وسط نفق مظلم.. مؤتمر باريس يعطي بارقة أمل للشعب الليبي
انزلقت ليبيا في حالة من الفوضى في أعقاب انتفاضة عام 2011، التي دعمها الناتو، وأطاحت بالدكتاتور معمر القذافي، الذي حكم البلاد لفترة طويلة.
كانت الدولة الغنية بالنفط منقسمة لسنوات بين حكومتين متنافستين، إحداهما في العاصمة طرابلس والأخرى في الجزء الشرقي من البلاد، كل جانب مدعوم من قبل قوى أجنبية وجماعات مسلحة مختلفة.
وقدرت الأمم المتحدة أنه كان هناك ما لا يقل عن 20 ألف مقاتل وعناصر مرتزقة أجانب في ليبيا خلال السنوات القليلة الماضية، بما في ذلك الروس والسوريون والأتراك والسودانيون والتشاديون.
من أجل دعم ليبيا.. مؤتمر دولي في باريس
ومن أجل دعم ليبيا وخروجها من الفوضى بعد عشرات السنوات، استضافت فرنسا مؤتمرًا دوليًا حول ليبيا، مساء الجمعة، بمشاركة من فرنسا وألمانيا وإيطاليا وليبيا والأمم المتحدة، بحضور مسؤولون دوليون وإقليميون رفيعو المستوى.
موعد الانتخابات الليبية
يأتي المؤتمر قبل أقل من ستة أسابيع على الموعد المقرر لإدلاء الليبيين بأصواتهم في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية في 24 ديسمبر.
ومن المقرر إجراء الانتخابات البرلمانية بعد شهرين تقريبا، إلى جانب جولة ثانية للانتخابات الرئاسية.
وبالرغم من اتجاه الدولة الواقعة في شمال أفريقيا إلى انتخابات طال انتظارها، الشهر المقبل، وهي عملية اقتراع تأمل القوى الإقليمية والعالمية أن تخرج الدولة من المأذق التي تمر به.
مع ذلك لا تزال الانتخابات التي طال انتظارها تواجه تحديات، بما في ذلك القضايا العالقة بشأن قوانين الانتخابات والاقتتال الداخلي المتقطع بين الجماعات المسلحة.
وتشمل العقبات الأخرى الخلاف العميق الذي ما زال قائما بين شرق البلاد وغربها ووجود الآلاف من المقاتلين والقوات الأجنبية.
مؤتمر باريس يعقد وسط توترات سياسية
عقد المؤتمر وسط توترات سياسية متكررة في ليبيا غير المستقرة، حيث في نهاية الأسبوع الماضي، اندلع خلاف في طرابلس بشأن وقف وزيرة الخارجية نجلاء المنقوش عن العمل.
وكان المجلس الرئاسي، قد علق عمل الوزيرة المنقوش بسبب “مخالفات إدارية” مزعومة وأصدر أيضا حظرا عليها من السفر، ما يعني عدم قدرة سياسية ليبية بارزة، من المشاركة في مؤتمر باريس.
وليلة انعقاد المؤتمر، أفادت مصادر عسكرية أن 300 من “المرتزقة والمقاتلين الأجانب” الناشطين في مناطق يسيطر عليها المشير خليفة حفتر سيتم “إخراجهم كدفعة أولى” من ليبيا بناء لطلب من فرنسا البلد المضيف للمؤتمر.
غياب بوتين وأردوغان عن حضور مؤتمر باريس حول ليبيا
ومع أن باريس كانت تسعى في بادئ الأمر إلى حضور الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين، والرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، فقد أرسلت أنقرة وموسكو ممثلين أقل مستوى من ذلك، وهو ما قد يدل على التعقيدات المتعلقة بإخراج القوات الأجنبية.
وكشفت فرنسا، سبب غياب الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان”، عن المؤتمر بسبب اشتراطه عدم دعوة اليونان للحضور.
