش الذي يتّخذ من مقاربة ذاتية (والده مغربي مسلم ووالدته فرنسية ـ تونسية يهودية) وسيلة للقبض على مأساوية الشرط الفلسطيني، من خلال ربط حوار عن بُعدٍ بين عجائز فلسطينيين، يعيشون في مخيم في لبنان، بعد 60 عاماً على تهجيرهم من أراضيهم، وشبّان إسرائيليين، يكتشفون للمرّة الأولى قصص من كانوا يعيشون على الأرض التي يحتلونها اليوم.
ويذكر أن هناك أفلام وثائقية مهمّة، لم تُسجّل رسمياً في الفيلموغرافيا المغاربية، ويوجد 6 وثائقيات طويلة لسيمون بيتّون، تُعتبر أهمّ مُنجز فيلميّ مغاربيّ يُمكن الركون إليه، لإحاطة شبه شاملة بكلّ جوانب القضية الفلسطينية، التاريخية والثقافية والسياسية. مُقاربة إنسانية، لا تتردّد في التحيّز إلى الحقّ الفلسطيني، بعيداً عن التناول الغربي الذي ينتصر غالباً لمُقاربة تدّعي الموضوعية، لكنّها موضوعية زائفة، تُساوي بين ضعف الضحية وجبروت المعتدي، مُتّخذةً من تجاوزات ـ تلجأ إليها الضحية للتعبير عن يأسها من جمود الوضع، وإمعان الاحتلال في هضم الحقوق، وسيلةً للإمعان في عزل صوت الضحية وطمس حقّها في المقاومة.
فيلمان لبيتّون ينتميان إلى البورتريه. فيلمان صادقان ومؤثّران، عن وجهين بارزين من وجوه المقاومة الفلسطينية: الأول مرجعيّ عنوانه “محمود درويش: الأرض تورّث كاللّغة” (1998)، تلتقط فيه الارتباط الوجداني بالأرض، كما يُعبّر عنه شاعر الشرط الفلسطيني الأبرز في قصائده، وتفاصيل حياته اليومية، وكينونته ذاتها. الثاني “المواطن بشارة” (2001)، المتميّز بتفاصيله وقبضه على حيوية الشخصية الاستثنائية للمفكر العربي، عزمي بشارة، الملتزم بمناهضة التفرقة العنصرية التي يعانيها فلسطينيو الـ48، من داخل موقعه حينها في الكنيست الإسرائيلي، من دون أنْ يتخلّى عن الدفاع عن حقوق مواطنيه الفلسطينيين في غزّة والضفة الغربية، وفي الشتات.
في “جدار” (2004)، تُسجِّل بيتّون مقدار الكلبية والاحتقار اللتين ينطوي عليهما تشييد السلطات الإسرائيلية لجدار الفصل العنصري، بفضل لقطات ثابتة، تَلْتقِط في الزمن الحقيقي المَشهد، قبل وضع لوحات الحائط، الرمادية والبشعة، وأثناء وضعها وبعده، مُوضحةً عبثية عملية الفصل، وفداحة الخسران الذي ينتج عنها على الإنسان والشجر والحيوان، وعلى الطبيعة برمّتها.
ويذكر أن الفيلم الطويل الوحيد لسيمون بيتّون الذي لا تتطرّق فيه إلى موضوع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي هو “المهدي بنبركة، المعادلة المغربية” (1998)، حول قضية اختطاف واغتيال الزعيم السياسي المغربي في فرنسا، في غمرة استعداده لعقد مؤتمر للحركات الثورية التحرّرية لدول العالم الثالث، الساعية إلى الانعتاق من الاستبداد ورواسب التبعية للاستعمار. وهو ما يؤكّد، بطريقة أخرى، قوّة الارتباط بين هذا السعي، والتزام القضية الفلسطينية في الهوية الثقافية المغاربية – كما جاء في مقدّمة هذه المقالة.