جماعة حقوقية تشكك في نزاهة الانتخابات الليبية
ومن جانب أخر، شككت جماعة حقوقية بارزة، الخميس، فيما إذا كان من الممكن للسلطات الليبية إجراء انتخابات حرة ونزيهة.
وانتقدت “هيومن رايتس ووتش” ما وصفته بقوانين ليبيا التقييدية التي تقوض حرية التعبير وتشكيل الجمعيات، وكذلك وجود جماعات مسلحة متهمة بترهيب ومهاجمة واحتجاز الصحفيين والنشطاء السياسيين.
وقالت في بيان: “الأسئلة الرئيسية التي يجب على القادة طرحها في القمة هي: هل تستطيع السلطات الليبية ضمان بيئة خالية من الإكراه والتمييز وترهيب الناخبين والمرشحين والأحزاب السياسية؟”.
وجاء المؤتمر برسائل قوية وشديدة اللهجة، لكي يرد على كافة الشائعات والتساؤلات خلال الفترة الأخيرة.
رسائل مؤتمر باريس حول ليبيا
ووجه مؤتمر باريس حول ليبيا، مع نهايته، رسائل قوية إلى أطراف الأزمة الليبية، معلنا دعم إجراء الانتخابات في موعدها نهاية العام.
وأكد المؤتمر: “على جميع الجهات الفاعلة الليبية أن تلتزم صراحةً بإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية حرّة ونزيهة وجامعة تتسم بالمصداقية في 24 ديسمبر 2021”.
وتابع: “نقدم الدعم التام لجهود المفوضية الوطنية العليا للانتخابات الرامية إلى وضع الأسس التقنية لتنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية تتكلل بالنجاح في 24 ديسمبر 2021 ، بما في ذلك إعلان النتائج النهائية للانتخابات الرئاسية والتشريعية في وقت واحد”.
وأضاف أن “الأفراد أو الكيانات داخل ليبيا أو خارجها التي قد تحاول أن تعرقل العملية الانتخابية ستخضع للمساءلة وقد تدرج في قائمة لجنة الجزاءات التابعة للأمم المتحدة”.
ومضى قائلا: “نعلن الدعم التام لخطة العمل الشاملة لسحب المرتزقة والمقاتلين الأجانب والقوى الأجنبية من الأراضي الليبية”.
البيان ذكر أيضا: “نعلن احترامنا الكامل لسيادة ليبيا ونرفض جميع التدخلات الأجنبية في الشؤون الليبية”.
وأشاد البيان الختامي بـ”التقدم المحرز نحو إحلال السلام وإرساء الاستقرار في ليبيا”، وكذلك “دور الأمم المتحدة لإضفاء الطابع العملي على مخرجات مؤتمري برلين”.
وأشار البيان إلى أن “العملية الانتخابية في ليبيا لا بد أن تكون جامعة وتشاورية، ونقدم الدعم التام للمفوضية العليا لوضع أسس تنظيم الانتخابات”.
وحض البيان “جميع الجهات الفاعلة الليبية للتقيد بموعد الانتخابات والالتزام علنا باحترام خصومهم السياسيين قبل إجراءها”.
وشدد البيان على أن “كل من ينتهك القانون الدولي الإنساني سيخضع للمساءلة”.
الفائدة من نجاح مؤتمر باريس حول ليبيا
الجدير بالذكر أن نجاح المؤتمر، يعود بالفائدة على ليبيا والدول الأوروبية ودول الجوار، فالاستقرار السياسي يعني ارتفاع فرص استثمارات الشركات الأجنبية في ليبيا، والذي يدفع لتعزيز الاقتصاد.
ويعتبر استقرار ليبيا وقوتها، يعني قدرتها على مكافحة الجماعات الإرهابية، وبكل تأكيد سيدفع ذلك إلى إيجاد حلول لمشكلة المهاجرين واللاجئين وهو ما يهم أوروبا.